108

Jurisprudence of Worship According to the Hanafi School

فقه العبادات على المذهب الحنفي

ژانرونه

أولًا: ما لا يصلى جماعة: -١ - تحية المسجد: وهي ركعتان يصليهما في غير الوقت المكروه. إلا المسجد الحرام فإن تحيته الطواف لمن أراد أن يطوف أو كان عليه طواف ويؤخر ركعتي الطواف إذا كان الوقت وقت كراهة، وأما إذا لم يرد الطواف فإنه يصلي ركعتين ينوي بهما تحية المسجد. ولا يكره الطواف في أي وقت كان. دليلها: ما روي عن أبي قتادة ﵁ أن رسول الله ﷺ قال: (إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين) (١) . - أما إذا دخل المسجد في الوقت المكروه بعد الفجر أو العصر فلا يأتي بتحية المسجد بل يسبح ويهلل ويصلي على النبي ﷺ، فيكون قد أدى حق المسجد. - وإذا دخل المسجد وقد دخل وقت المكتوبة يبدأ بها لأن أداءها ينوب عن تحية المسجد. - ولا تفوت تحية المسجد بالجلوس بل الأفضل أن يصليها بعد أن يجلس. - وإذا تكرر دخوله المسجد يكفيه ركعتان في اليوم. - ويندب أن يقول عند الدخول: "اللهم افتح لي أبواب رحمتك"، وعند الخروج: "اللهم إني أسألك من فضلك". لما روي عن ابن عمر ﵄ قال: علم رسول الله ﷺ الحسن بن علي إذا دخل المسجد أن يصلي على النبي ﷺ ويقول: "اللهم اغفر ذنوبنا وافتح لنا أبواب رحمتك". وإذا خرج صلى على النبي ﷺ وقال: "اللهم افتح لنا أبواب فضلك" (٢) . وروي عن أبي حُميد أو أبي أسيد الساعدي ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: (إذا دخل أحدكم المسجد فليسلم وليقل: اللهم لفتح لي أبواب رحمتك، وإذا خرج فليقل: اللهم إني أسألك من فضلك) (٣) .

(١) البخاري: ج ١ / أبواب التطوع باب ١/١١١٠. (٢) مجمع الزوائد: ج ٢ / ص ٣٢. قال الهيثمي: رواه الطبراني في الأوسط وفيه سالم بن عبد الأعلى وهو متروك. (٣) البيهقي: ج ٢ / ص ٤٤١.

-٢ - سنة الوضوء: يندب بعد الوضوء صلاة ركعتين قبل جفاف الأعضاء، لما روى عقبة بن عامر ﵁ أن رسول الله ﷺ قال: (ما من مسلم يتوضأ فيحسن وضوءه ثم يقوم فيصلي ركعتين مُقبلٌ عليهما بقلبه ووجهه إلا وَجَبَتْ له الجنة) (١) . وعن أبي هريرة ﵁ أن النبي ﷺ قال لبلال عند صلاة الفجر: (يا بلال، حدثني بأرجى عمل عملته في الإسلام، فإني سمعت دفَّ نعليك بين يديّ في الجنة. قال: ما عملت عملًا أرجى عندي: أني لم أتطهر طُهورًا، في ساعة من ليلٍ أو نهار، إلا صليت بذلك الطهور ما كتب لي أن أصلي) (٢) . ولو صلى فريضة بعد الوضوء حصلت له الفضيلة.

(١) مسلم: ج ١ / كتاب الطهارة باب ٦/١٧. (٢) البخاري: ج ١ / أبواب التهجد باب ١٧/١٠٩٨.

