133

Jurisprudence of Worship According to the Hanafi School

فقه العبادات على المذهب الحنفي

ژانرونه

صوم شهر رمضان:
دليله: ثبتت فرضية صوم رمضان بالكتاب والسنة والإجماع.
من الكتاب: قوله تعالى: ﴿شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان، فمن شهد منكم الشهر فليصمه..﴾ (١) .
ومن السنة: ما رواه ابن عمر ﵄ قال: قال رسول الله ﷺ: (بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والحج، وصوم رمضان) (٢) .
ويكفر جاحد وجوب صوم رمضان. ومن تركه من غير جحدٍ ولا عذرٍ عذب وضيق عليه حتى يصوم.
حكمه: فرض عين أداء وقضاء.
سبب وجوب صوم رمضان:
شهود جزء صالح للصوم من رمضان، أي شهود جزء صالح لإنشاء الصوم فيه من كل يوم وهو ما كان من طلوع الفجر الصادق إلى قبيل الضحوة الكبرى. خرج بذلك الليل وما بعد الزوال.

(١) البقرة: ١٨٥.
(٢) البخاري: ج ١ / كتاب الإيمان باب ١/٨.
حكم التماس الهلال:
يجب وجوبًا كفائيًا رؤية الهلال في ليلة الثلاثين من شهر شعبان، لأنه قد يكون الشهر ناقضًا، فقد روي عن أم سلمة ﵂ أن النبي ﷺ قال: (إن الشهر يكون تسعة وعشرين يومًا) (١) . كما يجب التماس هلال شوال ليلة الثلاثين من رمضان.
وتثبت رؤية الهلال عند القاضي:
أ - إن كان الجو غائمًا: يثبت هلال شهر رمضان بخبر مسلم واحد بالغ عاقل عَدْل (٢)، أو بخبر مجهول الحال (٣)، ولو كان أنثى أو رقيقًا أو محدودًا بقَذْف ثم تاب. ويحق للأنثى أن تشهد بغير إذن وليها لأنها فرض عين. ويلزم العدل أن يشهد عند الحاكم في ليلة رؤيته لإثبات رمضان، وذلك لما روي عن ابن عباس ﵄ قال: جاء أعرابي إلى النبي ﷺ فقال: إني رأيت الهلال، فقال: (أتشهد أن لا إله إلا الله؟ قال: نعم. قال: أتشهد أن محمدًا رسول الله؟ قال: نعم. قال: يا بلال أذّن في الناس فليصوموا غدًا) (٤)، ولا يشترط لفظ الشهادة، كمالا يشترط حكم أو مجلس قضاء.
أما هلال شوال وغيره من الأشهر في يوم الغيم فلا بد في إثباته من عدلين حرّين مسلمين مكلَّفين غير محدودَيْن في قذف، أو رجل وامرأتين لكن بلا اشتراط تقدم دعوى. وذلك لما روي عن ربعي بن حراش عن رجل من أصحاب النبي ﷺ قال: (اختلف الناس في آخر يوم من رمضان، فقدم أعرابيان فشهدا عند النبي ﷺ بالله لأهلاّ الهلال أمس عشية. فأمر رسول الله ﷺ الناس أن يفطروا) (٥) .
ب - إن كانت السماء صحوًا: فلابد من رؤية جماعة كثيرين لإثبات رمضان وشوال، فالتفرد في هذه الحالة يوهم الغلط. والجمع الكثير قيل: أهل المحلة، وقال أبو يوسف، خمسون.
أما إن لم يكن في القرية قاض ولا وال فيصوم بخبر أحدهم إن كان ثقة، وذلك بأن يشهد ليلة رؤيته بين الناس في المسجد، ويُفطرون بخبر رجلين، إن كان في السماء علّة، وإلا فلابد من جَمع عظيم لثبوت الصيام والفطر.

