125

Jurisprudence of Worship According to the Hanafi School

فقه العبادات على المذهب الحنفي

ژانرونه

ثانيًا - دفن الميت:
حكمه: هو فرض كفاية.
كيفيته:
-١ - يحفر بمقدار طول قامة إنسان وبعرض نصف قامته، لأن ذلك أبلغ في الحفظ.
-٢ - أن يلحد في القبر، أي تُجعل حُفَيْرة فيجانب القبلة من القبر يوضع فيها الميت، ويُنْصَب عليه الَّلبِن (١) . وذلك لما روي عن ابن عباس ﵄ قال: قال رسول الله ﷺ: (اللحد لنا والشقّ لغيرنا) (٢) أي لغير المسلمين. ثم يهال عليه التراب.
والشق هو ما يحفر في وسط القبر ثم توضع بلاطة فوقه. ولا بأس فيه إن كانت الأرض رخوة.
-٣ - يسن أن يغطى القبر برداء إن كان الميت امرأة سترًا لها إلى أن يسوى عليها التراب.
-٤ - يستحب للحاضرين أن يحثي كل منهم ثلاث حثيات من التراب، لما روي عن عبد الله بن عامر بن ربيعة عن أبيه قال: (رأيت النبي ﷺ حين دفن عثمان بن مظعون ﵁ ... حثا بيديه ثلاث حثيات من التراب وهو قائم على القبر) (٣) . يقول في الأولى: ﴿منها خلقناكم﴾، وفي الثانية: ﴿وفيها نعيدكم﴾، وفي الثالثة: ﴿ومنها نخرجكم تارة أخرى﴾ لما روي عن أبي أمامة ﵁ قال: لما وضعت أم كلثوم بنت رسول الله ﷺ في القبر قال رسول الله ﷺ: (منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى، بسم الله وفي سبيل الله وعلى ملة رسول الله) (٤) .
-٥ - يُسنم (٥) القبر بمقدار أربع أصابع أو شبر، لما روي عن سفيان التمار "أنه رأى قبر النبي ﷺ سَنَّمًا" (٦) .
-٦ - يُدخل الميت من جهة القبلة، ويقول واضعه: "بسم الله وعلى ملة رسول الله"، لما روي عن عبد الله بن عمر ﵄ قال: قال رسول الله ﷺ: (إذا وضعتم موتاكم في قبورهم فقولوا: بسم الله وعلى سنة رسول الله) (٧) . ويوجّهه إلى القبلة لما روي عن عبيد بن عمير عن أبيه أن رسول الله ﷺ قال: (البيت الحرام قبلتكم أحياء وأمواتًا) (٨) . ويَدخُل القبر ثلاثة أو أربعة لوضع الميت، لما روي عن ابن عباس ﵄ فيمن نزل قبر النبي ﷺ: "ونزل في حفرته علي بن أبي طالب، والفضل بن العباس، وقثم أخوه، وشقران مولى رسول الله ﷺ" (٩) . ويشترط أن يكونوا أُمَنَاء أقوياء صُلَحاء.
أما المرأة فذو الرحم أولى بوضعها في قبرها من غيرهم، لما روي عن عبد الرحمن بن أبزى "أن عمر بن الخطاب ﵁ كبّر على زينب بنت جحش أربعًا، ثم أرسل إلى أزواج النبي ﷺ من يدخل هذه قبرها؟ فقلن: من كان يدخل عليها في حياتها" (١٠) .
-٧ - يسن أن يقف جماعة بعد دفن الميت يدعون ويستغفرون له، ويقرؤون عنده شيئًا من القرآن، أو ختمة إن أمكن، ويسألون الله له التثبيت، لما روي عن عثمان بن عفان ﵁ قال: كان النبي ﷺ إذا فرغ من دفن الميت قال: (استغفروا لميتكم وسلوا له التثبيت، فإنه الآن يُسْأَل) (١١) .
أما التلقين فمشروع في القبر أيضًا، لما روي عن أبي سعيد الخدري ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: (لقنوا موتاكم قول لا إله إلا الله) (١٢) . وكيفيته كما رواه سعيد بن عبد الله الأودي قال: شهدت أبا أمامة ﵁ وهو في النزع فقال: إذا أنا مت فاصنعوا لي كما أمر رسول الله ﷺ، فقال: (إذا مات أحد من إخوانكم، فسويتم التراب على قبره فليقم أحدكم على رأس قبره ثم ليقل: يا فلان ابن فلانة فإنه يسمعه ولا يجيب، ثم يقول: يا فلان ابن فلانة فإنه يستوي قاعدًا، ثم يقول: يا فلان ابن فلانة، فإنه يقول: أرشدنا رحمك الله، ولكن لا تشعرون فليقل: اذكر ما خرجت عليه من الدنيا شهادة لا إله إلا الله، وأن محمدًا عبده ورسوله، وأنك رضيت بالله ربًا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد نبيًا، والقرآن إمامًا) (١٣) .
-٨ - يسن وضع الجَريد (١٤) والإِذْخر على القبر لأنه يستغفر للميت ما دام رطبًا، لما روي عن ابن عباس ﵄ (أن رسول الله ﷺ أخذ جريدة رطبة فشقها نصفين ثم غرز في قبر كل واحدة. فقالوا يا رسول الله لِمَ صنعت هذا؟ فقال: لعلهما أن يخفف عنهما ما لم ييبسا) (١٥) .
-٩ - يستحب أن يدفن الميت في مقبرة المحلّ الذي مات فيه أو قتل، لما روي عن منصور بن صفية أمه قالت: مات أخ عائشة ﵂ بوادي الحبشة فحمل من مكانه فأتيناها نعزيها فقلت: "ما أجد في نفسي أو يحزنني في نفسي إلا أني وددت أنه كان دفن في مكانه" (١٦) . وعن جابر بن عبد الله ﵄ في قتلى أحد - (إن رسول الله ﷺ يأمركم أن تدفنوا القتلى في مضاجعهم فرددناهم) (١٧) . فإذا مات شخص بعيدًا عن بلده لا ينقل إليها بل يدفن حيث مات.