-٣ - سنة الضحى: وهي أربع ركعات على المختار لتواتر الأخبار الصحيحة فيها، فعن عائشة ﵂ قالت: (كان رسول الله ﷺ يصلي الضّحى أربعًا. ويزيد ما شاء الله) (١) . وقد جاء في تفسير قوله تعالى ﴿وإبراهيم الذي وفّى﴾ (٢) أنه وفّى عمل يومه بأربع ركعات من الضحى (٣) . والأفضل المواظبة عليها. ويبدأ وقتها من ارتفاع الشمس قدر رمح إلى قبيل الزوال. وكان رسول الله ﷺ يقرأ فيها: بـ ﴿والشمس وضحاها﴾ و﴿والضحى﴾ . وتصح من أربع إلى اثنتي عشرة ركعة وأفضلها ثمان، فقد روت أم هانئ ﵂ (أن النبي ﷺ دخل بيتها يوم فتح مكة. فصلى ثماني ركعات. ما رأيته صلى صلاة قط أخفّ منها. غير أنه كان يتم الركوع والسجود) (٤) . وعن أبي الدرداء ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: (من صلى الضحى ركعتين لم يكتب من الغافلين، ومن صلى أربعًا كتب من العابدين، ومن صلى ستًا كُفي ذلك اليوم، ومن صلى ثمانيًا كتبه الله من القانتين (٥)، ومن صلى ثنتي عشرة بنى الله له بيتًا في الجنة. وما من يوم وليلة إلا لله مَنٌّ يمن به على عباده وصدقة، وما منّ الله على أحد من عباده أفضل من أن يلهمه ذكره) (٦) . وتقوم صلاة الضحى مقام الصدقات الواجبة على كل مِفْصَل من بني آدم إذا أصبح آمنًا في سِرْبِه معافى في جسده. فعن أبي ذر ﵁ عن النبي ﷺ أنه قال: (يصبح على كل سُلامى من أحدكم صدقة. فكل تسبيحة صدقة. وكل تحميدة صدقة. وكل تهليلة صدقة. وكل تكبيرة صدقة. وأمر بالمعروف صدقة. ونهيٌ عن المنكر صدقة. ويجزئ من ذلك، ركعتان يركعهما من الضحى) (٧) .

(١) مسلم: ج ١ / كتاب صلاة المسافرين وقصرها باب ١٣/٧٩. (٢) النجم: ٣٧. (٣) أخرجه ابن أبي حاتم وابن جرير. (٤) مسلم: ج ١ / كتاب صلاة المسافرين وقصرها باب ١٣/٨٠. (٥) القَانِت: القائم بالطاعة الدائم عليها. (٦) مجمع الزوائد: ج ٢ / ص ٢٣٧، رواه الطبراني في الكبير. (٧) مسلم: ج ١ / كتاب صلاة المسافرين وقصرها باب ١٣/٨٤.

-٤ - صلاة الليل: ذهبت طائفة من العلماء إلى أن صلاة الليل فرض على النبي ﷺ مستدلين بقوله تعالى: ﴿يا أيها المزمل قم الليل إلا قليلًا﴾ (١) فتكون مندوبة في حق غيره. وأقل ما ينبغي أن يتنفل بالليل ثماني ركعات، ويستحب أن تكون آخره، إذ أن أفضل وقتها السدس الخامس والسادس من الليل. وقد جاءت أحاديث كثيرة في بيان فضلها، منها حديث أبي هريرة ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: (أفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل) (٢) . ومنها ما روي عن أبي هريرة ﵁ أن رسول الله ﷺ قال: (ينزل الله إلى السماء الدنيا كل ليلة حين يمضي ثلث الليل الأول، فيقول: أنا الملك، من ذا الذي يدعوني فأستجيب له، من ذا الذي يسألني فأعطيه، من ذا الذي يستغفرني فأغفر له، فلا يزال كذلك حتى يضيء الفجر) (٣) . وعن سلمان الفارسي ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: (عليكم بقيام الليل فإنه دأب الصالحين قبلكم وقربة لكم إلى الله ﷿ ومكفرة للسيئات ومنهاة عن الإثم مطردة عن الحسد) (٤) .

(١) المزمل: ١ - ٢. (٢) مسلم: ج ٢ / كتاب الصيام باب ٣٨/٢٢. (٣) الترمذي: ج ٢ / كتاب الصلاة باب ٣٢٩/٤٤٦. وقد أوّل العلماء هذا الحديث وأمثاله بنزول ملك أو أمر الله تعالى. (٤) مجمع الزوائد: ج ٢ / ص ٢٥١.

