كتاب
كف الرعاع عن محرمات اللهو والسماع
تصنيف
ابن حجر الهيتمي
(٨٩٩ - ٩٧٤ هـ)
تحقيق
عبد الحميد الأزهري
1 / 1
عملي في الكتاب
١ - قمت بعمل ترجمة لمصنِّف الكتاب.
٢ - قمتُ بضبط النص بانتخابه من النُّسخ التي سيأتي بيانُها.
٣ - قمتُ بتخريج الآيات، والأحاديث، والآثار مع الحكم عليها في الغالب.
٤ - قمتُ بالترجَمة لبعض الكُتُبِ، والأعلام التي اعتَمَد عليها المصنِّف.
٥ - قمتُ ببيان غريب الألفاظ الواردة في بعض نصوص الكتاب.
منهجي في تحقيق نسخ المخطوط:
اعتمدت في تحقيق الكتاب على نسختين خطيَّتين من أصل سبع مخطوطات داخل المكتبة الأزهرية، ورمزت لهما بالرمزين (ز١)، (ز٢)، كما اعتمدت على طبعة مصطفى البابي الحلبي وسمَّيتها بـ (المطبوع)، وبسبب كثرة التصحيفات وسقطِ بعض الكلمات في المخطوط (ز٢) جعلتُ أصل الكتاب من المخطوط (ز١)، وعند وجود تصحيفات أو طمس بعض الحروف أو سقط بعض الكلمات أو اختلاف بيِّن في معاني الألفاظ بين المخطوطين - أنبِّه على ذلك في الحاشية.
وقمت باستدراك هذه الكلمات ووضعتُها بين معقوفين، فأيُّ كلمةٍ بين معقوفين فإنها إمَّا سقط أو تصحيف من المخطوط (ز١)، وتَمَّ استدراكه من المخطوط (ز٢)، إلاَّ أنْ أنصَّ على خلاف ذلك في الحاشية؛ كأنْ يتمَّ الاستدراك من طبعة مصطفى الحلبي أو من مصادر التحقيق.
كما قد تتَّفق كلمتان بين المخطوط (ز١) و(ز٢) في المعنى وتختلف في اللفظ؛ نحو: (الماوردي من كبار أصحابنا)، (الماوردي من كبار أئمَّتنا)، فأترُكها على أصل المخطوط (ز١)، وإذا كان هناك كلمتان اختلفتا في
1 / 2
اللفظ والمعنى أُثبِتُ ما في المخطوط وأبيِّن في الحاشية ما في المطبوع نحو (القراءة، والقرآن).
وصف النسخة:
١ - النسخة الخطية (ز١):
اعتمدت على النسخة الخطيَّة الموجودة في المكتبة الأزهرية - برقم خاص ١٣٤٣ - مجامع ٥٧٧٠٥، وتقَع في ٥٨ ورقة، كلُّ ورقة فيها صفحتان، مسطراتها ٢٣ سطرًا، كتبت بخطٍّ جميل، ويظهَر على طرَّتها اسم الكتاب "كف الرَّعاع عن محرَّمات اللهو والسَّماع لابن حجر الهيتمي".
بداية النسخة: "وقف محمد حسين باشا، بسم الله الرحمن الرحيم، وبه نستعين، الحمد لله الذي حظر مواطن اللهو على عباده ... ".
نهاية النسخة: " ... وكان الفراغ من كتابة هذه النسخة المباركة يوم الثلاثاء أربعة وعشرون الحجة سنة ١٢٩٣، على يد كاتبه علي حسانين غفر الله له ولوالديه ولجميع المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات آمين".
ثم ختمها بلاميَّة البوصيري.
٢ - النسخة الخطية (ز٢):
اعتمدت على النسخة الخطية الموجودة في المكتبة الأزهرية - برقم ٣٠٧٢٢٦، وتقع في ٦٠ ورقة، كل ورقة فيها صفحتان، مسطراتها ٢٥ سطرًا، كتبت بخط نسخي جميل، ويظهَرُ على طرَّتها اسم الكتاب "كف الرَّعاع عن محرَّمات اللهو والسَّماع" تأليف العالم العلامة شهاب الدين أحمد بن حجر الهيتمي رحمه الله تعالى.
بداية النسخة: "بسم الله الرحمن الرحيم، وهو حسبي وكفى، الحمد لله الذي حظر مواطن اللهو على عباده ... ".
1 / 3
نهاية النسخة: " ... تَمَّ الكتاب بعون الملك الوهَّاب، والحمد لله رب العالمين، وصلَّى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، تَمَّ وكمل".
٣ - النسخة المطبوعة:
نسخة شركة مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر مطبوعة مع ضمن كتاب "الزواجر عن اقتراف الكبائر" للمصنف نفسه، وطبع معها أيضًا: "الإعلام بقواطع الإسلام" للمصنف أيضًا.
مميزات النسخة المطبوعة:
بها جهدٌ بيِّن وواضح في المقابلة، وإنْ كان يُؤخَذ عليها عدم الاهتمام بتحقيق الكتب حديثيًّا، وتطوير ورق الكتب لديها.
أمثلة للأخطاء في النسختين (الخطية، والمطبوعة) وتَمَّ تصويبها من مصادر التحقيق:
أ- قال المصنف: "ادعى الكمال جعفر الأُدفوي فِي كتابه "الإسماع في أحكام السماع"".
الصواب: "ادعى الكمال جعفر الأُدفوي فِي كتابه "الإمتاع في أحكام السماع"".
ب- قال المصنِّف: "أنَّ تفسير الكوبة من كلام راويه علي بن نديمة".
الصواب: "أنَّ تفسير الكوبة من كلام راويه علي بن بذيمة".
ج- قال المصنِّف: "وذُكِرَ عند [عبدالله] بن سيرين الذِينَ يُصْرَعُونَ".
الصواب: "وذُكِرَ عند [محمد] بن سيرين الذِينَ يُصْرَعُونَ".
د- قال المصنف: "وعن روح ابنة أبي لهب قالت: دخل علينا رسول الله ﷺ[حين تزوجت ابنة أبي لهب] فقال: «هل من لهو؟»؛ رواه أحمد".
1 / 4
الصواب: "وعن زوج ابنة أبي لهب قال: دخل علينا رسول الله ﷺ[حين تزوجت ابنة أبي لهب] فقال: «هل من لهو؟»؛ رواه أحمد".
