د غصب عمر څومره دی؟: هيکل او عربي عقل د بحران
كم عمر الغضب؟: هيكل وأزمة العقل العربي
ژانرونه
ولكن لدى هيكل، بالطبع، إجابة جاهزة، إنه يقول للقارئ: لم يكن هناك عندئذ ما يدعو إلى الانزعاج، ولا حتى إلى الاهتمام، فقد كانت المسألة مؤقتة، لن تطول أكثر من أسبوع، وكانت مجرد احتياط من أن تقع مؤامرة الاغتيال في المغرب، وكل ما في الأمر هو أن السادات قد خدمه الحظ، طوال السنوات التالية؛ لأن عبد الناصر وضعه على كرسي الخلافة ونسي أن يبعده عنه - وهو معذور في هذا النسيان، فقد كانت الأحداث جساما، ولم يكن لديه من الوقت ما يسمح له بأن يتذكر هذا الموضوع التافه، موضوع تعيين السادات خليفة له في حكم مصر!
مرة أخرى، لست أدري، ماذا يكون شعور القارئ وهو يستمع إلى حجة هيكل هذه، ولكنني أقول عن نفسي إنني شعرت بإهانة أخرى، إهانة لعقلي وتفكيري وآدميتي يوجهها إلي واحد من أولئك الذين عاشوا طويلا في جو الاستخفاف بعقول الناس والاستهانة بهم.
فحسب أقوال هيكل نفسه، وقع اختيار عبد الناصر على السادات لتسيير شئون الدولة مرتين، لا مرة واحدة، الأولى عند إصابته بنوبة قلبية، والثانية عندما قرأ تقارير الأمن عن المؤامرة المغربية الأمريكية المحتملة، وهذا معناه أن الاختيار لم يكن عشوائيا على الإطلاق، بل كان متعمدا مقصودا، ولا شك أن الإصابة بنوبة قلبية هي إنذار كاف لأي إنسان، أي أن احتمالات النهاية لا بد أن تكون قد طافت، ولو من بعيد، بذهن عبد الناصر؛ وعلى ذلك فحين يختار خلفا له، فإنه يعلم أن هذا يمكن أن يكون اختيارا لمستقبل بلاده، وحتى لو كانت مؤامرة المغرب مجرد إشاعة، فإنها تستدعي اختيار أصلح العناصر للخلافة، على سبيل الاحتياط أيضا.
ولكن الكارثة الكبرى في الموضوع كله تكمن في نقطتين: الأولى هي قول عبد الناصر: «إن الآخرين جميعا واتتهم الفرصة ليكونوا نوابا لرئيس الجمهورية إلا أنور، ولعله دوره الآن.» إذن كان حكم مصر «بالدور»! مجموعة الضباط الذين شكلوا مجلس قيادة الثورة، يتناوبون على المنصب الخطير واحدا بعد الآخر، وفي النهاية، وفي لحظة مرض القلب والتهديد بالاغتيال، بقي واحد منهم، فلا بد إذن أن يأخذ نصيبه، ونصيبه هو أن يكون خليفة لحاكم مصر.
إنني لا أشك لحظة واحدة في ذكاء هيكل الذي كان بالفعل غير عادي، ولكن الأمر الذي يذهلني بحق هو: كيف فات على هيكل، بكل ذكائه، المغزى الواضح والصارخ لهذا الكلام؟ كيف يعجز هيكل الموهوب عن أن يدرك أنه، بكلامه هذا، يسيء إلى عبد الناصر أبلغ إساءة، ويهين مصر كلها إذ يصورها على أنها «عزبة» لا بد أن يتناوب على امتلاكها مجموعة الضباط هؤلاء «بالدور»؟ فكر جيدا أيها القارئ في المقياس الذي يتم على أساسه الاختيار: ليس الكفاءة، التي لم يثبت السادات خلال حكم عبد الناصر - حسب كلام هيكل - شيئا منها، وليس الوطنية، فقد كان عبد الناصر وهيكل يعلمان أنه كان في وقت ما عميلا مزدوجا، وليس وجود برنامج لإنقاذ الوطن لديه، فقد كان بشهادة هيكل عاكفا على حياته الخاصة، عزوفا عن القراءة والاطلاع وتثقيف نفسه، وإنما المقياس هو أنه الوحيد الذي لم ينل بعد نصيبه من الفطيرة؛ هو أن «عليه الدور»!