-٥ - صلاة الاستخارة: وقد بيّنتها السنة، فعن جابر بن عبد الله ﵄ قال: كان رسول الله ﷺ يُعلِّمنا الاستخارة في الأمور كما يعلمنا السورة من القرآن، يقول: (إذا همّ أحدكم بالأمر، فليركع ركعتين من غير الفريضة، ثم ليقل: اللهم إني أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم، فإنك تَقْدِر ولا أقدر، وتعلم ولا أعلم، وأنت علام الغيوب. اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر خير لي، في ديني ومعاشي وعاقبة أمري، أو قال: عاجل أمري وآجله، فاقْدُرْه لي ويَسِّره لي، ثم بارك لي فيه، وإن كنت تعلم أن هذا الأمر شر لي، في ديني ومعاشي وعاقبة أمري، أو قال: في عاجل أمري وآجله، فاصْرِفْه عني واصرفني عنه، واقْدُر لي الخير حيث كان، ثم أرضني به. قال: ويسمي حاجته) (١) . وإذا استخار يمضي لما ينشرح له صدره، وينبغي أن يكررها سبعًا، وتكون الاستخارة في الأمور التي لا يدري العبد وجه الصواب فيها، أما ما هو معروف خيره وشره كصنائع المعروف فلا استخارة فيها.

(١) البخاري: ج ١ / أبواب التطوع باب ١/١١٠٩.

-٦ - صلاة الحاجة: وهي ركعتان أو أربع، وقيل اثنتا عشرة ركعة بسلام واحد. روي عن عبد الله بن أبي أوفى ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: (من كانت له إلى الله حاجة أو إلى أحد من بني آدم فليتوضأ فليحسن الوضوء، ثم ليصل ركعتين، ثم ليُثن على الله، وليصل على النبي ﷺ، ثم ليقل، لا إله إلا الله الحليم الكريم، سبحان الله رب العرش العظيم، الحمد لله رب العالمين، أسألك موجبات رحمتك، وعزائم مغفرتك، والغنيمة من كل برّ، والسلامة من كل إثم، لا تع لي ذنبًا إلا غفرته، ولا همًا إلا فرَّجته، ولا حاجة هي لك رِضًا إلا قضيتها، يا أرحم الراحمين) (١) . وعن عثمان بن حنيف ﵁ في قصة الضرير الذي جاء إلى رسول الله ﷺ ليدعو له أن يعافيه - أن رسول الله ﷺ قال له (فانطلق فتوضأ ثم صل ركعتين ثم قل: اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بمحمد نبيّ الرحمة، يا محمد إني قد توجهت بك إلى ربي في حاجتي هذه لتُقْضَى.. اللهم فشفّعْه فيّ) (٢) .

(١) الترمذي: ج ٢ / كتاب الصلاة باب ٣٤٨/٤٧٩. (٢) ابن ماجة: ج ١ / كتاب إقامة الصلاة باب ١٨٩/١٣٨٥.

-٧ - تندب صلاة ركعتين: -١ - لمن حكم عليه بالقتل قبل تنفيذ الحكم. -٢ - إذا نزل منزلًا لا يستحب له أن يقعد حتى يصلي ركعتين، لحديث فضالة بن عبيد ﵁ قال: (كان رسول الله ﷺ إذا نزل منزلًا في سفر أو دخل بيته لم يجلس حتى يركع ركعتين) (١) . -٣ - إذا أراد سفرًا أو رجع منه. فعن عبد الله بن مسعود ﵁ قال: جاء رجل إلى النبي ﷺ فقال: يا رسول الله إني أريد أن أخرج إلى البحرين في تجارة. فقال رسول الله ﷺ (صلِّ ركعتين) (٢) . وعن كعب بن مالك ﵁ في حديثه الطويل أن رسول الله ﷺ (كان إذا قدم من سفر بدأ بالمسجد فركه فيه ركعتين) (٣) . -٤ - إذا وقعت منه معصية، حديث أبي بكر الصديق ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: (ما من رجل يذنب ذنبًا فيتوضأ فيحسن الوضوء ثم يصلي ركعتين وليستغفر الله إلا غفر الله له) (٤) .