هـ- قال المصنف: "وقال وكيع وسفيان في قوله تعالى: ﴿وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالأَزْلَامِ﴾ (١) هي الشِّطرَنج".
الصواب: "وقال سفيان بن وكيع في قوله تعالى: ﴿وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالأَزْلَامِ﴾ هي الشِّطرَنج".
وقال المصنف في المخطوط: "وأنه ﷺ صارع ركانة على شاة رواه أبو داود، والترمذي عن محمد بن ركانة صارع النبي ﷺ".
وفي المطبوع: "وأنَّه ﷺ صارَعَ رُكانَةَ على شاة رواه أبو داود، والتِّرْمِذِيُّ عن محمد بن رُكانَةَ أنَّ ركانة صارعَ النبي ﷺ".
الصواب: "وأنه ﷺ صارَعَ رُكانَةَ على شاةٍ رواه أبو داوُد، والتِّرْمِذِيُّ [من حديث أبي الحسن العَسقلاني، عن أبي جعفر بن محمد بن رُكانَةَ: أنَّ ركانة] صارَعَ النبي ﷺ".
أمثلة الأخطاء في النسخة المطبوعة وتَمَّ تصويبها من المخطوط أو من مصادر التحقيق:
أ- في المطبوع: "والقاضي شريح، والزبير بن بكار فِي روضتيهما".
الصواب: "وللقاضي شريح والزبير بن بكار فِي زوجتيهما".
_________
(١) سورة المائدة: ٣.
1 / 5
ب- في المطبوع: "وفي "التهذيب": إنْ كان التشبيب في امرأةٍ معيَّنة أو غُلام معيَّن فسق، وإلاَّ فلا وهو إنْ صحَّ وإنْ قال الروياني".
الصواب: "وفي "التهذيب": إنْ كان فِي التشبيب بامرأةٍ معيَّنة أو غُلام معيَّن فسق، وإلاَّ فلا، وهو الأصحُّ، وإنْ قال الروياني".
ج- في المطبوع: "بل الغالب أنَّ القصد به برقيق الشعر وإظهار الصَّنعة".
الصواب: "بل الغالب أنَّ القصد به ترقيق الشعر وإظهار الصَّنعة".
٣ - التضاد بين النسختين (الخطية، والمطبوعة):
أ - في المطبوع: "فظاهر كلام ابن الحاجب موافقته عن بعض المالكية".
في المخطوط: "فظاهر كلام غير ابن الحاجب موافقته، قال بعض المالكية".
ففي هذا الموضع أقوم بإثبات ما في المخطوط، وأذكُر ما في المطبوع في الهامش.
* * *
ترجمة ابن حجر الهيتمي
اسمه: أبو العبَّاس أحمد بن محمَّد بن عليِّ بن حَجَرٍ الهيتميُّ ثم المكيُّ السَّعدي الأنصاري.
نسبه ومولده: السَّعدي: نسبةً إلى بني سعد من عرب الشرقيَّة (بمصر)، والهيتمي نسبةً إلى محلَّة أبي الهيتم (من إقليم الغربيَّة بمصر)، والتي وُلِدَ فيها وإليها نسبته الأكثر شُهرةً، وُلِد عام ٨٩٩هـ.
شيوخه: قال الكتاني فِي "فهرس الفهارس": يروي عن القاضي زكرياء، والمعمر الزين عبدالحق السنباطي، وشيخ الإسلام كمال الدين بن حمزة، والشمس المشهدي، والشمس السمنودي، وابن عز الدين السنباطي، والأمين الغمري، كلهم من تلاميذ الحافظ ابن حجر، والحافظ السيوطي،
1 / 6
وأبي الحسن البكري، وغيرهم، وله معجمٌ فِي مجلَّد وسط ذكر فيه إجازات مشايخه، والكتب التي أجازُوه بها، وقَفتُ على نُسخةٍ منه بخطِّ حَفِيدِه الشيخ محمد رضي الدين بن عبدالرحمن بن أحمد بن حجر المذكور، فرغ من نسخه عام ١٠٣٠، وهي موجودةٌ بالمكتبة الخديويَّة بمصر.
ثناء العلماء عليه: قال عنه الزركلي فِي "الأعلام": فقيه باحث مصري، تلقَّى العلم فِي الأزهر، ومات بمكة، له تصانيف كثيرة (١).
وقال عنه صديق حسن خان: كان أعظم عُلَماء عصره، وفُقَهاء دهره، لم يكن له نظيرٌ فِي الفقاهة فِي زمانه، وقال عنه الشيخ عبدالحق الدهلوي: لا نسبةَ له بالشيخ ابن حجر العسقلاني الكبير فِي علم الحديث، ولكن يحتمل أنْ يكون فِي الفقه مثله، تتَلمَذ على الشيخ زكريا المصري الآخِذ عن الحافظ ابن حجر العسقلاني (٢).
وقال الكتاني في "فهرس الفهارس": الفقيه، المحدث، الصوفي، صاحب التآليف العديدة التي عليها المدار عند الشافعيَّة فِي الحجاز، واليمن، وغيرهما، قال فيه الشهاب الخفاجي فِي "الريحانة" لما ترجمه: علامة الدهر خُصوصًا الحجاز، فكم حجَّت وُفود الفُضَلاء لكعبته، وتوجَّهت وُجوه الطلب إلى قبلته، إنْ حدَّث عن الفقه والحديث لم تتقرَّط الآذان بمثل أخباره فِي القديم والحديث، فهو العلياء والسند (٣).
ما أخذ العلماء عليه: قال صديق حسن خان فِي "أبجد العلوم": وكان له تعصُّب مع شيخ الإسلام ابن تيميَّة شديد - عفا الله عنه ما جناه.
_________
(١) "الأعلام"؛ للزركلي (١/ ٢٣٤).
(٢) "أبجد العلوم"؛ للقنوجي (١/ ٦٦١).
(٣) "فهرس الفهارس"؛ للكتاني (١/ ٣٣٧).