(١) اللَّبِن: ما يعمل من الطين مُرَبَّعًا ويُبنى به.
(٢) البيهقي: ج ٣ / ص ٤٠٨.
(٣) البيهقي: ج ٣ / ص ٤١٠.
(٤) البيهقي: ج ٣ / ص ٤٠٩.
(٥) يُسنم: أي يرفع عن الأرض مقدار شبر أو أكثر مثل سنام البعير.
(٦) البخاري: ج ١ / كتاب الجنائز باب ٩٤/١٣٢٥.
(٧) البيهقي: ج ٤ / ص ٥٥.
(٨) البيهقي: ج ٣ / ص ٤٠٨.
(٩) ابن ماجة: ج ١ / كتاب الجنائز باب ٦٥/١٦٢٨.
(١٠) البيهقي: ج ٤ / ص ٥٣.
(١١) البيهقي: ج ٤ / ص ٥٦.
(١٢) أبو داود: ج ٣ / كتاب الجنائز باب ٢٠/٣١١٧.
(١٣) مجمع الزوائد: ج ٣ / ص ٤٥.
(١٤) الجَريد: جمع جَرِيدة وهي سَعْفَة طويلة رطبة. وقيل: الجريدة للنخلة كالقضيب للشجرة.
(١٥) النسائي: ج ٤ / ص ١٠٦.
(١٦) البيهقي: ج ٤ / ص ٥٧.
(١٧) أبو داود: ج ٣ / كتاب الجنائز باب ٤٢/٣١٦٥.
ما يكره في الدفن:
-١ - يكره للنساء النزول إلى القبر.
-٢ - يكره بناء القبر بالجص والآجر والخشب، وأن يكتب عليه، لما روي عن جابر ﵁ قال: (نهى رسول الله ﷺ أن يُبنى على القبر ويجصص أو يقعد عليه، ونهى أن يكتب عليه) (١) .
-٣ - أن يدفن اثنان في قبر واحد، إلا لضرورة ويجعل بينهما تراب، لما روي عن جابر بن عبد الله ﵄ (أن النبي ﷺ كان يجمع بين الرجلين من قتلى أحد) (٢) .
-٤ - الدفن في البيوت لاختصاصه بالأنبياء، ومن مات في سفينة يغسل ويكفن ويصلى عليه ويلقى في البحر، لما روي في البحر، لما عن الحسن البصري أنه قال فيه: "يغسل ويكفن ويصلى عليه ويطرح في البحر" (٣) .
-٥ - نقل الميت من بلد إلى بلد لمسافة أكثر من ميلين، أما بعد الدفن فلا يجوز نقله.
-٦ - ويحرم نبش القبر إلا أن يكون دفن في أرض مغصوبة فيخرج لحقّ صاحبها إن طلبه، وإن شاء سوّاه بالأرض وانتفع بها زراعة. أو أخذت الأرض بالشُفّعة (٤) والشفيع يُخَيَّر.
وإن دفن بقبر يملكه غيره (٥) من الأحياء بأرض ليست ملكًا لأحد ضمنت قيمة القبر من تَرِكته أو من بيت مال المسلمين.