(١) مجمع الزوائد: ج ٢ / ص ٢٨٣، رواه الطبراني في الكبير. (٢) مجمع الزوائد: ج ٢ / ص ٢٨٣، رواه الطبراني في الكبير. (٣) مسلم: ج ٤ / كتاب التوبة باب ٩/٥٣. (٤) ابن ماجة: ج ١ / كتاب إقامة الصلاة باب ١٩٣/١٣٩٥.

-٨ - صلاة التسبيح: تستحب صلاة التسبيح في كل وقت لا كراهة فيه، أو في كل يوم أو ليلة مرة. إلا ففي كل أسبوع أو شهر أو العمر مرة. لأن ثوابها لا يتناهى وقيل: لا يسمع بعظيم فضلها ويتركها إلا متهاون بالدين. وهي أربع ركعات بتسليمة أو تسليمتين يقول فيها ثلاثمائة مرة سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر. وفي رواية زيادة: ولا حول ولا قوة إلا بالله. يقول ذلك في كل ركعة خمس وسبعين مرة، فبعد الثناء خمس عشرة، ثم بعد القراءة وفي ركوعه والرفع منه وكل من السجدتين وفي الجلسة بينهما عشرًا عشرًا بعد تسبيح الركوع والسجود. وهذه الكيفية هي التي رواها الترمذي في جامعه عن عبد الله بن المبارك أحد أصحاب أبي حنيفة ﵁. وإن سها ونقص عددًا من محل معين يأتي به في محل آخر تكملة للعدد المطلوب. ولا يعد التسبيحات بالأصابع إن قدر أن يحفظ بالقلب وإلا يغمز الأصابع. الليالي التي يندب للمسلمين إحياؤها: -١ - إحياء العشر الأخير من رمضان، لما روي عن عائشة ﵂ قالت: (كان رسول الله ﷺ إذا دخل العشر الأخير أحيا الليل، وأيقظ أهله، وجدّ وشدّ المئزر) (١) . -٢ - إحياء ليلتي العيدين، لحديث عبادة بن الصامت ﵁ أن رسول الله ﷺ قال: (من أحيا ليلة الفطر وليلة الأضحى لم يمت قلبه يوم تموت القلوب) (٢) . والدعاء فيهما مستجاب. -٣ - إحياء ليالي عشر ذي الحجة، لما روي عن أبي هريرة ﵁ أن النبي ﷺ قال: (ما من أيام أحب إلى الله سبحانه أن يُتعبَّد له فيها من أيام العشر، وإن صيام يوم فيها ليعدل صيام سنة ليلة فيها بليلة القدر) (٣) وخُصّ منها ليلة عرفة. وعن ابن عباس ﵄ قال: قال رسول الله ﷺ: (ما أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله ﷿ من هذه الأيام - يعني أيام العشر - قال: قالوا يا رسول الله ولا الجهاد في سبيل الله. قال ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجلًا خرج بنفسه أو ماله ثم لم يرجع من ذلك بشيء) (٤) . -٤ - إحياء ليلة النصف من شعبان، لأنها ليلة تكفر ذنوب السنة. فعن علي بن أبي طالب ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: (إذا كانت ليلة النصف من شعبان فقوموا ليلها وصوموا نهارها، فإن الله تعالى ينزل فيها لغروب الشمس إلى سماء الدنيا فيقول: ألا من مستغفر فأغفر له، ألا مُسْترزِق فأرزقه، ألا مبتلى فأعافيه، ألا كذا، ألا كذا، حتى يطلع الفجر) (٥) . ومعنى الإحياء: الاشتغال معظم الليل بطاعة الله من صلاة أو تسبيح أو قرآن أو صلاة على النبي ﷺ. وقيل: يكفي بساعة منه، وعن ابن عباس ﵄ بصلاة العشاء بجماعة والفجر بجماعة. والأفضل أن يُحيي هذه الليالي في بيته، إذ يكره الاجتماع على الإحياء في المسجد، إلا ما ورد في ليلة النصف من شعبان فقيل: يستحب إحياؤهما جماعة في المسجد.