1 / 7
تصانيفه: له مؤلَّفات ماتعة منها: الإمداد فِي شرح الإرشاد للمقري، الإيعاب فِي شرح العباب، الإعلام بقواطع الإسلام فِي الألفاظ المكفرة، الجوهر المنظم فِي زيارة قبر النبي المكرم - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - الخيرات الحسان فِي مناقب الإمام أبي حنيفة النعمان، الدر المنضود فِي الصلاة على صاحب اللواء المعقود - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - الدر المنظوم فِي تسلية المهموم فِي الصلاة، الدرر الزاهرة فِي كشف بيان الآخرة، الزواجر عن اقتراف الكبائر، الصواعق المحرقة فِي الردِّ على أهل البدع والزندقة، الفضائل الكاملة لذوي الولاة العادلة، الفقه الجلي فِي الرد على الخلي، القول الحلي فِي خفض المعتلي، القول المختصر فِي علامات المهدي المنتظر، المناهل العذبة فِي إصلاح ما هي من الكعبة، المنح المكية فِي شرح همزية البوصيري، المنهج القويم فِي مسائل التعليم، النخب الجليلة فِي الخطب الجزيلة، النعمة الكبرى على العالم بمولد سيد ولد آدم ﷺ أسنى المطالب فِي صلة الأقارب، أشرف الوسائل إلى فهم الشمائل، إتحاف أهل الإسلام بخصوصيَّات الصيام، إرشاد أهل الغنى والأناقة فيما جاء فِي الصدقة والضيافة، إسعاف الأبرار شرح مشكاة الأنوار، تحذير الثقات من أكل الكفتة والقات، تحرير الكلام فِي القيام عند ذكر مولد خير الأنام، تحرير المقال فِي آداب وأحكام وفوائد يحتاج إليها مؤدبو الأطفال، تحفة الزوار إلى قبر النبي المختار - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - تحفة المحتاج فِي شرح المنهاج، تطهير الجنان واللسان عن الخوض والتفوُّه بمثالب سيدنا معاوية بن أبي سفيان له، تطهير العيبة من دنس الغيبة، تلخيص الأحرا فِي حكم الطلاق المعلق بالأبرا، تَنْبِيه الأخيار عن مُعضِلات وقعت فِي كتاب الوظائف وأذكار الأذكار، خلاصة الأئمَّة الأربعة، درر الغمامة فِي
1 / 8
در الطيلسان والعذبة والعمامة، زوائد على سنن ابن ماجه، شرح الشمائل للترمذي، شرح عين العلم فِي السلوك، شرح مشكاة المصابيح للتبريزي، الفتاوى الحديثية، الفتاوى الفقهية، فتح الجواد على شرح الإرشاد فِي الفروع، فتح الإله شرح المشكاة، فتح المبين فِي شرح الأربعين للنووي، قرة العين فِي بيان أنَّ التبرع لا يبطله الدين، قلائد العقيان فِي مناقب النعمان، كف الرعاع عن محرمات اللهو والسماع، مبلغ الأرب فِي فضل العرب، معدن اليواقيت الملتمعة فِي مناقب الأئمة الأربعة، نصيحة الملوك.
وفاته: توفي سنة ٩٧٤، وما يُفهَم من عبارة صاحب "خلاصة الأثر" من أنَّ وفاته سنة ٩٩٥ غلط، وما فِي فهرسة الدمنتي الكبير أنَّه مات فِي ٣ رجب ٩٦٤ غلط.
تنبيه: يُفرَّق بين المصنِّف ابن حجر الهيتمي بالمثنَّاة الفوقيَّة، وبين الهيثمي بالمثلَّثة المحدِّث نور الدين صاحب "مجمع الزوائد" (ت ٨٠٧ هـ) علي بن أبي بكر أبي الحسين نور الدين الهيثمي، المصري القاهري.
صحَّة نسبة الكتاب إلى مؤلفه:
١ - قال الهيتمي في "الفتاوى الفقهية الكبرى": وذكرت في كتابي "كف الرعاع عن محرمات اللهو والسماع" أحاديث أُخَر في ذلك؛ منها: قوله ﷺ «إنَّ لله ﷿ في كلِّ يوم وليلة ثلاثمائة وستين نظرةً إلى خَلقِه يرحَمُ بها عباده، ليس لصاحب الشاه فيها نَصِيبٌ» ... إلخ (١).
_________
(١) "الفتاوى الفقهية الكبرى" (٤/ ٣٦٢)، ط المكتبة الإسلامية.
1 / 9
٢ - وقال الهيتمي أيضًا في "تحفة المحتاج شرح المنهاج": (ويُكرَه الغِناءُ) بكسر أوَّله وبالمد (بلا آلةٍ وسماعُه)؛ يعني: استماعه لا مجرَّد سماعه بلا قصد؛ لما صحَّ عن ابن مسعودٍ، ومثلُه لا يُقال من قِبَلِ الرأي، فيكون في حكم المرفوع أنَّه يُنبِت النِّفاق في القلب كما ينبت الماء البقل، وجاء مرفوعًا من طُرُقٍ كثيرةٍ بيَّنتُها في كتابي "كف الرَّعاع عن محرمات اللهو والسماع" (١).
٣ - وممَّن نسَب كتاب "كف الرَّعاع" إلى ابن حجرٍ الهيتمي (خيرالدين الزركلي في "الأعلام"، ويوسف إليان سركيس في "معجم المطبوعات"، والحاج خليفة في "كشف الظنون"، والعيدروس في "النور السافر").
٤ - لم يُشكِّك أحدٌ من العلماء المدقِّقين والمحقِّقين المحرِّرين في نسبة الكتاب إلى المصنِّف ابن حجر الهيتمي (٢).
_________
(١) "تحفة المحتاج شرح المنهاج" (١٠/ ٢١٩) ط دار إحياء التراث العربي.
(٢) راجع: "الأعلام"؛ للزركلي (١/ ٢٣٤)، "أبجد العلوم"؛ للقنوجي (١/ ٦٦١)، "فهرس الفهارس"؛ للكتاني (١/ ٣٣٧)، "معجم المطبوعات العربية والمعربة"؛ ليوسف إليان سركيس (١/ ٨٣)، "كشف الظنون"؛ للحاج خليفة (٢/ ١٥٠٢).
