د غصب عمر څومره دی؟: هيکل او عربي عقل د بحران
كم عمر الغضب؟: هيكل وأزمة العقل العربي
ژانرونه
هذا الجانب من الموضوع سكت عنه هيكل تماما وسط الضجيج الهائل الذي أثاره في كتابه الأخير، وفي أحاديثه الصحفية الكثيرة هذه الأيام، حول حرب أكتوبر، فهل كان سكوته شعورا بالحرج من أن تنكشف النتائج المأساوية لدعوته إلى سياسة «التحييد»، أم كان امتناعا عن الغوص في البحار العميقة، التي تهدد من يقترب منها بالغرق؟
أيا ما كان الجواب، فإن هذه هي المرحلة التي أقام فيها السادات اتصالا وثيقا مباشرا مع الأمريكيين ، وفيها يروي هيكل قول السادات لكيسنجر، عندما اجتمع به في بداية محادثات فض الاشتباك الأول، «لماذا لم تأت من قبل؟» وفي رأيي الشخصي أن هذا الاتصال المباشر الذي أقامه السادات مع الأمريكيين منذ ذلك الحين، والذي ازداد توثقا مع الأيام خلال السنوات التالية، كان من الأسباب الرئيسية للجفوة ثم الخلاف بين هيكل والسادات؛ إذ كان السادات قبل هذه الفترة يعتمد كثيرا على هيكل في كل ما يتعلق بالاتصال بالأمريكيين، على أساس الصلات الوثيقة التي كانت تربط هيكل بهم، وعلى أساس ما كان شائعا عنه من أنه يفهم الأمريكيين أكثر من غيره، ولكن منذ أن أقام السادات جسوره المباشرة بنفسه، ومنذ أن فتحت قنوات اتصال واسعة بينه وبينهم، لم يعد في حاجة إلى صلات هيكل أو خبرته الأمريكية، وبدأ يتجه إلى الاستغناء عنه، وفي الوقت ذاته فإن هيكل، عندما شعر بأنه يستبعد بالتدريج، أخذ يوجه انتقاداته إلى سياسة السادات، لا سيما وأن هذا الأخير قد سكر بنشوة الغرام الأمريكي، إلى حد أنه أوقع نفسه في أخطاء لا حصر لها، بينما كان هيكل يعرف جيدا أن أمريكا لا ترتبط طويلا بالعشيق الولهان بحبها أكثر مما يجب، والذي يفصح عن هذا الحب علنا ودون مواربة، أنها سرعان ما تنبذ كل من يفضح غرامه بها؛ لأنها تفضل دائما العلاقات الخفية، المستورة، الشديدة الفعالية، ولا بأس - حتى - من مهاجمة أمريكا في العلن من آن لآخر، حتى تظل الروابط الخفية قائمة. هذا هو قانون الغرام الأمريكي الذي لم يفهمه السادات، فدفع حياته ثمنا لعدم الفهم. •••
وهنا نصل إلى منطقة أخرى من مناطق البحار العميقة، مر عليها هيكل في كتابه سريعا، وعالجها بطريقة غير متعمقة، مع أنها كانت تستحق وقفة متأنية وتحليلا متعمقا - وأعني بها موضوع مقتل السادات، واحتمال وجود دور لأمريكا فيه، فهيكل قد حرص على تبرئة الأمريكيين من أية شبهة في هذا الحادث، بعد مناقشة موجزة تنم عن رغبته في أن ينفض يديه بسرعة من هذه المسألة الشائكة، في الوقت الذي حرص فيه على أن يتقصى خبايا مسائل أقل أهمية من هذه بكثير.
فحين طرح هيكل النظرية القائلة بوجود مؤامرة أمريكية في قتل السادات، استبعدها بسرعة لثلاثة أسباب تبدو في نظرنا غير مقنعة على الإطلاق.
السبب الأول أن نظام السادات كان أحد الدعائم الرئيسية في سياسة ريجان المعادية للشيوعية في المنطقة، واستطاع التدخل في بعض بؤر المتاعب الأفريقية (متاعب من وجهة نظر أمريكا بالطبع، أما من وجهة نظر العالم الثالث فهذه «المتاعب» هي حركات تحرير وطني)، والسبب الثاني أن الولايات المتحدة لا تستطيع تحمل سقوط شاه آخر بعد أقل من سنتين من سقوط الشاه الأصلي في إيران. أما الثالث فهو أن من الصعب تصور وجود تلاق في الفكر أو العمل بين وكالة المخابرات المركزية الأمريكية وبين التنظيمات الإسلامية.
هذه الأسباب لا تكفي على الإطلاق لتبرئة أمريكا من تهمة التآمر على قتل السادات؛ إذ إن محاربة السادات للشيوعية تتوقف على مقدار فاعليته كحاكم، بين شعبه والشعوب العربية الأخرى، أما فقدان السادات لفاعليته بين الشعوب العربية فكان قصة معروفة، بدأت منذ فض الاشتباك الأول، وانتهت إلى قطيعة تامة بعد اتفاقية كامب ديفيد، وهو أمر ينبغي أن تضعه أمريكا في اعتبارها، عندما تحسب مدى فائدته لها كصديق، وأما فاعليته بين شعبه فقد شهد بضياعها كثير من الأمريكيين، ومنهم سفراء في المنطقة نشروا تقارير مشهورة تضمنت نقدا مريرا لسياسة السادات، وكان الشاهد الأكبر على فقدان السادات فاعليته كصديق ينفع أمريكا في تحقيق سياستها في المنطقة، هو حركة اعتقالات سبتمبر، التي أغضبت الجميع، ولم تترك للسادات صديقا في مصر، بدءا بأقصى اليمين، حتى أقصى اليسار، مرورا بأحزاب المعارضة والسياسيين المخضرمين، فما قيمة هذا الصديق الذي يفقد فاعليته في بلده إلى هذا الحد؟ إن من اللافت للنظر أن حجم الانتقادات التي وجهت إلى أسلوب حكم السادات، بعد اعتقالات سبتمبر، التي سبقت اغتياله بشهر واحد، كان هائلا إلى درجة أدهشت السادات نفسه، فقد ثارت الصحافة الغربية، في أمريكا بوجه خاص، ثورة عارمة على ممارسات السادات غير الديمقراطية، وهو أمر ليس من عادتها أن تقوم به بالنسبة إلى أصدقائها في أمريكا اللاتينية، مثلا، الذين يصفون الألوف من معارضيهم جسديا، دون أن تتحرك الصحافة إلا فيما ندر، وهكذا كان واضحا أن نفس أولئك الذين «صنعوا النجم»، قرروا أن وقت أفوله قد حان.