(١) البخاري: ج ٢ / كتاب الصوم باب ١١/١٨١١.
(٢) العَدْل: من كانت حسناته أكثر من سيئاته، والعدالة ملكة تحمل على ملازمة التقوى والمروءة.
(٣) المجهول الحال: من لم يظهَر له فسق ولا عدالة.
(٤) أبو داود: ج ٢ / كتاب الصوم باب ١٤/٢٣٤٠.
(٥) أبو داود: ج ٢ / كتاب الصوم باب ١٣/٢٣٣٩.
ثبوت شهر رمضان:
يجب صوم رمضان بأحد الأمور التالية:
-١ - استكمال شعبان ثلاثين يومًا إن غُمَّ الهلال بغيم أو غبار، وذلك بالإجماع. روي عن ابن عمر ﵄ أن رسول الله ﷺ قال: (الشهر تسع وعشرون ليلة، فلا تصوموا حتى تروه، فإن غُمَّ عليكم فأكملوا العِدّة ثلاثين) (١) .
-٢ - رؤية هلال رمضان، للحديث المتقدم ولحديث أبي هريرة ﵁ قال: قال النبي ﷺ: (صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فإن غُبِّي عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين) (٢) .
ولا عبرة برؤية الهلال نهارًا سواء قبل الزوال أو بعده. أي يجب سبق الرؤية على الصوم والفطر. والرؤية عند عامة الصحابة والتابعين ومن بعدهم عشية كل شهر وهو المختار من المذهب. روى شقيق بن سلمة قال: "جاءنا كتاب عمر ﵁ ونحن بخانقين أن الأهلة بعضها أكبر من بعض، فإذا رأيتم الهلال نهارًا فلا تفطروا إلا أن يشهد رجلان مسلمان أنهما أهلاه بالأمس عشية" (٣) .
كما يجب الصوم ويعم إذا ثبت هلال رمضان بحكم حاكم.
-٣ - يجب صوم رمضان بحق من رأى الهلال وحده ولو رده القاضي، لقوله تعالى: ﴿فمن شهد منكم الشهر فليصمه﴾ (٤) . لكن لا يأمر الناس بالصوم سواء كان من عرض الناس أو كان إمامًا.
أما لو رأى هلال شوال منفردًا فلا يجوز له الفطر، ولا يأمر الناس بالفطر ولو كان إمامًا، ولا يصلي بهم العيد أخذًا بالاحتياط. ولو أفطر وجب عليه القضاء دون الكفارة لوجود الشبهة.
-٤ - يجب الصوم بحق من أُخبر رؤية الهلال من قبل من يثق به.
-٥ - إذا ثبتت رؤية الهلال بقُطر من الأقطار وجب الصوم على سائر الأقطار لا فرق بين القريب والبعيد منها، أي لا عبرة لاختلاف المطالع مطلقًا. وهناك قول آخر باستقلال كل قطر لاختلاف المطالع وكلا القولين مصحح.
أما قول المنجّمين وعلماء الفلك فلا عبرة له، ولا يجب عليهم الصوم لحسابهم ولا على من وثق بقولهم.