(١) مسلم: ج ٢ / كتاب الاعتكاف باب ٣/٧. (٢) مجمع الزوائد: ج ٢ / ص ١٩٨، رواه الطبراني في الكبير والأوسط. (٣) ابن ماجة: ج ١ / كتاب الصيام باب ٣٩/١٧٢٨. (٤) مسند الإمام أحمد: ج ١ / ص ٢٢٤. (٥) ابن ماجة: ج ١ / كتاب إقامة الصلاة باب ١٩١/١٣٨٨.

ثانيًا: النوافل التي تصلى جماعة: -١ - صلاة التراويح: حكمها: سنة مؤكدة. ومنكرها مبتدع مردود الشهادة لإجماع الصحابة عليها، ولما جاء في الصحيحين عن عائشة ﵂ (أن رسول الله ﷺ صلى في المسجد ذات ليلة فصلى بصلاته ناس، ثم صلى من القابلة فكثر الناس، ثم اجتمعوا من الليلة الثالثة أو الرابعة فلم يخرج إليهم رسول الله ﷺ، فلما أصبح قال: قد رأيت الذي صنعتم فلم يمنعني من الخروج إليكم إلا أن خشيت أن تفرض عليكم) (١) . وقد واظب النبي ﷺ على فعلها، وواظب عليها في المسجد عمر وعثمان وعلي ﵃؛ وقد روي عن العرباض بن سارية ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: (فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، فتمسكوا بها وعضوا عليها بالنَّواجذ) (٢) . وعن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبيه أن النبي ﷺ قال: (إن الله ﵎ فرض صيام رمضان عليكم وسننت لكم قيامه) (٣) . وصلاة التراويح في المسجد سنّة كفائية. وقتها: من بعد صلاة العشاء إلى طلوع الفجر، وأفضل وقتها قبل ثلث الليل الأخير. ويصح تقديم الوتر عليها أو تأخيره عنها. مقدارها: عشرون ركعة بعشر تسليمات، لما روي عن ابن عباس ﵄ قال: كان النبي ﷺ يصلي في شهر رمضان في غير جماعة بعشرين ركعة والوتر) (٤) . وعن السائب بن يزيد الصحابي ﵁ قال: "كانوا يقومون على عهد عمر بن الخطاب ﵁، في شهر رمضان، بعشرين ركعة، وكانوا يقومون بالمئين، وكانوا يتوكؤون على عصيهم في عهد عثمان بن عفان ﵁ من شدة القيام" (٥) . وإذا وصلها مع الجلوس في كل ركعتين أجزأته مع الكراهة. ولو صلاها عشرين ركعة بقعود واحد حسبت له ركعتين. ما يستحب فيها: -١ - الجلوس بعد كل أربع ركعات يُسبِّح ويدعو، لما روي عن زيد بن وهب قال: "كان عمر بن الخطاب ﵁ يروحنا في رمضان ٢ - يعني بالترويحتين قدر ما يذهب الرجل من المسجد إلى سلع" (٦) . ختم القرآن فيها مرة في الشهر. وعلى الإمام أن يقرأ بما لا يؤدي إلى تنفير القوم عن الجماعة. -٣ - أن لا يترك الصلاة على النبي ﷺ في القعود، ولا يترك دعاء الثناء في كل شفع، ويدعو بعد كل ركعتين. قضاؤها: لا تقضى التراويح إذا فاتت. وهي سنة لليوم لا للصوم، فلو صار أهلًا للصلاة في آخر اليوم صلاها ولو لم يصم.

(١) متفق عليه، واللفظ لمسلم: ج ١ / كتاب صلاة المسافرين باب ٢٥/١٧٧. (٢) مسند الإمام أحمد: ج ٤ / ص ١٢٧، والنواجذ: الأضراس الأخيرة. تفيد شدة التمسك بها. (٣) النسائي: ج ٤ / ص ١٥٨. (٤) البيهقي: ج ٢ / ص ٤٩٦. (٥) البيهقي: ج ٢ / ص ٤٩٦. وأما قول عائشة ﵂: (ما كان رسول الله ﷺ يزيد في رمضان، ولا في غيره، على إحدى عشرة ركعة) مسلم: ج ١ / كتاب صلاة المسافرين باب ١٧/١٢٥ فهو ينصرف إلى الوتر فكان لا يزيد فيه عن إحدى عشرة ركعة. وعمل عمر وعثمان وعلي ﵃ دليل عدم معارضة الصحابة له لشدة تمسكهم بالدين. (٦) البيهقي: ج ٢ / ص ٤٩٧.