1 / 10
كتاب
كف الرعاع عن محرمات اللهو والسماع لابن حجر الهيتمي
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين (١)
الحمدُ لله الذي حظَر مواطن اللهو على عِباده، وخلص من ريبه وشُبَهِه المصطفَيْن لقُربِه ووداده؛ لما امتنَّ به عليهم فعرَّفهم دسائسَ النُّفوس المانعة من فهْم حكمه ومُراده، وكشَف لهم عن تسويلات الشيطان لا سيَّما على قومٍ زعَمُوا التصوُّف والعرفان، وغفلوا عن قول أعظم الصدِّيقين بعد الأنبياء والمرسَلين: «أبِمَزاميرِ الشَّيْطانِ في بيتِ رسول الله؟» (٢)، ﷺ وشَرَّفَ وَكَرَّمَ، لما غلب عليهم من الشهوات ومحبَّة البطالات، والسعي فِي جلب فسَقَة العامَّة إلى مجالسهم لينالوا من حُطامهم وخَسائسهم الجالبة لهم إلى القطيعة، لعدم عملهم (٣) بما قاله أئمَّة الحقيقة والشريعة (٤)، فحمدًا لك اللهمَّ أنْ وفَّقتنا لردِّ سَقطاتهم الشنيعة، وتقولاتهم الفظيعة.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له شهادةً أنجو بها من مَكائِد الشيطان ومُوالاته، ومن حمل أحد من الخاصَّة أو العامَّة على سَماع مَزامِيره الموجب لسروره وظفره منهم بغاية مُراداته.
_________
(١) في (ز٢): وهو حسبي وكفى.
(٢) أخرجه البخاري (٩٥٢)، ومسلم (٨٩٢) من حديث أم المؤمنين عائشة ﵂ بلفظ: دخَل أبو بكرٍ وعندى جاريتان من جَوارِى الأنصار تُغنِّيان بما تَقاوَلت الأنصار يوم بُعاث - قالت: وليسَتا بمغنِّيتَيْن - فقال أبو بكرٍ: أمزامير الشيطان في بيت رسول الله ﷺ وذلك في يوم عيد، فقال رسول الله ﷺ: «يا أبا بكرٍ، إنَّ لكل قومٍ عيدًا، وهذا عيدنا».
(٣) في (ز٢): لعدم علمهم.
(٤) ليس هناك حقيقةٌ تُبايِن الشريعة حتى يُقال: "الحقيقة والشريعة" إلا في اصطلاح الصوفيَّة، فيقولون: إنَّ الشريعة للعَوامِّ والحقيقة للخواصِّ، وهذا كلامٌ ما أنزل الله به من سلطان!
1 / 11
وأشهد أنَّ سيدنا محمدًا عبده ورسوله، وصفيُّه وخليله، الذي أرسَلَه الله قاصمًا لأعدائه بواضح براهينه [وبيِّناته] (١) صلَّى الله وسلَّم عليه وعلى آله وأصحابه وتابعيهم المبرَّئين من سَفساف أهل الحظوظ والشَّهوات، والموفَّقين لصَرْفِ جميع الأوقات فِي مهمَّات العِبادات، لا سيَّما نفع المسلمين بتمهيد قواعد الدِّين، والرد على المُبطِلين الذي ضلُّوا سواء السبيل، واتَّخَذوا مَزامِيرَ الشيطان شَفاءً للغليل، زاعِمين زيادةَ مَعارِفهم بذلك، وما درى الأشقياء أنَّ أقدامَهم زلَّت عن سنن المسالك، وأقلامهم سجلت عليهم بأعظم المهالك؛ لأنهم سنُّوا سننًا سيِّئة مصحوبة بالإلحاد والعِناد، فباؤوا بوِزرِها، ووِزر مَن يعمل بها إلى يوم يرَوْن جزاء ذلك على رُؤوس الأشهاد، أعاذَنا الله من أمثال هذه القواطع، وجعَلَنا ممَّن ذبَّ عن شريعته الغرَّاء الواضحة [ز١/ ١/أ] البيضاء بالبراهين القَواطِع، وأدام علينا رضاه فِي هذه الدار وإلى أنْ نلقاه، إنَّه الجواد الكريم الرؤوف الرحيم.
أمَّا بعدُ: فإنِّي أثناء شهر ربيع سنة ثمانٍ وخمسين وتسعمائة دُعِيت إلى نسيكة (٢) لبعض الأصدقاء، فوقَع السُّؤال عن فُروعٍ تتعلَّق بالسماع، فأغلظتُ فِي الجواب عنها وفي الردِّ على مَن زلَّ فهمُه أو قلمه فيها، فقيل لي عن كتاب لبعض المصريين بلدًا، التونسيين محتدًا، المالكيين معتقدًا، المتصوِّفين ملتحدًا، أنَّه بالغ فِي حلِّ ذلك بتأليف كتابٍ سماه "فرح الأسماع برخص السماع" (٣) فبالغت فِي الردِّ عليه فِي ذلك المجلس، فبعد مُدَّةٍ أرسل
_________
(١) في (ز١): وبنياته.
(٢) (النسيكة)؛ أي: الذبيحة.
(٣) كتاب "فرح الأسماع برخص السماع"؛ لمحمد المالكي، الشاذلي، الوفائي، الشهير بأبي المواهب، قال في مقدمة الكتاب: "الحمد لله الذي أباح وفسح مجال الغناء رغمًا لأنف أهل الجهل الأغبياء، وأراح به بواطن أهل السُّلوك من الصوفيَّة الأصفياء ... إلخ".