(١) البخاري: ج ٢ / كتاب الصوم باب ١١/١٨٠٨.
(٢) البخاري: ج ٢ / كتاب الصوم باب ١١/١٨١٠.
(٣) البيهقي: ج ٤ / ص ٢١٣.
(٤) البقرة: ١٨٥.
يوم الشكّ:
تعريفه: هو اليوم الذي يلي التاسع والعشرين من شعبان وقد استوى فيه طرفا العلم والجهل بحقيقة الحال، بأن غم الهلال، فاحتمل كمال شعبان ونقصانه. وكذلك قد يحصل الشك بسبب عدم توفر شروط شهادة الشهود.
ويَحْسُن بالمفتي أن يأمر بالإمساك حتى الضحوة الكبرى كي يتأكد المسلمون عدم كونه من رمضان.
حكم صومه:
-١ - مكروه تحريمًا إن صامه على أنه من رمضان على جهة الاحتياط، لقول عمار بن ياسر ﵄: "من صام اليوم الذي يشك فيه فقد عصى أبا القاسم ﷺ " (١) .
-٢ - مكروه تنزيهًا إذا نوى صيامه عن واجب، أو إذا نوى صيامه مترددًا فيه بين نفل وواجب أو بين نفل وفرض؛ كأن يقول: إن كان غدًا من رمضان فهو فرض وإن كان من شعبان فهو نفل.
وعلى كلٍ إن صامه وظهر أنه رمضان أجزأه بأي نية كانت إلا أن فيه كراهة. أما إن صامه قضاء أو نذرًا أو كفارة فلا يكره بحقه، وكذا إن صامه نفلًا بلا ترديد بينه وبين صوم آخر فإنه لا يكره، لحديث عمران بن حصين ﵁ (أن النبي ﷺ قال لرجل هل صمت من سرر هذا الشهر شيئًا؟ قال: لا. فقال رسول الله ﷺ: فإذا أفطرت من رمضان فصم يومين مكانه) (٢) وسرار الشهر آخره لاستتار القمر فيه. ويستحب ختم كل شهر بعبادة. ولكن يشترط لمن صامه ألا يعلن ذلك خشية الظن أن صيامه أفضل، ولئلا يتم بالعصيان لخبر عمار ﵁ المتقدم.
وإذا وافق يوم الشك معتاده فصومه أفضل اتفاقًا، واختلف في الأفضل إذا لم يوافق معتاده، قيل: الأفضل الفطر احترازًا لظاهر النهي، فعن أبي هريرة ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: (لا تقدموا رمضان بصوم يوم ولا يومين إلا رجل كان يصوم صومًا فليصمه) (٣) . وقيل: لا بأس بالصوم اقتداء بعلي وعائشة ﵄ فإنهما كانا يصومانه.
-٣ - باطل صومه إن نوى مترددًا بين الصوم والإفطار، كأن يقول: إن كان من رمضان فصائم وإلا فمفطر، لعدم الجزم بالنية.

(١) النسائي: ج ٤ / ص ١٥٣.
(٢) مسلم: ج ٢ / كتاب الصيام باب ٣٧/٢٠٠.
(٣) مسلم: ج ٢ / كتاب الصيام باب ٣/٢١.
حالات الإفطار في رمضان وأحكامها
أولًا - حالة الإفطار المحرم الموجب للقضاء والكفارة معًا:
-١ - الجماع في أحد السبيلين من آدمي حي مُشتهى وإن لم ينزل، في نهار رمضان، عامدًا مختارًا بعد نية الصوم من الليل، وهو مكلف عالم بالتحريم.
وتجب الكفارة على المرأة في حال كونها مطاوِعة، فإن أُكرِهت فلا كفارة عليها، بل يجب عليها القضاء فقط كما في الخطأ. أما لو أكرهت المرأة زوجها فعليهما القضاء والكفارة، وقال الإمام محمد: لا تجب عليه الكفارة لكونه مكرهًا.
-٢ - الأكل والشرب عامدًا في نهار رمضان: وإن قلّ، سواء كان المفطر مما يُتغذى به أو يُتداوى. لما روي عن ابن عمر ﵄ قال: جاء رجل إلى النبي ﷺ فقال: إني أفطرت يومًا من رمضان. قال: (من غير عذر ولا سفر؟ قال: نعم. قال: بئس ما صنعت. قال: فما تأمرني؟ قال: أعتق رقبة) (١) . وكذا شرب الدخان في الصيام يوجب الكفارة على قول من يقول: إن سبب وجوب الكفارة قضاء الشهوة وتنقضي بشربه وتناوله.
-٣ - إذا أكل بعد المسّ أو القبلة بغير إنزال ظانًا أنه أفطر بالمسّ، إلا إذا استفتى فقيهًا فأفتاه بالفطر فأكل فلا تجب عليه الكفارة. وكذا إذا أكل بعد حدوث شيء، كأن اكتحل أو دَهَن شاربه أو اغتاب، فظن أنه أفطر بذلك، لأنه متعمد ولم يستند إلى دليل شرعي فتلزمه الكفارة، إلا إذا كان جاهلًا فاستفتى فأفتي له بالفطر فحينئذ لا تلزمه الكفارة، لأن الفتوى تصير شبهة في حق الجاهل.
شروط تحقق وجوب الكفارة:
-١ - أن يكون الصائم مكلفًا.
-٢ - أن يكون مبيتًا النية في أداء رمضان.
-٣ - أن لا يطرأ قبله ما يبيح الفطر كالسفر، فإن سافر ثم أفطر فلا كفارة عليه، وأن لا يطرأ بعده ما يبيح الفطر كالمرض أو الحيض.
-٤ - أن يكون غير مكره.
-٥ - أن يكون متعمدًا غير ناس للصوم.
-٦ - أن يكون غير مخطئ ولا مضطر.