(١) المستدرك: ج ١ / ص ٣٧٠.
(٢) البخاري: ج ١ / كتاب الجنائز باب ٧٢/١٢٨٠.
(٣) البيهقي: ج ٤ / ص ٧.
(٤) الشُّفْعَة: هي ضم بقعة مشتراة إلى عقار الشَّفيع بسبب الشِركة أو الجِوار.
(٥) من بسط مصلى في المسجد أو المجلس، فإن كان واسعًا لا يصلي عليه ولا يجلس عليه غير صاحبه، وإن كان ضيقًا جاز لغيره أن يرفع البساط ويصلي في ذلك المكان أو يجلس.
التعزية:
أ - ما يستحب في التعزية:
-١ - تستحب التعزية للرجال والنساء، لما روي عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده أن النبي ﷺ قال: (ما من مؤمن يعزي أخاه بمصيبة إلا كساه الله سبحانه من حُلَل الكرامة يوم القيامة) (١) . وعن عبد الله بن مسعود ﵁ أن النبي ﷺ قال: (من عزَّى مصابًا فله مثل أجره) (٢) .
-٢ - يُستحب أن يعمَّ جميع الأقارب، وأن تكون صيغة التعزية بما روي عن أسامة بن زيد ﵄، أن النبي ﷺ قال معزيًا ابنته لما مات ولدها: (إن لله ما أخذ وله ما أعطى، وكل شيء عنده بأجل مسمى) (٣)، أو بما روي عن أنس ﵁ في تعزية الخِضْر ﵇ لأهل بيت النبي ﷺ. "إن في الله عزاء من كل مصيبة، وخَلَفًا من كل هالك وعوضًا من كل فات، فإلى الله فأنيبوا، وإليه فارغبوا، فإنما المصاب من لم يجبره الثواب" (٤) .
-٣ - يستحب لجيران الميت والأباعد من أقاربه تهيئة طعام لأهل الميت يُشبِعَهم يومهم وليلتهم، لما روي عن عبد الله بن جعفر ﵄ قال: قال النبي ﷺ: (اصنعوا لأهل جعفر طعامًا، فإنهم قد جاءهم ما يشغلهم) (٥) . ويُلحّ عليهم بالأكل، لأن الحزن يمنعهم الطعام فيضعفهم، والله ملهم الصبر ومعوِّض الأجر.

(١) ابن ماجة: ج ١ / كتاب الجنائز باب ٥٦/١٦٠١.
(٢) الترمذي: ج ٣ / كتاب الجنائز باب ٧١/١٠٧٣.
(٣) مسلم: ج ٢ / كتاب الجنائز باب ٦/١١.
(٤) مجمع الزوائد: ج ٣ / ص ٣.
(٥) الترمذي: ج ٣ / كتاب الجنائز باب ٢١/٩٩٨.
ب - ما يكره في التعزية:
-١ - يكره الاجتماع عند أهل الميت حتى يأتي إليهم من يعزيهم، بل ينبغي إذا رجعوا من الدفن أن يتفرقوا ليشتغلوا بأمرهم.
-٢ - الجلوس على باب الدار للمصيبة.
-٣ - التعزية في المسجد.
-٤ - تكرار التعزية.
-٥ - الضيافة من أهل الميت، لما روي عن جرير بن عبد الله البجلي ﵁ قال: "كنا نرى الاجتماع إلى أهل البيت وصنعة الطعام من النياحة" (١) .

(١) ابن ماجة: ج ١ / كتاب الجنائز باب ٦٠/١٦١٢.
زيارة القبور:
حكمها:
هي مندوبة للرجال والنساء، لما روي عن أبي هريرة ﵁ أن النبي ﷺ قال: (فزوروا القبور فإنها تُذكر بالموت) (١)، وعن ثوبان ﵁ أن النبي ﷺ قال: (كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها، واجعلوا زيارتكم لها صلاة عليهم واستغفارًا لهم) (٢) .
وقيل تكره للنساء، والأصح أن الرخصة للرجال والنساء، فعن علي بن الحسين عن أبيه "أن بنت النبي ﷺ كانت تزور قبر عمها حمزة كل جمعة فتصلي وتبكي عنده" (٣) .
وعن عبد الله بن أبي مليكة "أن عائشة ﵂ أقبلت ذات يوم من المقابر فقلت لها: يا أم المؤمنين من أين أقبلت. قالت: من قبر أخي عبد الرحمن بن أبي بكر فقلت لها: أليس كان رسول الله ﷺ نهى عن زيارة القبور؟ قالت: نعم. كان نهى ثم أمر بزيارتها" (٤) .

