د غصب عمر څومره دی؟: هيکل او عربي عقل د بحران
كم عمر الغضب؟: هيكل وأزمة العقل العربي
ژانرونه
ويستنكر زعيم يمني سابق على هيكل أنه يعير السادات بفقره، فيذكر القراء بأن الله قد اختار أنبياءه من الفقراء ، وقال لرسوله:
فأما اليتيم فلا تقهر * وأما السائل فلا تنهر * وأما بنعمة ربك فحدث ، ثم يعلق الزعيم السابق المشهور قائلا: «ولم نسمع أن السادات قهر يتيما، ولا نهر سائلا، وكان بنعمة ربه يحدث.»
4
والنموذج الثالث شهادة سريعة لموسى صبري، يكرر فيها قصة عن السادات الذي أصر على أن يقرأ بنفسه شكوى رجل فقير بعد أن حاول سكرتيره الخاص أن يعالج الموضوع دون تدخل من الرئيس، ثم قال السادات لهذا السكرتير: «أنت يا فوزي لم تعان الفقر كما عانيته.»
5
هذه الأمثلة تكفي للدلالة على التدهور الخلقي والفكري، الذي يمكن أن يصل إليه الإعلام في ظل القمع، فكاتب العبارة الأولى، على سبيل المثال، لا يخجل من الحديث عن رحمة الرئيس بالفقراء، ويتوهم أن الوعي لدى الجماهير قد انعدم إلى حد نسيان مجموعة المليونيرات التي أحاطت بالرئيس السابق وصاهرته، وتلك التي أعطيت لها كل الفرص لنهب أموال الشعب في ظل الانفتاح، ولا يتورع الكاتب عن الحديث عن شقة لكل عروس، في الوقت الذي تشهد به تجربة الناس اليومية، أن أسعار المساكن الخيالية، وصلت إلى أرقام، لم تعد تقدر عليها إلا عروس واحدة بين كل ألف عروس، وهو لا يستحي من الحديث عن الطعام لكل فم وسط الغلاء الطاحن، ولا عن الدواء لكل مريض وسط الإهمال الكاسح لعلاج الشعب، والارتفاع الصاروخي لأسعار العلاج الخاص! فماذا يمكن أن يقول العقل والمنطق، حين تصل الصفاقة بالإعلام إلى هذا الحد؟
إن من العبث أن يسترسل المرء في مناقشة هذه الشهادات الفجة، التي لا ترتكز إلا على مغالطات مفضوحة، وما استشهدنا بها ها هنا، إلا لكي نقدم نماذج للمستوى، الذي أصبحت تناقش به أمور المجتمع المصيرية في الوقت الراهن، ولكن الأهم من ذلك هو أن نتساءل: هل يكفي التعليل الذي قدمه هيكل، والذي يرتكز على فكرة عقدة الفقر؛ لكي يفسر البذخ المفرط الذي تميزت به حياة السادات، وحياة المحيطين به من أقارب وأصحاب؟ إن عقدة الفقر، كما قلنا، يمكن أن تتجه اتجاها عكسيا، فتولد لدى الحاكم تعاطفا حقيقيا مع الفقراء، وسعيا جادا إلى استئصال الأسباب المؤدية إليه، فلماذا إذن كان الاتجاه، في حالة السادات، إلى التمتع المفرط بنعم الحياة، والاندماج التام بأكبر أثرياء المجتمع؟
في رأيي أن المسألة اختيار واع ومقصود لنمط معين من أنماط الحياة، ولفئة معينة في المجتمع هي الأقدر على إشباع احتياجات نمط الحياة المطلوب، فالتفسير هنا اجتماعي واقتصادي قبل أن يكون نفسيا.
والدليل على صحة الرأي الذي نقدمه هو أن السادات حارب فكرة الفقر ذاتها، بطريقة متعمدة، أملا في إلغائها من القاموس، وبذل جهودا واعية لإقامة «فلسفة» خاصة به، لا مكان فيها لمفهوم الفقر، وبذلك تكتمل عملية تغييب الوعي لدى الجماهير التي تشعر بوطأة الفقر في حياتها اليومية حتى لو لم تفهم الأسباب الحقيقية المؤدية إليه، ففي معظم خطب السادات وأحاديثه كانت هناك دعوة متكررة إلى إلغاء الحقد، والاستعاضة عنه بالحب والتآلف والانسجام في ظل مجمع «الأسرة الواحدة»، الذي يرعاه ويسهر عليه «كبير العائلة». والحقد هنا ليس إلا تطلع الفقراء إلى نمط حياة الأغنياء، وإلغاء الإحساس بالفوارق الصارخة بين الطبقات، بدلا من أن تقوم على إلغاء هذه الفوارق ذاتها، ولا جدال في أن الإلحاح على الناس ليل نهار؛ كي يتخلوا عن الحقد ويحبوا بعضهم بعضا، في إطار مجتمع يسوده كل هذا القدر من التفاوت في الثروات وفي كافة فرص الحياة، إنما هو محاولة واعية لتزييف عقول الناس، بحيث تنسى واقعها الأليم ذاته، وليس على الإطلاق مجرد رد فعل نفسي من جانب الحاكم على نشأته الفقيرة.
ولعل الدليل الأوضح من هذا كله هو موقف السادات من أحداث يناير 1977م، فهذه الأحداث «ثورة فقراء» بمعنى الكلمة، والأمر اللافت للنظر حتما، في موقف السادات إزاءها، ليس أسلوب القمع العنيف الذي اتبعه لإخمادها، فهذا هو المسلك المنتظر من أي حاكم في مثل موقفه، ولكن ما ينفرد به السادات هو أنه حاول أن يلغي طبيعة الحدث ذاته، ويحذف منه عنصره الأساسي؛ عنصر الفقر، حذفا كاملا، وهكذا ظل السادات شهورا طويلة، بعد يناير، يوجه إلى كل من يناقشه أو يحاوره سؤالا لا يتغير: انتفاضة شعبية أم انتفاضة حرامية؟ وتبعا للإجابة عن هذا السؤال يتحدد موقف كل شخص، إن كان مع السلطة أو ضدها، من أنصار الانفتاح أو خصومه، من الطبقة العليا الجديدة أم من الطبقات الدنيا، كان إطلاق اسم «الحرامية» على تلك الملايين التي خرجت في مظاهرات تلقائية عارمة ضد رفع الأسعار، هو في ذاته اختيارا طبقيا لا تخطئه أي عين، وبغض النظر عن أن وجود كل هذا العدد الهائل من «الحرامية» (لو صحت التسمية) هو في ذاته دليل على أن هناك خللا أساسيا في المجتمع، فإن الشيء الذي ينطوي على دلالة عميقة هو أن الاختلاف حول الاسم كان يعكس محاولة من الحاكم لإنكار وجود الفقر في المجتمع أصلا، فالمتظاهرون لم يخرجوا لأنهم فقراء، بل لأنهم «حرامية». هذه قمة التوحد مع الطبقة الثرية التي أصبحت تحكم مصر وتنهب مواردها، ذلك التوحد الذي يصل إلى حد إلغاء كلمة الفقر من القاموس، وكأن حذف لفظ معين وإحلال لفظ آخر محله سوف يستأصل الظاهرة نفسها من جذورها!
ناپیژندل شوی مخ