ذلك فأبى الكلابي أن يقبل، فلما قدم عمير قالت له أمه وهي أم قرين: لا تقتل أخاك، وسق إلى الكلابي جميع ماله، فأبى الكلابي أن يقبل، وقد لجأ قرينٌ إلى خاله السمين بن عبد الله فلم يمنع عميرًا منه، فأخذه عميرٌ فمضى به حتى قطع الوادي فربطه إلى نخلة، وقال للكلابي: أما إذ أبيت إلا قتله فأمهل حتى أقطع الوادي، وارتحل عن جواري فلا خير لك فيه، فقتله الكلابي، ففي ذلك يقول عمير:
قتلنا أخانا للوفاء بجارنا ... وكان أبونا قد تجير مقابره
وقالت أم عمير:
تعد معاذرًا لا عذر فيها ... ومن يقتل أخاه فقد ألاما
وقوله: "ولم تكن للغدر خائنة"، ولم يقل خائنًا. فإنما وضع هذا في موضع المصدر والتقدير: ولم تكن ذا خيانة.
وقوله"للغدر": أي من أجل الغدر، وقال المفسرون والنحويون في قول الله ﷿: ﴿وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ﴾ ١ أي لشديدٌ: من أجل حب الخير، والخير ههنا: المال، من قوله تعالى: ﴿إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ﴾ ٢.
وقوله" لشديدٌ": أي لبخيل، والتقدير والله أعلم: إنه لبخيل من أجل حبه للمال، تقول العرب: فلان شديد ومتشدد أي بخيل، قال طرفة:
أرى الموت يعتام الكرام ويصطفي ... عقيلة مال الفاحش المتشدد٣
وقلما يجيء المصدر على فاعل، فمما جاء على وزن "فاعل": قولهم عوفي عافيةً، وفلج فالجًا، وقم قائمًا: أي قم قيامًا، وكما قال:
١ سورة العاديات ٨.
٢ سورة البقرة ١٨.
٣ يعتام: يختار، وعقيلة المال: أكرمه: والفاحش: السيء الخلق.