-٢ - صلاة الاستسقاء: معنى الاستسقاء: طلب السقيا من الله تعالى بالاستغفار والحمد والثناء. وهو مشروع بالكتاب والسنة والإجماع، قال تعالى: ﴿ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون﴾ (١) . وعن أنس بن مالك ﵁ (أن النبي ﷺ استسقى فأشار بظهر كفيه إلى السماء) (٢) . ويقال: إن أبا طالب عَمَّ الرسول ﷺ استسقى به وهو صغير. كيفية الاستسقاء: دعاء واستغفار وخروجٌ جامعٌ لأهل البلد. أما الصلاة للاستسقاء فهي مشروعة لكنها ليست سنة، لأن عمر ﵁ لم يصلِّها مع ما عُرِف عنه من اتباع رسول الله ﷺ. وقد ورد عن ابن عباس ﵄ (أن رسول الله ﷺ خرج مبتذلًا متواضعًا متضرعًا حتى أتى المصلّى فلم يخطب خطبتكم هذه، ولكن لم يزل في الدعاء والتضرع والتكبير، وصلى ركعتين كما كان يصلي في العيد) (٣) . أي بالجهر بالقراءة والصلاة بلا أذان ولا إقامة. وليس في صلاة الاستسقاء خطبة عند الإمام للحديث المذكور، وعند الصاحبين يخطب: عند أبي يوسف خطبة واحدة وعند محمد خطبتان. ويكون التأهب للاستسقاء بأن يأمر الإمام الناس بالصيام ثلاثة أيام، وما أطاقوا من الصلاة، والخروج من المظالم والتوبة من المعاصي، ثم يخرج بهم في اليوم الرابع، وذلك لما روي عن أنس بن مالك ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: (ثلاث دعوات لا ترد: دعوة الوالد ودعوة الصائم ودعوة المسافر) (٤)، وعن بريدة ﵁ قال: قال النبي ﷺ: (ما نقض قوم العهد إلا كان القتل بينهم، وما ظهرت الفاحشة في قوم قط إلا سلط الله ﷿ عليهم الموت، ولا منع قوم الزكاة إلا حبس الله عنهم القطر) (٥) . ويُخرَج الشيوخ والأطفال لأن نزول الرحمة أولى بهم، لما روي عن مصعب بن سعد قال: قال النبي ﷺ: (هل تُنْصَرون وتُرزَقون إلا بضعفائكم) (٦) . ويستحب الخروج ثلاثة أيام متتابعات إلى الصحراء لأنه أقرب للتواضع وأوسع للجمع، إلا في مكة والمدينة فيجتمعون في الحرم، وفي القدس يجتمعون في المسجد الأقصى. وتُوقَف الدواب بباب المسجد. ويقوم الإمام مستقبلًا القبلة، رافعًا يديه حال الدعاء، لما روي عن عُمير مولى بني آبي اللحم أنه (رأى النبي ﷺ يستسقي عند أحجار الزيت قريبًا من الزَّوراء (٧) قائمًا يدعو. يستسقي. رافعًا يديه قِبَل وجهه لا يجاوز بهما رأسه) (٨)، وعن أنس ﵁ أن النبي ﷺ (كان لا يرفع يديه في شيء من الدعاء إلا في الاستسقاء، فإنه كان يرفع يديه حتى يُرى بياض إبطيه) (٩) . والناس قعود يؤمنون على دعائه. والأفضل أن يدعو بالمأثور، فعن جابر بن عبد الله ﵄ قال: أتت النبي ﷺ بواكي، فقال: (اللهم اسقنا غيثًا مُغيثًا مريئًا مريعًا نافعًا غير ضار، عاجلًا، غير آجل) (١٠) . وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: كان رسول الله ﷺ إذا استسقى قال: (اللهم اسق عبادك وبهائمك، وانشر رحمتك، وأحي بلدك الميت) (١١) . وعن عائشة ﵂ قالت: شكا الناس إلى رسول الله ﷺ قحوط المطر فذكرت الحديث وفيه: قال رسول الله ﷺ: (الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم ملك يوم الدين. لا إله إلا الله يفعل ما يريد، اللهم أنت الله لا إله إلا أنت الغني ونحن الفقراء، أنزل علينا الغيث، واجعل ما أنزلت لنا قوة وبلاغًا إلى حين) (١٢) . ويكثر الإمام من الاستغفار لقوله تعالى: ﴿استغفروا ربكم إنه كان غفّارًا، يرسل السماء عليكم مِدْرَارًا﴾ (١٣) . وإذا سُقُوا قالوا: "اللهم طيبًا نافعًا". فإذا زاد قالوا: "اللهم حوالينا ولا علينا، اللهم على الآكام والظِراب وبطون الأودية ومنابت الشجر". لما روي عن أنس ﵁ قال: جاء رجل إلى النبي ﷺ فقال: هلكت المواشي، وتقطَّعت السُّبُل. فدعا، فمُطِرنا من الجمعة إلى الجمعة، ثم جاء فقال: تهدمت البيوت، وتقطَّعت السُّبُل، وهلكت المواشي فادع الله أن يُمْسِكْها. فقام ﷺ فقال: (اللهم على الآكام والظِراب، والأودية ومنابت الشجر) (١٤) . وليس في الاستسقاء قلب رداء. ولا يجوز أن يحضره إلا المسلم، لأن عمر ﵁ نهى أهل الذمة أن يحضروه أو يُمكَّنوا من فعله وحدهم.