1 / 12
لي بعض رؤساء مكَّة الكتاب، وطلب منِّي كتابة عليه حتى يتبيَّن ما فيه، ويظهر زيغُه الذي اشتمل [عليه] قوادمه وخوافيه، وأكَّد على ذلك، فعزمت على إجابته لأفوزَ بأجر هذا الأمر ومَثُوبته؛ لعلمي بأنَّ أبناء الزمان الذين غلب عليهم الخسار والهوان عكَفُوا على كتابة ذلك الكتاب، واتَّخذوه لسماع تلك المحرَّمات أعظم الأسباب، وظنُّوا أنَّه الحق الواضح، وأنَّ مؤلِّفَه المرشد الناصح، جهلًا منهم بالحقائق، وإصغاء لكلِّ ناعق وناهق، فتجاهَرُوا بها بين الملا، فضلًا عن السرِّ والخلا، فِي بلد الله وحرَمِه، ومَظهر جُوده وكرَمِه، ولم يخشَوْا يوم المعاد، ولا عظَّموا حُرمة أفضل البلاد، وزادوا فِي ذلك حتى كسَّرت من آلاتهم بيدي عدَّةً عديدة، ولزمت ذلك معهم مدَّة مَدِيدة، ورفعت أقوامًا منهم إلى حُكَّام الشريعة تارةً، والسياسة أخرى، بحسب جُرأة الفاعلين الموجبة لحسرتهم فِي الدُّنْيَا والأخرى، وشدَّدت عليهم إلى أنْ عاقَبُوهم بما يُناسِب جُرأتهم، وأشهَرُوا تعزيرهم فِي الأسواق، لتعلم سرائرهم، فخمدوا بحمد الله - تعالى - عن ذلك، ولزموا التحفُّظ عن أنْ يحوموا حول تلك المسالك، فتَمادَى بي الاشتغال فِي هذه السنة بـ"شرح المنهاج" عن أكثر المهمَّات؛ لظنِّي أنه الأهمُّ وأنَّ كلَّ شافعي إليه محتاج، إلى ثالث يومٍ من شهر رجب شهر الله الأصب، فسمعت أنَّ جماعةً من عُلَماء البلدان النائية حضَرُوا مجلسًا جرَى فيه ذكرُ ذلك، فتبايَنتْ [ز١/ ١/ب] أقوالهم، واضطربت أحوالهم، وأصغى جمعٌ منهم إلى مَن لا يُعتَدُّ به فِي تحليلٍ ولا تحريم، بل ربما يُخشَى عليه الدخول فِي ورطة المشار إليهم بقوله - تعالى عزَّ قائلًا -: ﴿وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلسِنَتُكُمُ الكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا
1 / 13
حَرَامٌ﴾ (١) الآية، فشرعت فيه قاصدًا نُصحَ المسلمين ببيان الحلال والحرام من ذلك عند جميع العلماء أو أكثرهم، غير مُعوِّل على رأيٍ انحرَفَ به صاحبه عن جادَّة المهتَدِين، أو قول لم تصحَّ نسبته لأحدٍ من العلماء العاملين، أو استِدلالٍ جازَفَ فيه بعض المقلِّدين، إمَّا فِي حِكايته، أو استنباطه، أو فِي خلطه به ما عاد عليه بما شهد على قائله بكثرة غلطاته، وقباحة خلطه واختلاطه، محذرًا مَن أراد صِيانةَ نفسه عن مَواضِع التُّهم؛ لئلاَّ يظن به المسلمون أنَّه استحلَّ حرمات الله بتحليل ما حرَّم، وأنَّه تمادَى به التفريط والاستهتار إلى أنْ خُتِمَ له بالسوء لا سيما فِي الحرم الأعظم.
وتأمَّل قول سلف هذه الأمَّة الذين أنعَمَ الله عليهم بالحِفظ من الدخول فِي ورطةٍ ملمَّة أو مهلكةٍ مدلهمَّة: المعصية بَرِيدُ الكفر؛ أي: لا سيما مَن استصغر المعاصي وغفل عن أنَّ الله ﷾ ربما جازَى العبد بما لم يخطر بباله أنَّه سببٌ لهلاكه الأبدي فِي حالِه ومآلِه، حفظنا الله وإيَّاك عن هذه الورطات المزيلة لنِعَمِ أكرم الأكرمين فِي الدينا والدِّين، وجعلنا ممَّن دلَّ الناس على الحق، وبيَّن لهم مَقامات الاحتياطات بالصدق، وحذَّرهم مقتَ الله وغضبه، ولم يبقَ لهم عذرٌ يستَمسِكون بسببه، وأبان لهم كلَّ مقام مُشكِل، وأوضح لهم كلِّ سبيل أُجمِل، مبتغيًا وجهَ ربه ذي الجلال والإكرام يوم لا ينفع مالٌ ولا بنون إلا مَن أتى الله بقلبٍ سليمٍ من كلِّ ميلٍ إلى ما أورَث شُبهة أو مَلامة آمين.
ورتَّبتُه على مقدمة وبابين وخاتمة.
_________
(١) سورة النحل: ١١٦.
1 / 14
المقدمة
في ذم المعازِف، والمزامِير، والأوتار ونحوها ممَّا جاء عن الصادق المصدوق الذي لا يَنطِق عن الهوى إنْ هو إلاَّ وحيٌ يُوحَى؛ [قال تعالى:] ﴿فَليَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ (١)، عن أبي أمامة ﵁ قال: قال رسول الله - صلَّى الله [ز١/ ٢/أ] عليه وسلَّم -: «إنَّ الله ﷿ بعثَنِي هُدًى ورحمةً [للعالمين] (٢)، وأمرَنِي بمحْق المعازف، والمزامير، والأوتار والصليب، وأمر الجاهلية، وحلف ربِّي بعزَّته وجلاله لا يشرب عبدٌ من عِبادي جرعةً من خمرٍ متعمدًا في الدنيا إلا سقَيْته مكانَها من الصديد يومَ القيامة مغفورًا له أو معذبًا، ولا يترُكها من مخافتي إلا سقَيْتها إيَّاه في حظيرة القدس، لا يحلُّ بيعهن، ولا شِراؤهن، ولا التجارة فيهن، وثمنهن حرام»؛ رواه أبو داود الطيالسي واللفظ له، وأحمد بن منيع، وأحمد بن حنبل، والحارث بن أبي أسامة بلفظ: «إنَّ الله ﷿ بعثَنِي رحمةً وهُدًى للعالمين، وأمرني أنْ أمحق المزامير، والمعازف، والخمور، والأوثان التي تُعبَد في الجاهلية، وأقسم ربِّي بعزَّته لا يشرب عبدٌ الخمرَ في الدنيا إلا سقَيْته من حميم جهنم مُعذَّبًا أو مغفورًا له، ولا يدَعُها عبد من عبيدي تحرُّجًا عنها إلا سقيتُها إياه في حظيرة القدس».
وقال رسول الله ﷺ: «لكُلِّ شيءٍ إقبالٌ وإدْبار وإنَّ من إقْبال هذا الدِّين ما بعثَنِي الله به حتى أنَّ القبيلة لتتفقَّه كلُّها من عند آخِرها حتى لا يبقَى إلا الفاسق والفاسقان فهما مقهوران مقموعان ذليلان، إنْ تكلَّما أو نطَقا قُمِعا وقُهِرا واضطُهِدا، ثم ذكَر من إدبار هذا الدِّين أنْ
_________
(١) سورة النور: ٦٣.
(٢) في (ز١): للمؤمنين.
