Jurisprudential Provisions of Waqf
مدونة أحكام الوقف الفقهية
د ایډیشن شمېره
الأولى
د چاپ کال
١٤٣٩ هـ - ٢٠١٧ م
ژانرونه
وفي عصر الخليفة العباسي "المستنصر بالله" (٩٢٣ - ٦٤٠ هـ / ١٢٢٦ - ١٢٤٢ م) شهد العراق في عام ٦٣١ هـ / ١٢٣٤ م ميلاد "المدرسة المستنصرية"، التي تعدُّ أكبر وقفية ثقافية في العصر العباسي، وأول جامعة إسلامية نُظِّمت على غرار المدارس النظامية؛ إذ جمعت بين الدراسات الفقهية على المذاهب الأربعة في بناية واحدة، كما درست علوم القرآن والدين واللغة، والطب والرياضيات، وجُهِّزت أقسامها الداخلية بكل ما يلزم الطلبة، وزُوِّدت بالمطابخ والحمامات، وأُلحقت بها دار كتب ضخمة، أُودع فيها ثمانون ألف مجلد، كلها وقف، فضلًا عن مستشفى للتطبيب والتدريس، وقد بلغت نفقات هذه المدرسة سبعمائة ألف دينار، وقد درس فيها فطاحل العلماء، وقيل: إن قيمة ما وُقف عليها يساوي مليون دينار، وإن واردات هذه الأوقاف بلغت نيفًا وسبعين ألف مثقال من الذهب في السنة (^١).
ومن الشروط التي وضعها المستنصر في حُجة وقفه للمدرسة: أن تجعل خزانة الكتب الملحقة بها برسم من يطالع ويستنسخ من الفقهاء، وتوفير الورق والأقلام لمن يريد النسخ، وأن يكون لها خازن ومشرف ومناول، وكانت تشمل كل فروع المعرفة، وقد وقف عليها من القِرى والأجربة ما يفوق الحصر، حتى أن وقفها - كما يقول الذهبي - جاء في خمسة كراريس، ولا يُعلم وقف في الدنيا كوقفها أصلًا، سوي أوقاف جامع دمشق، وقد يكون وقفها أوسع، كما وقف الأمراء بعد المستنصر بالله على المدرسة كثيرا من الكتب (^٢).
ويؤكد كل من القزويني وابن كثير ما قاله الذهبي، فقال القزويني عن المدرسة المستنصرية: "لم يُعرف موضع أكثر منها وقفًا، ولا أرفه منها سكنًا" (^٣)، ويذكر ابن كثير في "البداية والنهاية" في حوادث سنة إحدى وثلاثين وستمائة أنه: "فيها كمال بناء المدرسة المستنصرية في بغداد، ولم يُبن مدرسة قبلها مثلها، ووُقفت على المذاهب الأربعة، من كل طائفة اثنان وستون فقيهًا، وأربعة معيدين، ومدرس لكل مذهب،
(^١) انظر: سير أعلام النبلاء، الذهبي، مؤسسة الرسالة للطباعة والنشر والتوزيع، ٢٣/ ١٢٣ - ١٥٦. (^٢) انظر: تاريخ علماء المستنصرية، معروف، ٢/ ٢٣٣ و٤٠٣. (^٣) آثار البلاد وأخبار العباد، زكريا محمد بن محمود القزويني، بيروت، ١٩٦٠ م، ٣٠٦.
1 / 69