(١) مجمع الزوائد: ج ٣ / ص ١٦٧، رواه أبو يعلى والطبراني والأوسط ورجاله ثقات.
ماهية الكفارة:
-١ - عتق رقبة سالمة من العيوب المفوِّتة للمنفعة، ولا يشترط في الرقبة أن تكون مؤمنة لإطلاق النص.
-٢ - إن عجز عن الرقبة لعدم مُلكها أو مُلك ثمنها صام شهرين متتابعين لو بدأ بالأهلة، أما لو بدأ في أثناء الشهر ولو في اليوم الثاني منه فعليه ستون يومًا متتابعة، خالية من أيام العيد أو أيام التشريق، ويجب فيها التتابع، إلا المرأة فتقطع أيام حيضها ثم تتابع بعد طُهرها من الحيض، وإذا قدر على الرقبة قبل أن يتمّ صيام الشهرين أعتق.
-٣ - إن لم يستطع الصوم لعجز أو مرض أطعم ستين مسكينًا ولو في أوقات متفرقة لحصول الواجب. والإطعام أقله وجبتان: فطور وسحور أو غداءان لكل مسكين، ويجوز إعطاؤهما لمسكين واحد على ستين يومًا، لأنه بتجدد الحاجة في كل يوم يصير بمنزلة مسكين آخر.
ويشترط في الإطعام الإشباع، ويقدر بنصف صاع (١) من بُرّ أو صاع من تمر أو شعير أو قيمته.
أما دليل وجوب الكفارة فما روى أبو هريرة ﵁ قال: (جاء رجل إلى النبي ﷺ فقال: هلكت يا رسول الله. قال: وما أهلكك؟ قال: وقعت على امرأتي في رمضان. قال: هل تجد ما تعتق رقبة؟ قال: لا. قال: فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟ قال: لا. قال: فهل تجد ما تطعم ستين مسكينًا؟ قال: لا. قال ثم جلس؟ فأتي النبي ﷺ بعَرَق (٢) فيه تمر، فقال: تصدق بهذا. قال: أفقر منا؟ فما بين لابَتيْها (٣) أهل بيت أحوج إليه مناّ، فضحك النبي ﷺ حتى بدت أنيابه، ثم قال: اذهب فأطعمه أهلك) (٤) .