1 / 15
تجفو القبيلة كلها من عند آخِرها حتى لا يبقى فيها إلا الفقيه أو الفقيهان، فهما مقهوران مقموعان ذليلان، إنْ تكلَّما أو نطَقا قُمِعا، وقُهِرا، واضطهدا، وقيل لهما: أتطعنان علينا حتى يشرب الخمر في نادِيهم، ومجالسهم، وأسواقهم وتنحل الخمر غير اسمها حتى يلقى آخِر هذه الأمَّة أولها إلا حلَّت عليهم اللعنة، ويقولون: لا نأمن هذا الشراب، يشرب الرجل منهم ما بدَا له ثم يكفُّ عنه حتى تمرَّ المرأة فيقوم إليها بعضهم، فيرفع ذيلها فينكحها وهم ينظُرون كما يرفع ذنب النعجة، وكما أرفع ثوبي هذا، ورفع رسول الله ﷺ ثوبًا عليه من هذه السحوليَّة، فيقول القائل منهم: لو نَحَّيتمونا عن الطريق، فذاك فيهم كأبي بكرٍ وعمر، فمَن أدرك [ز١/ ٢/ب] ذلك الزمان وأمَر بالمعروف ونهى عن المنكر فله أجر خمسين ممَّن صحبني وآمَن بي وصدَّقني أبَدًا».
وحديث أبي أمامة هذا فيه علي بن يزيد الألهاني وهو ضعيف (١)، لكنْ له شاهدٌ من حديث ابن مسعود وغيره (٢).
_________
(١) أخرجه الطيالسي (١/ ١٥٤ رقم ١١٣٤)، والحسن بن موسى الأشيب (١/ ٣٩ رقم ١٢)، وأحمد (٥/ ٢٦٨)، والحارث بن أبي أسامة في "بغية الباحث عن زوائد مسند الحارث" (٢/ ٧٧٠ رقم ٧٧١)، والطبراني في "الكبير" (٨/ ١٩٦)، وأبو الفضل المقرئ في "أحاديث في ذم الكلام وأهله" (٤/ ٧٣ رقم ٦١٦)، والخطيب في "الفقيه والمتفقه" (١/ ١٦٤)، وابن عبدالبر في "جامع بيان العلم وفضله" (١/ ١٥٤) من طريق علي بن يزيد، عن القاسم بن عبدالرحمن، عن أبي أمامة ﵁ وأورده نور الدين الهيثمي فِي "المجمع" (٥/ ٦٩) وقال: فيه علي بن يزيد، وهو ضعيف، وأشار العراقي فِي "تخريج الإحياء" (٢/ ٢٦٩) على ضعفه.
(٢) حديث ابن مسعود أخرجه الطبراني فِي "الكبير" فقال: حدثنا أبو عُبَيدة عبدالوارث بن إبراهيم العسكري، حدثنا سيف بن مِسكين الأسواري، حدثنا مُبارَك بن فضالة، عن الحسن، عن عتي السعدي، قال عتي: خرجت في طلب العلم حتى قدمت الكوفة، فإذا بعبدالله بن مسعود بين ظهراني أهل الكوفة، فسألت عنه فأُرشِدت إليه، فإذا هو في المسجد الأعظم، فأتيته فقلت: أبا عبدالرحمن، إني جئت أضرب إليك أقتبس منك علمًا؛ لعلَّ الله أن ينفعنا به بعدك، فقال لي: ممَّن الرجل؟ فقلت: رجل من أهل البصرة، فقال: ممَّن؟ قلت: من هذا الحي من بني سعد، فقال لي: يا سعدي، لأحدثن فيكم بحديثٍ سمعته من رسول الله ﷺ سمعت رسول الله ﷺ وأتاه رجلٌ فقال: يا رسول الله، ألا أدلك على قومٍ كثيرة أموالهم، كثيرة شوكتهم، تصيب منهم مالًا دثرًا، أو قال: كثيرًا، فقال: «مَن هم؟» فقال: هم هذا الحي من بني سعد من أهل الرمال، فقال رسول الله ﷺ: «فإنَّ بني سعد عند الله ذو حظٍّ عظيم، سَلْ يا سعدي»، فقلت: أبا عبدالرحمن، هل للساعة من علمٍ تُعرَف به الساعة؟ وكان متكئًا فاستوى جالسًا، فقال: يا سعدي، سألتني عمَّا سألت عنه رسول الله ﷺ قلت: يا رسول الله، هل للساعة من علمٍ تُعرَف به الساعة؟ فقال لي: «يا ابن مسعود، إنَّ للساعة أعلامًا، وإنَّ للساعة أشراطًا، ألاَ وإنَّ من أعلام الساعة وأشراطها أنْ يكون الولد غيظًا، وأن يكون المطر قيظًا، وأنْ تفيض الأشرار فيضًا، يا ابن مسعود، إنَّ من أعلام الساعة وأشراطها أنْ يُصدَّق الكاذب، وأنْ يُكذَّب الصادق، يا ابن مسعود، إنَّ من أعلام الساعة وأشراطها أنْ يُؤتَمن الخائن، وأنْ يُخوَّن الأمين، يا ابن مسعود، إنَّ من أعلام الساعة وأشراطها أنْ تواصل الأطباق، وأنْ تقاطع الأرحام، يا ابن مسعود، إنَّ من أعلام الساعة وأشراطها أنْ يسود كلَّ قبيلة منافقوها، وكلَّ سوق فجارها، يا ابن مسعود، إنَّ من أعلام الساعة وأشراطها أنْ تزخرف المساجد، وأنْ تخرب القلوب، يا ابن مسعود، إنَّ من أعلام الساعة وأشراطها أنْ يكون المؤمن في القبيلة أذلَّ من النقد، يا ابن مسعود، إنَّ من أعلام الساعة وأشراطها أنْ يكتفي الرجال بالرجال والنساء بالنساء، يا ابن مسعود، إنَّ من أعلام الساعة وأشراطها أنْ تكثف المساجد وأنْ تعلو المنابر، يا ابن مسعود، إنَّ من أعلام الساعة وأشراطها أنْ يعمر خراب الدنيا، ويخرب عمرانها، يا ابن مسعود، إنَّ من أعلام الساعة وأشراطها أنْ تظهر المعازف، وتُشرَب الخمور، يا ابن مسعود، إنَّ من أعلام الساعة وأشراطها شرب الخمور، يا ابن مسعود، إنَّ من أعلام الساعة وأشراطها الشرط والغمازون واللمازون، يا ابن مسعود، إنَّ من أعلام الساعة وأشراطها أنْ يكثر أولاد الزِّنا»، قلت: أبا عبدالرحمن، وهم مسلمون؟ قال: نعم، قلت: أبا عبدالرحمن، والقرآن بين ظهرانيهم؟ قال: نعم، قلت: أبا عبدالرحمن، وأنَّى ذاك؟ قال: يأتي على الناس زمان يطلق الرجل المرأة، ثم يجحد طلاقها فيقيم على فرجها، فهما زانيان ما أقامَا؛ أخرجه الطبراني فِي "الكبير" (١٠/ ٢٢٩)، و"الأوسط" (٥/ ١٢٧)، وأورده نور الدين الهيثمي فِي "المجمع" (٧/ ٣٢٣) وقال: فيه سيف بن مسكين، وهو ضعيف، وأورد هذا الحديث ابن حجر فِي "لسان الميزان" فِي ترجمة سيف هذا، وقال عنه: شيخ بصرى يأتى بالمقلوبات ويأتي بالأشياء الموضوعة.