(١) أبو داود: ج ٣ / كتاب الجنائز باب ٨١/٣٢٣٤.
(٢) مجمع الزوائد: ج ٣ / ص ٥٩. وهو ضعيف.
(٣) البيهقي: ج ٣ / ص ٧٨.
(٤) البيهقي: ج ٣ / ص ٧٨.
كيفية الزيارة:
أن يقف قائمًا - دون أن يطأ القبور - مستدبر القبلة، مستقبلًا وجه الميت ثم يلقي السلام فيقول: "السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون. أسأل الله لي ولكم العافية". ولا يمسح القبر ولا يقبّله ولا يمسّه. وذلك لما روي عن بريدة ﵁ قال: (كان رسول الله ﷺ يعلمهم إذا خرجوا إلى المقابر. فكان قائلهم يقول: السلام عليكم، أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، وإنا إن شاء الله، للاحقون. أسأل الله لنا ولكم العافية) (١) .
وعن أبي هريرة ﵁ أن النبي ﷺ قال: (ما من أحد يمر بقبر رجل كان يعرفه في الدنيا فيسلم عليه إلا عرفه ورد ﵇ (٢) .
ويستحب للزائر أن يقرأ سورة "يس"، لما روي عن أنس ﵁ أن رسول الله ﷺ قال: (من دخل المقابر فقرأ سورة يس خفَّف اللهم عنهم يومئذ العذاب، وكان له بعدد ما فيها من حسنات) (٣) .
ويستحب أيضًا أن يقرأ سورة "الإخلاص" إحدى عشرة مرة، إذ لا مانع من الجلوس على القبر لقراءة القرآن.

(١) مسلم: ج ٢ / كتاب الجنائز باب ٣٥/١٠٤.
(٢) الجامع الصغير: ج ٢ / ص ١٥١.
(٣) حاشية الطحطاوي على مراقي الفلاح: ص ٦١٠.
مكروهات زيارة القبور:
-١ - يكره الجلوس على القبر لغير القراءة، لما روي عن أبي هريرة ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: (لأن يجلس أحدكم على جمرة حتى تحرق ثيابه خير له من أن يجلس على قبر) (١) . كما يكره النوم والصلاة عنده.
-٢ - يكره تحريمًا قضاء الحاجة على القبور، لما روي عن عقبة بن عامر ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: (لأن أمشي على جمرة أو سيف، أو أخصف نعلي برجلي، أحب إليّ من أمشي على قبر مسلم، وما أبالي أوسط القبور قضيت حاجتي، أو وسط السوق) (٢) .
-٣ - يكره قطع الحشيش الرطب وكذا الشجرة من المقبرة، لأنه يسبح الله تعالى ما دام رطبًا فيؤنس الميت وتنزل بذكر الله تعالى الرحمة.

(١) النسائي: ج ٤ / ص ٩٥.
(٢) ابن ماجة: ج ١ / كتاب الجنائز باب ٤٥/١٥٦٧.
هل يثاب الأموات بما يقدمه الأحياء:
روي عن عائشة ﵂ أن رجلًا قال للنبي ﷺ: (إن أمي افتُلِتَت نفسها، وأَظنها لو تكلمت تصدقّتْ، فهل لها أجر إن تصدقت عنها؟ قال: نعم) (١) .
وعن أبي هريرة ﵁ أن رسول الله ﷺ قال: (إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة: إلا من صدقة جارية، أو علم يُنتفع به، أو ولد صالح يدعو له) (٢) .
وعن أنس بن مالك ﵁ قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: (ما من أهل بيت يموت منهم ميت فيتصدقون عنه بعد موته إلا أهداها له جبريل ﵇ على طبق من نور، ثم يقف على شفير القبر العميق هذه هدية أهداها إليك أهلك فاقبلها، فيدخل عليه فيفرح بها ويستبشر، ويحزن جيرانه الذين لا يهدى إليهم شيء) (٣) .

(١) البخاري: ج ١ / كتاب الجنائز باب ٩٣/١٣٢٢.
(٢) مسلم: ج ٣ / كتاب الوصية باب ٣/١٤.
(٣) مجمع الزوائد: ج ٣ / ص ١٣٩.

1 / 125