(١) أي ما يعادل اثنين ونصف كيلوغرام من الدقيق.
(٢) العَرَق: القُفّة، وعاء معروف.
(٣) اللابة: الحَّرة، أي الأرض التي قد ألْسَبَتْها حجارة سود، وجمعها لابات. ولابتا المدينة: حَرتّان مكتنفتانها.
(٤) مسلم: ج ٢ / كتاب الصيام باب ١٤/٨١.
تعدادها:
تكفي كفارة واحدة عن مفسدات للصوم متعددة في أيام كثيرة بشرط أن لا يتخلل هذه المفسدات (أكل، جماع) تكفير، لأن الكفارة للزجر وبواحدة يحصل، ولو كانت الأيام من رمضانَيين على الصحيح لوقوع التداخل. فإن تخلل بين الإفطارين تكفير وجب إعادة الكفارة لإعادة الجرم.
متى يسقط وجوب الكفارة:
-١ - إذا طرأ حيض أو نفاس أو مرض يبيح للفطر في يوم الإفساد الموجب للكفارة، لأنها تجب في صوم مستحق وهو لا يتجزأ ثبوتًا وسقوطًا فتمكنت الشبهة في عدم استحقاقه من أوله بطروء العذر في آخره.
-٢ - إذا سافر ثم أفطر، أما إذا سافر مختارًا أو مكرهًا بعد لزومها عليه فلا تسقط، لأن ذلك من صنع العباد.
ثانيًا - حالة الإفطار المحرم الموجب للقضاء فقط:
-١ - إذا فعل ما ليس فيه كمال شهوة الفرج.
أ - إن جامع فيما دون السبيلين أو بهيمة.
ب - إن قبل أو لمس فأنزل.
جـ - الاستمناء بالكفّ أو غيره، أو الفطر بالجماع في غير رمضان.
فهذه الأفعال كلها مفطرة لكن لا توجب الكفارة لعدم تمام الجناية.
-٢ - إن أقطر في أذنه، أو استعط أي أقطر في أنفه. أما إن دخل الماء في أذنيه بلا صنعة فلا يفطر.
-٣ - إن استقاء متعمدًا، وشرط أبو يوسف أن يكون ملء الفم لأن ما دونه كالعدم حكمًا، أو ابتلع عمدًا ما ذرعه من القيء وكان ملء الفم، وفي الأقل منه روايتان في الفطر وعدمه.
-٤ - إن داوى جائفة، وهي الجراحة في البطن، أو آمة، وهي الجراحة بالرأس، بدواء ووصل إلى جوفه أو دماغه.
-٥ - إن أكل ما ليس فيه غذاء، كأن بلع ترابًا أو حصوًا أو ما لا يؤكل بدون طبخ.
-٦ - إن أفطر عمدًا بعد أكله ناسيًا وجب عليه القضاء دون الكفارة لوجود الشبهة، وفي رواية تجب الكفارة.
-٧ - إن أفطر مكرهًا ولو بالجماع.
-٨ - إدخال شيء في القُبُل أو الدُبُر ولو كانت الإصبع مبللة أو خرقة، أو قطنة، وكذا الحُقْنَة في الدبر، أو القبل عند أبي يوسف إذا وصل الماء أو الدهن إلى المثانة.
-٩ - إن أتى بالمفطرات عمدًا بعد ما نوى الصيام نهارًا ولم يكن مبيتًا نيته، وجب عليه القضاء دون الكفارة لشبهة عدم صومه عند السادة الشافعية.
-١٠ - إن سافر في نهار رمضان بعد ما أصبح مقيمًا ناويًا من الليل، فأكل في حالة السفر وجامع عمدًا، وجب عليه القضاء دون الكفارة لشبهة السفر وإن لم يحل له الفطر.
-١١ - إن أدخل الدخان عمدًا إلى جوفه أو دماغه، سواء أكان دخان عنبر أو عود أو غيرهما، حتى لو استنشق بخورًا أفطر.
ثالثًا - حالة الإفطار الجائز الموجب للقضاء فقط:
-١ - المرض:
أ - إن خاف المكلف زيادة مرضه أو بطء الشفاء جاز له الفطر وعليه القضاء من أيام آخر، لقوله تعالى: ﴿فمن كان منكم مريضًا أو على سفر فعِدّة من أيام أُخر﴾ (١) .
ب - إن خاف على نفسه الهلاك أو ذهاب منفعة عضو وجب عليه الفطر.
-٢ - السفر:
يجوز للمسافر في رمضان قبل الفجر أن يفطر، وعليه القضاء فيما بعد، أما إن أنشأ السفر بعد الفجر فلا يحل له الفطر بعد ما أصبح صائمًا.
وأدلة جواز الفطر في السفر قوله تعالى: ﴿فمن كان منكم مريضًا أو على سفر فعدة من أيام آخر﴾ (١) . وما روي عن ابن عباس ﵄ قال: (صام رسول الله ﷺ في السفر وأفطر) (٢) . ولكن الصوم في السفر أفضل من الفطر إن لم يضره، بدليل قوله تعالى: ﴿وأن تصوموا خير لكم إن كنتم تعلمون﴾ (٣)، وما روي عن أبي الدرداء ﵁ قال: (لقد رأيتنا مع رسول الله ﷺ في بعض أسفاره في اليوم الحار، الشديد الحر وإن الرجل ليضع يده على رأسه من شدة الحَّر، وما في القوم أحد صائم إلا رسول الله ﷺ، وعبد الله بن رواحة) (٤) .
هذا إذا لم يكن عامة رفقته مفطرين، وإلا فالأفضل الفطر موافقة للجماعة.
وإذا كان مسافرًا فأقام أثناء النهار، وكان أكل أو شرب، فيستحب له الإمساك بقية يومه، أما إذا وصل قبل الزوال، ولم يفسد صومه، فينوي الصوم ويتابع يومه صائمًا.
-٣ - الغزو: إذا كان المكلف يعلم يقينًا أو بغلبة الظن وقوع القتال، ويخاف الضعف عنه إن صام، جاز له الفطر قبل الحرب.
-٤ - الحامل والمرضع: إن خافتا على نفسيهما أو ولديهما بإخبار طبيب حاذق مسلم عدل، أو بتجربة سابقة، جاز لهما الفطر، ووجب في حقهما القضاء فقط. لما روي عن أنس ابن مالك ﵁ قال: قال النبي ﷺ: (إن الله ﷿ وضع للمسافر الصوم وشطر الصلاة وعن الحُبلى والمُرضع) (٥) .
-٥ - صاحب العمل الشاق: إن أجهده العطش الشديد أو الجوع المفرط، وخاف الهلاك جاز له الفطر. لكن لا يفطر حتى يجهده الصوم.
ومن مات قبل زوال عذره بمرض أو سفر ونحوه من الأعذار المبيحة للفطر سقط عنه القضاء، ولا يجب عليه الإيصاء بفدية لفوات إدراكه عدة من أيام أخر، وإن أدرك العدة قضى ما قدر على قضائه، وإن لم يقض وجب الإيصاء بقدر الإقامة من السفر والصحة من المرض وزوال العذر اتفاقًا؛ فلو فاته عشرة أيام فقدر على خمسة أدى فديتها فقط، وتخرج الفدية من الثلث لأنها تابعة للوصية.