أما الكارثة الثانية، في هذه القصة الحزينة، فهي أن عبد الناصر، بعد أن وضع السادات في هذا المنصب الخطير، تركه فيه لأنه «نسي»، هكذا يريدنا هيكل أن نصدق أن شيئا بالغ الأهمية كهذا يمكن أن ينسى بمثل هذه السهولة؛ ولكي يبرر لنا هذه الحجة الهزيلة يعدد أمامنا المشكلات التي انشغل بها عبد الناصر خلال الفترة التي كان السادات فيها «منسيا» في منصب الرجل الثاني في مصر، لقد كانت تلك مشكلات خطيرة حقا، ولكن خطورتها ذاتها كانت تفرض على عبد الناصر أن يزداد تذكرا لموضوع خلافته، لا أن ينساه، فالسادات أمامه كل يوم، وهو بالقطع لم يحصل على قرار التعيين نائبا لرئيس الجمهورية ثم أسرع يختبئ في مكان بعيد، داعيا الله أن ينساه الرئيس إلى أن يموت! وخطورة المشكلات التي كان يواجهها عبد الناصر هي ذاتها أقوى مبرر لكي يتذكر في كل لحظة أن الوطن في خطر، وأن من يخلفه في حمل الأمانة ينبغي أن يكون على مستوى المسئولية.
وحتى لو لم تذكره بموضوع الخلافة تلك الأحداث الجسام، فإن تصرفات السادات ذاتها لا بد أنها أدت إلى تذكيره بنوع الاختيار الذي قام به؛ فقد حدثت فضيحة القصر الذي استولى عليه السادات، بإلحاح من زوجته، من ضابط سابق اشتغل في الأعمال الحرة (لا أدري من أين استولى عليه هو الآخر، أو من أين أتته الأموال لشرائه)؛ حدثت هذه الفضيحة «بعد» تعيين السادات نائبا للرئيس، وحسب رواية هيكل فإن عبد الناصر غضب غضبا شديدا عندما علم بما حدث، ومع ذلك فإن هيكل يذكر، بطريقة غير مفهومة ولأسباب غير واضحة، أن عبد الناصر عندما هدأ غضبه كافأ السادات بقصر على النيل! وهكذا فإن عبد الناصر، كما يصوره لنا هيكل، تلقى إنذارا واضحا بنوع السلوك الذي يمكن أن يسلكه السادات عندما يترك له حكم مصر، فإذا لم تكن المشكلات الدولية والقومية والوطنية الخطيرة التي كانت تشغل عبد الناصر، عندئذ، كفيلة بأن تذكره بضرورة اختيار خليفة وطني قادر على التصدي لها، ألم يكن اغتصاب السادات لبيت لا يملكه، لمجرد أنه أعجب زوجته، كافيا لكي ينبه عبد الناصر إلى عيوب الرجل الذي ائتمنه على أمته كلها من بعده؟ ومع ذلك فإن عبد الناصر، حسب رواية هيكل، كافأ السادات بقصر على النيل بعد فترة غضب قصيرة! أيريد هيكل أن يوحي لنا بأن تصرفات مثل الاستيلاء على بيوت الآخرين لم تكن تصدم الحس الأخلاقي لعبد الناصر؟ أيريد أن يقنعنا بأن مغتصب مال الغير كان في نظره يستحق مكافأة؛ مكافأة عاجلة هي قصر على النيل، ومكافأة آجلة هي النيل كله، بأرضه وشعبه؟
ولنتأمل تناقضا آخر: لقد كان عبد الناصر، عندما عين السادات نائبا له، يتحوط ضد مؤامرة تشترك فيها عناصر مغربية وتدبرها المخابرات المركزية الأمريكية، ولكن عبد الناصر كان، من جهة أخرى، يعرف أن للسادات ميولا أمريكية قوية، وحسبنا دليلا على هذا أن نشير إلى مقال كتبه السفير الأمريكي الأسبق في مصر، لوشيوس باتل، تحدث فيه عن رحلة رتبها للسادات وزوجته عام 1966م، وعاد بعدها السادات مبهورا بكل ما هو أمريكي، ويهمنا في المقال إشارة الكاتب إلى أن عبد الناصر، عندما قابله بعد ذلك في إحدى الحفلات، قال له: «صاحبكم هذا، أنور السادات، محب ولهان لأمريكا.» فلما قال له السفير: «وما العيب في ذلك؟ ليته كان هناك آخرون لديهم نفس الاتجاه في هذا البلد.» ضحك عبد الناصر، «ولكن كانت هناك دائما مسحة من الاستخفاف في تعليقاته.»
1
وبطبيعة الحال فإن مسلك السادات تجاه أمريكا خلال سنوات حكمه يجعلنا لا نشك لحظة واحدة في صحة هذه الرواية، ولكن، كيف يكون عبد الناصر على علم بميول السادات الأمريكية القوية طوال هذا الوقت، ثم يختاره نائبا بسبب مؤامرة أمريكية محتملة؟ هل يقبل الأب الذي يتعرض للتهديد بالقتل من أفراد عصابة معينة، أن يختار أحد هؤلاء الأفراد وصيا على أبنائه من بعده؟
ناپیژندل شوی مخ