1 / 16
ومنه: عن ابن عباس ﵄ قال: «الكُوبَةُ حرامٌ، والدن حرامٌ، والمعازِفُ حرامٌ، والمزامِيرُ حرامٌ»؛ رواه مسدد، والبيهقي فِي "سننه الكبرى" موقوفًا، ورواه البزار مرفوعًا، ولفظه عن ابن عباس عن النبي ﷺ أَنَّه حرَّم الميتة، والميسِر، والكُوبة - يعني: الطبل - وقال: «كلُّ مسكرٍ حرامٌ» (١).
_________
(١) أخرجه البيهقي (١٠/ ٢٢٢) من طريق عبدالكريم الجزري عن أبي هاشمٍ الكوفي عن ابن عباس موقوفًا، وأورده ابن حجر في "المطالب العالية" (١٠/ ٢٢٢ رقم ٢١٩٣) وعَزاه لمسدَّد في مسنده، وقال ابن رجب في "نزهة الأسماع" (١/ ٥٥): إسناده صحيح، وأخرجه أحمد في "المسند" (١/ ٢٨٩، ٣٥٠)، وفي "الأشربة" (١/ ٣٨ رقم ١٩٣)، والطحاوي في "شرح معاني الأثار" (٤/ ٢١٦)، والدارقطني في "سننه" (٣/ ٧)، والبيهقي (١٠/ ٢٢١ رقم ٢٠٧٧٩) من طريق عبدالكريم الجزري، عن قيس بن حبتر الربعي، عن ابن عباس مرفوعًا، وأخرجه أحمد (١/ ٢٧٤)، وأبو داود (٣٦٩٦)، وأبو يعلى (٥/ ١١٤ رقم ٢٧٢٩)، والبيهقي (١٠/ ٢٢١ رقم ٢٠٧٨٠)، وصحَّحه ابن حبان (٥٣٦٥) من طريق علي بن بذيمة، عن قيس بن حبتر، عن ابن عباس مرفوعًا.
1 / 17
وعن أبي هُرَيرة أنَّ رسول الله ﷺ قال: «يُمسَخ قومٌ من أمَّتي في آخِر الزَّمان قردةً وخنازير» قالوا: يا رسول الله، أمسلمون هم؟ قال: «نعم؛ يشهدون أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، ويصومون، [ويُصلُّون]»، قالوا: فما بالهم يا رسول الله؟ قال: «اتَّخذوا المعازف، والقينات، والدفوف، وشربوا هذه الأشربة، فباتوا على شَرابهم ولهوهم، فأصبحوا وقد مُسِخوا»؛ رواه مُسدَّد، وابن حبان، ولفظه: قال رسول الله ﷺ: «لا تقومُ الساعة حتى يكون ...» (١).
وعن سهل بن سعدٍ قال: قال رسول الله ﷺ: «يكونُ في هذهِ الأُمَّةِ خسفٌ ومسخٌ وقذفٌ»، قيل: ومتى ذلك يا رسولَ الله؟ قال: «إذا ظهَرت القَيْنات والمعازف، واستُحِلَّت الخمر»؛ رواه عبدُ بن حميد واللفظ له، وابن ماجه مختصرًا، ومَدار مسانيدهما على: عبدالرحمن بن زيد بن أسلم وهو ضعيف (٢)، وصَحَّ من طُرُقٍ خلافًا لما وهم فيه ابن حزم، فقد علَّقَه البخاري، ووصَلَه الإسماعيلي، وأحمد، وابن ماجه، وأبو نعيم، وأبو داود بأسانيد صحيحة لا مَطعَن فيها، وصحَّحه جماعةٌ آخَرون
_________
(١) أخرجه أبو نعيم في "الحلية" (٣/ ١١٩) في ترجمة حسان بن أبي سنان، وأورده البوصيري في "إتحاف الخيرة المهرة" (٩/ ٣٠٨ ط دار الوطن) وعَزاه إلى مسدَّد، وابن حزم في "المحلى" (٩/ ٥٨) وعزاه لسعيد بن منصور، وفيه راوٍ لم يُسمَّ، والشوكاني في "نيل الأوطار" (٢/ ٨٦/ ط دار الجيل) وعزاه لابن أبي الدنيا في "الملاهي".
(٢) أخرجه عبد بن حميد في "المنتخب من مسنده" (٤٥٢) وابن ماجَهْ (٤٠٦٠)، والطبراني في "الكبير" (٦/ ١٥٠ رقم ٥٨١٠)، والخطيب في "تاريخه" (١٠/ ٢٧٢) من طريق عبدالرحمن بن زيد بن أسلم، عن أبي حازم سلمة بن دينار، عن سهل بن سعد.
1 / 18
من الأئمَّة كما قاله بعض الحفَّاظ: أنَّه ﷺ قال: «لَيكونَنَّ في أمَّتي أقوامٌ يستَحِلُّون الخزَّ، والحرير، والخمر، والمعازف» (١)، وهذا صريحٌ ظاهرٌ في تحريم جميع آلات اللهو المطربة.
وعن علي ﵁ أنَّ رسولَ اللهِ ﷺ قال: «إذا فعلَتْ [ز١/ ٣/أ] أمَّتى خمس عشرة خصلةً حَلَّ بها البلاءُ: إذا كان المغنم دولًا، والأمانة مغنمًا، والزكاة مغرمًا، وأطاع الرجل زوجته وعقَّ أمه، وبرَّ صديقه وجفا أباه، وارتفعت الأصوات في المساجد، وكان زعيم القوم أرذَلهم وأُكرِم الرجل مخافةَ شرِّه، وشُرِبت الخمر، ولُبِسَ الحرير، واتُّخذت القَيْنات والمعازف، ولعن آخِرُ هذه الأمَّة أوَّلها، فليرتَقِبوا عند ذلك ريحًا حمراء أو خَسْفًا أو مَسْخًا»؛ رواه الترمذي (٢).