(١) البقرة: ١٨٤.
(٢) البقرة: ١٨٤.
(٣) ابن ماجه: ج ١ / كتاب الصيام باب ١٠/١٦٦١.
(٤) ابن ماجه ج ١ / كتاب الصيام باب ١٠/١٦٦٣.
(٥) النسائي: ج ٤ / ص ١٩٠.
رابعًا - حالة الإفطار الجائز الموجب للفدية دون القضاء:
-١ - الشيخ الفاني إن عجز عن الأداء، لقول ابن عباس ﵄ في تفسير قوله تعالى: ﴿وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين﴾ (١)، هو الشيخ الكبير، والمرأة الكبيرة، لا يستطيعان أن يصوما، فيطعمان مكان كل يوم مسكينًا (٢) . وقد أطعم أنس ﵁ بعد ما كَبِر عامًا أو عامين، كل يوم مسكينًا، خبزًا ولحمًا، وأفطر (٣) .
-٢ - المريض مرضًا مبيحًا للإفطار ولا يرجى شفاؤه.
-٣ - العاجز عن أداء نذر صوم الدهر، يفطر ويفدي لاشتغاله بالمعيشة.
ماهية الفدية:
إطعام مسكين نصف صاع من بُرّ، أو صاعًا من تمر أو شعير، أو قيمته، أو أكلتين مشبعتين عن كل يوم، ولا يشترط التمليك (٤) . فإن لم يقدر على الإطعام لعسرته يستغفر الله سبحانه ويطلب منه العفو عن تقصيره في حقه.
ولا تجوز الفدية إلا عن صوم هو أصل بنفسه لا بدل عن غيره. حتى لو وجبت عليه كفارة يمين أو قتل أو ظهار أو إفطار، فلم يجد ما يكفر به عن عتق أو إطعام أو كسوة، وهو شيخ فان أو لم يصم حال قدرته على الصوم حتى صار فانيًا، لا تجوز له الفدية لأن الصوم هنا بدل عن غير وهو التكفير بالمال. ولذا لا يجوز المصير إلى الصوم إلا عند العجز عما يكفر به من المال.