أما عدم تحمل أمريكا لسقوط شاه آخر بعد أقل من سنتين، فهو حجة لا تقنع أحدا؛ إذ إن أمريكا تستطيع أن تتحمل سقوط ألف شاه ما دامت واثقة من أنها ستجد البديل، ولا ننسى أن الشاه كان يؤكد دائما أن أمريكا هي التي ألقت به بعيدا «كالفأر الميت»، بل إن احتمال اشتراك مخابراتها في التعجيل بموته، قد أثير بقوة في كثير من الأوساط.
تبقى أخيرا مسألة استبعاد وجود تلاق في الفكر أو العمل، بين المخابرات المركزية الأمريكية والتنظيمات الإسلامية، وهذه في الواقع حجة شديدة السذاجة، لا يملك المرء إزاءها إلا أن يقول لهيكل: أنت تعرف خيرا من ذلك! فالمخابرات الأمريكية لن تتلاقى مباشرة بالطبع، في الفكر أو العمل، مع أي تنظيم كذلك الذي قتل السادات، وإنما ستعمل من خلال «وسائط» قريبة من فكر هذا التنظيم وعمله، وما أكثر هذه الوسائط في البلاد الإسلامية، ولا بد أن يكون أسلوب العمل هو الاتصال عن بعد، بحيث لا يشعر المنفذون الأصليون بوجود أي تحريض خارجي على الإطلاق، وتظل دوافعهم الدينية الأصلية هي التي تدفعهم طوال الوقت، وينبغي أن نلاحظ أن تغلغل أجهزة المخابرات العالمية في الجماعات الشديدة التطرف، يمينا ويسارا، هو أسهل الأمور، وهو حادث بالفعل على نطاق عالمي. وعلى أية حال فإننا هنا ندخل منطقة من أخطر مناطق البحار العميقة، التي ينبغي فيها على شهرزاد أن تسكت عن الكلام المباح، وإلا فلن يدركها الصباح!
إن إبداء رأي قاطع في مثل هذه الأمور، التي هي بطبيعتها شديدة الخفاء، والتي تدبر بإحكام وتكتم بالغ، هو أمر مستحيل، ويكفي أن رئيس جمهورية أمريكيا مشهورا هو جون كنيدي قد اغتيل في ظروف مريبة إلى أقصى حد، وشعر الكثيرون أن أجهزة أمريكية خفية هي التي قتلته، ولكن الموضوع ظل حتى يومنا هذا غامضا، يثير علامات استفهام كبرى، بعد أن قدمت هذه الأجهزة شخصا على أنه القاتل، ثم قتلت هذا القاتل، ثم قتلت قاتل القاتل! إنها أمور لا تتكشف حتى لأدق لجان التحقيق، ولكن «الضحايا» الذين يعرفون أساليب هذه الأجهزة خيرا منا جميعا، لأنهم تعاملوا معها طويلا؛ غالبا ما يفهمون طبيعة ما حدث. فقد أدرك شاه إيران، كما قلنا، أن سلبية قادة جيشه إزاء المظاهرات العارمة في أيامه الأخيرة، لا بد أن تكون راجعة إلى أوامر من أسيادهم الأمريكان، وكانت زوجة السادات وأسرته، كما قال هيكل نفسه، من أقوى المؤيدين لنظرية المؤامرة الأمريكية، ولم يعدلوا عنها لأسباب منطقية، بل لأسباب مصلحية: «فقد وجد أفراد الأسرة أنها (أي النظرية) لا تستطيع أن تصل بهم إلى شيء، بل بالعكس قد تضر مصالحهم مع قوة يعتبرون أنها قادرة على حمايتهم.»
إنها كما قلت موضوعات شديدة التعقيد، يكاد يستحيل كشف وقائع ملموسة تلقي الضوء على خباياها، وكل ما يملكه المرء إزاءها هو أن يستنتج، ويرجح الفرض الذي يفسر أكبر عدد ممكن من الظواهر، وأحسب أن افتراض وجود مؤامرة أمريكية، بالصورة التي عرضناه بها، أقدر من غيره على تفسير أشياء كثيرة، فضلا عن أنه لا يتعارض مع الفرضين الآخرين، أعني وجود مؤامرة داخل الجيش، ووجود تنظيم إسلامي واسع النطاق هو الذي تولى تنفيذ العمليات، فمن الممكن أن يكون لهذه الجهات الثلاث معا دور في تلك العملية، التي خططت ونفذت بإحكام يفوق الوصف، وهو احتمال لم يعرض له هيكل، في حرصه الشديد على استبعاد الفرض الأمريكي بسرعة.
ناپیژندل شوی مخ