وعن ابن عباس ﵄ أنَّ النبيَّ ﷺ قال: «أُمِرتُ بهدمِ الطبلِ والمِزمار» (٣)؛ أخرجه الديلمي.
وعن ابن مسعودٍ ﵁ أنَّ النبيَّ ﷺ قال: «الغِناء يُنبِت النِّفاق في القلب، كما يُنبِت الماء البقل» رواه البيهقي،
_________
(١) أخرجه البخاري (٥٥٩٠) معلقًا "باب ما جاء فيمَن يستحلُّ الخمر ويسمِّيه بغير اسمه"، وأبو داود (٤٠٣٩)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (١٠/ ٢٢١)، "والشعب" (٥١١٥)، وصحَّحه ابن حبان (٦٧٥٤) من حديث أبي مالك الأشعري ﵁.
(٢) أخرجه الترمذي (٢٢١٠) وقال: هذا حديثٌ غريبٌ لا نعرفه من حديث عليِّ بن أبى طالب إلاَّ من هذا الوجه، ولا نعلَم أحدًا رواه عن يحيى بن سعيدٍ الأنصارى غير الفرج بن فضالة، والفرج بن فضالة قد تكلَّم فيه بعض أهل الحديث وضعَّفه من قِبَلِ حِفظِه وقد رواه عنه وكيع وغيرُ واحدٍ من الأئمَّة.
(٣) أورده الديلمي في "فردوس الأخبار" (١/ ٤٨٣/ ط دار الريان).
1 / 19
وابن أبي الدُّنيا، وكذا أبو داود لكن بدون التشبيه، ورواه البيهقي أيضًا موقوفًا (١)، وفي الباب عن أبي هريرة أيضًا رواه ابن عدي (٢).
واعلم أنَّ بعض الصوفيَّة الذين لا يعرفون مواقع الألفاظ ومدلولاتها قال: المراد بالغناء هنا غنى المال، وكأنَّه لم يُفرِّق بين الغناء الممدود، والمقصور؛ إذ الرواية إنما هي الغناء بالمد، وأمَّا غنى المال فهو مقصورٌ لا غير، ذكَرَه الأئمَّة.
واستدلَّ له شيخُ الإسلام الحافظ العسقلاني بحديث ابن مسعود الموقوف بأنَّ فيه: "والذِّكر ينبت الإيمان في القلب، كما ينبت الماء البقل"، ألاَ تراه جعل ذِكر الله مُقابلًا للغناء؛ لكونه ذكر الشيطان، كما قابَل الإيمان بالنِّفاق، ا. هـ (٣).
وسيأتي أنَّ ذلك حديثٌ مرفوع أيضًا، ولعلَّ الحافظ لم يستحضره وقتَ كتابته لذلك.
وعن عليٍّ - كرم الله وجهه -: أنَّ رسول الله ﷺ نهى عن ضرب الدفِّ ولعب [الصج] (٤) وضرب الزَّمَّارة؛ أخرجه الخطابي (٥).
_________
(١) أخرجه أبو داود (٤٩٢٧)، والبيهقي (١٠/ ٢٢٣)، وقال ابن حجر في "تلخيص الحبير" (٤/ ٣٦٦): حديث: «الغناء يُنبِت النفاق في القلب كما يُنبِت الماء البقل» أبو داود بدون التشبيه، والبيهقي من حديث ابن مسعود مرفوعا، وفيه شيخ لم يسمَّ، ورواه البيهقي أيضًا موقوفا، وفي الباب عن أبي هريرة رواه ابن عدي، وقال ابن طاهر: أصحُّ الأسانيد في ذلك أنَّه من قول إبراهيم.
(٢) لم أقفْ عليه من حديث أبي هريرة.
(٣) "التلخيص الحبير" (٤/ ٣٦٦/ ط قرطبة).
(٤) في (ز٢): (الصنج).
(٥) أخرجه الآجري في "تحريم النرد والشِّطرَنج" (٦٣) بلفظ: عن مطر بن سالم، أنَّ علي بن أبي طالب ﵁ قال: "نهى رسول الله ﷺ عن ضرب الدف، ولعب الطبل، وصوت الزَّمَّارة"، وأورده الشوكاني في "نيل الأوطار" (٨/ ١١٣/ ط دار الحديث)، وعزاه إلى القاسم بن سلام بلفظ الآجري، وقال المناوي في "فيض القدير" (٩٤٩٠): حديثٌ ضعيفٌ يردُّه خبر صحيح «فصلُ بين الحلال والحرام الضرب بالدفِّ»، وقال لِمَن قال: نذرت إنْ ردَّك الله سالِمًا أضرب بين يديك بالدفِّ «أوفِ بنذرك»؛ رواهما ابن حبان وغيره، (ولعب الصنج) العربي يتَّخذ من صفر يضرب أحدهما بالآخر أو العجمي وهو ذو الأوتار وكلٌّ منهما حرام و(ضرب الزمارة)؛ أي: المزمار العراقي أو اليَراع وهو الشبابة وكلاهما حرام.
(تنبيه) سُئِلَ جدِّي شيخ الإسلام قاضي القضاة محيي الدين يحيى المناوي - رحمه الله تعالى - عن جماعةٍ يجتمعون يضربون بالدُّفوف المشتملة على الصراصير النحاس والمزامير وآلات الطرب فما يجب عليهم إذا اعتقدوا حلَّه أو تحريمه؟ وما يجب على مَن حضرَهُم وهو يعتقد التحريم ولم يُنكِره؟ وهل لكلِّ مسلم الإنكار عليهم والتعرُّض لمنعهم؟ وهل يُثاب ولي الأمر على منعهم؟
فأجاب بما نصُّه: أمَّا الأوتار فإنهم يُمنَعون منها ويأثَم الفاعل والحاضر والقادر على الإنكار ولم يُنكِر، ويُثاب ولي الأمر على منعهم (خط) في ترجمة نصر المعدل (عن عليٍّ) أمير المؤمنين وفيه إسماعيل بن عيَّاش وقد مرَّ ضعفُه، وعبدالله بن ميمون القدَّاح قال أبو حاتم: متروك، ومطر بن أبي سالم مجهول.
1 / 20