(١) البقرة: ١٨٤.
(٢) البخاري: ج ٤ / كتاب التفسير باب ٢٧/٤٢٣٥.
(٣) البخاري: ج ٤ / كتاب التفسير باب ٢٧.
(٤) بخلاف صدقة الفطر فلا بُدّ فيها من التمليك كالزكاة. وكل ما شرع بلفظ الإطعام أو الطعام يجوز فيه التمليك والإباحة ولا يجب، وما شرع بلفظ الإيتاء أو الأداء يشترط فيه التمليك.
خامسًا - حالة الإفطار الواجب الموجب للقضاء:
وهي حالة الحائض والنفساء. ودليل وجوب القضاء ما روت عائشة ﵂ قالت: (كان يصيبنا ذلك فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة) (١) . فإن طهرتا أثناء النهار يجب الإمساك بقية النهار قضاء لحق الوقت ولأنهما صارتا أهلًا للصوم. وقيل يسن لهما الإمساك.

(١) مسلم: ج ١ / كتاب الحيض باب ١٥/٦٩.
سادسًا - حالة وجوب الإمساك مع وجوب القضاء ولا إثم فيها:
-١ - إن تسحر بعد الفجر شاكًا أنه لم يطلع وقد طلع لا كفارة عليه للشبهة لأن الأصل بقاء الليل، ويأثم إثم ترك التثبت لا إثم جناية الإفطار. وإذا لم تبين له طلوع الفجر لا يجب عليه القضاء بالشك.
-٢ - إن أفطر ظانًا أن الشمس قد غربت ولم تغرب، ولابد من غلبة الظن لا مجرد الشك؛ لأن الأصل بقاء النهار فلا يكفي مجرد الشك لإسقاط الكفارة، بخلاف الشك في طلوع الفجر عملًا بالأصل في كل محل.
وفي الحالتين يجب عليه القضاء والإمساك بقية اليوم قضاء لحرمة الوقت بالقدر الممكن ونفيًا للتهمة، فقد قيل "من أقام نفسه مقام التهمة فلا يلومن من أساء الظن به". ودليل وجوب القضاء ما روي عن حنظلة ﵁، وكان صديقًا لعمر ﵁، قال: "كنت عند عمر في رمضان فأفطر وأفطر الناس، فصعد المؤذن ليؤذن فقال: يا أيها الناس هذه الشمس لم تغرب. فقال عمر ﵁: كفانا الله شرك، إنا لم نبعثك راعيًا. ثم قال عمر ﵁: من كان أفطر فليصم يومًا مكانه" (١) .
-٣ - إن أفطر خطأ بسبق ماء المضمضة والاستنشاق إلى جوفه.
-٤ - إن أفطر مكرهًا.
-٥ - إن أمسك اليوم كله ولم ينوِ صومًا وجب عليه القضاء لتفويت النية بالجهل ولفقد شرط الصحة.
ويكون القضاء في جميع الحالات على التراخي، فلو أخره حتى دخل رمضان آخر فلا فدية عليه بالتأخير، فعن عائشة ﵂ قالت: "كان يكون عليّ الصوم من رمضان، فما أستطيع أن أقضي إلا في شعبان" (٢) . ولا يشترط التتابع (٣) في القضاء لإطلاق النص، لكن يستحب التتابع وعدم التأخير عن زمن القدرة مسارعة إلى الخير وبراءة للذمة.

(١) البيهقي: ج ٤ / ص ٢١٧.
(٢) البخاري: ج ٢ / كتاب الصوم باب ٣٩/١٨٤٩.
(٣) أما الصوم الواجب أداؤه فهو أداء رمضان وكفارة الظهار والقتل واليمين وكفارة الإفطار عمدًا. وأما الصوم المخير أداؤه متتابعًا: فهو قضاء رمضان وفدية الحلق في الحج والمتعة والقران وجزاء الصيد والتطوع والنذر إلا أن ينذره متتابعًا.
سابعًا - حالات لا تفطر ولا يجب فيها شيء:
-١ - الأكل والشرب والجماع ناسيًا، لحديث أبي هريرة ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: (من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه، فإنما أطعمه الله وسقاه) (١) . ومن رأى ناسيًا للصوم يأكل وكان قادرًا على إتمام الصوم فليذكره أنه صائم، ويكره له كراهة تحريمية ترك التذكير، أما إن لم يكن له قوة فالأفضل عدم تذكيره لما فيه من قطع الرزق، واللطف فيه أفضل شابًا كان أو شيخًا.
-٢ - الاحتلام: وهو غير مفسد للصوم لتجرده عن القصد، ولما روى عن ابن عباس ﵄ قال: قال رسول الله ﷺ: (ثلاثة لا يفطرن الصائم: القيء والحجامة والاحتلام) (٢) .
-٣ - الإنزال من غير مباشرة أو فعل منه، كالإنزال بالنظر إلى المرأة أو بالفكر، لا يفسد الصوم ولو أدام النظر، رغم أنهما حرام.
وكذا القبلة لا تفطر، لما روت عائشة ﵂ قالت: (كان النبي ﷺ يقبل ويباشر وهو صائم، وكان أملككم لإِرْبه) (٣) .
-٤ - دهن الجلد أو الاغتسال ولو وجد برد الماء في كبده.
-٥ - الاكتحال ولو وجد طعمه في حلقه أو لونه في بصاقه، وسواء كان مطيبًا أم لا، إذ ليس بين العين والدماغ مسلك، وروي عن عائشة ﵂ قالت: (اكتحل رسول الله ﷺ وهو صائم) (٤) . ومثله القطرة بالعين.
-٦ - الاحتجام، للحديث المتقدم: (ثلاثة لا يفطرن الصائم: القيء والحجامة والاحتلام)، أما ما رواه أبو هريرة ﵁ أن النبي ﷺ قال: (أفطر الحاجم والمحجوم) (٥) فمؤول بذهاب الأجر. ومثله إبرة سحب الدم أثناء الصوم.
-٧ - دخول الدخان في حلقه بلا صنعة لعدم القدرة على الامتناع منه.
-٨ - دخول غبار طريق أو ذباب، أو بقاء أثر طعم أدوية في حلقه، لا يفسد الصوم لعسر لاحتراز عنها.
-٩ - الاحتقان في قبل الرجل بماء أو دهن لا يفطر عند الإمام أبي حنيفة ومحمد (خلافًا لأبي يوسف فيما إذا وصل إلى المثانة يفسد) .
-١٠ - نزول النخامة من الرأس إلى الأنف ثم استنشاقها وابتلاعها عمدًا لا يفسد الصوم، لكن يستحب إلقاؤها للخروج من خلاف السادة الشافعية.
-١١ - إذا سبح أو استحم فدخل في أذنه ماء لا يفسد صومه للضرورة. وكذا حك الأذن بعود وخروج درن من الصماخ لا يفسد الصوم ولو أدخله مرارًا.
-١٢ - إذا ابتلع ما بين أسنانه لا يفطر إن كان دون الحمصة.
-١٣ - إذا مضغ قدر سمسمة، قد تناولها من خارج فمه، حتى تلاشت ولم يجد لها طعمًا في حلقه.
-١٤ - من ذرعه القيء ولو ملأ فاه لا يفسد إن لم يبتلعه.
-١٥ - من تعمد القيء وكان أقل من ملء الفم لا يفسد عند الإمام أبي يوسف، وقال الإمام محمد بالفساد.
-١٦ - الإصباح بالجنابة لا يفسد، لأن من ضرورة الإذن بالمباشرة طوال الليل وقوع الغسل بعد الفجر.
-١٧ - إذ نوى الفطر ولم يفطر لعدم الفعل.
-١٨ - الغيبة: لا تفسد الصوم.

(١) مسلم: ج ٢ / كتاب الصيام باب ٣٣/١٧١.
(٢) مجمع الزوائد: ج ٣ / ص ١٧٠.
(٣) البخاري: ج ٢ / كتاب الصوم باب ٢٣/١٨٢٦، وإِرْب: الحاجة، أي كان ﷺ أغلبكم لهواه.
(٤) ابن ماجه: ج ١ / كتاب الصيام باب ١٧/١٦٧٨.
(٥) ابن ماجه: ج ١ / كتاب الصيام باب ١٨/ ١٦٧٩.

1 / 133