(١) الأعراف: ٦٩. (٢) مسلم: ج ٢ / كتاب الاستسقاء باب ١/٦. (٣) الترمذي: ج ٢ / كتاب الصلاة باب ٣٩٥/٥٥٨. (٤) البيهقي: ج ٣ / ص ٣٤٥. (٥) البيهقي: ج ٣ / ص ٣٤٦. (٦) البخاري: ج ٣ / كتاب الجهاد باب ٧٥/٢٧٣٩. (٧) الزَّوراء: دار عالية البناء كان يؤذّن عليها بلال ﵁. (٨) أبو داود: ج ١ / كتاب الصلاة باب ٢٦٠/١١٦٨. (٩) أبو داود: ج ١ / كتاب الصلاة باب ٢٦٠/١١٧٠. (١٠) أبو داود: ج ١ / كتاب الصلاة باب ٢٦٠/١١٦٩. (١١) أبو داود: ج ١ / كتاب الصلاة باب ٢٦٠/١١٧٦. (١٢) أبو داود: ج ١ / كتاب الصلاة باب ٢٦٠/١١٧٣. (١٣) نوح: ١٠ - ١١. (١٤) البخاري: ج ١ / كتاب الاستسقاء باب ٨/٩٧٠، الآكام: التراب المجتمع، والظّراب: جمع ظَرْب وهو الجبل الصغير.

-٣ - صلاة الكسوف والخسوف: الكسوف للشمس والخسوف للقمر. حكمها: سنة. كيفيتها: ركعتان كهيئة النَّفل بركوع وسجودين، لما روي عن قبيصة الهلالي ﵁ قال: كُسفت الشمس على عهد رسول الله ﷺ فخرج فزعًا يجرّ ثوبه وأنا معه يومئذ بالمدينة، فصلى ركعتين فأطال فيهما القيام، ثم انصرف وانجلت، فقال: (إنما هذه الآيات يخوّف الله بها، فإذا رأيتموها فصلوا كأحدث صلاة صليتموها من المكتوبة) (١) . وتُصلى جماعة بإمام الجمعة أو مأمور السلطان. وليس لها أذان ولا خطبة. وينادى لها الصلاة جامعة. ويُسِرّ الإمام والمقتدون فيها. ويسنُّ تطويلها وتطويل الركوع والسجود فيها، لما روي عن سمرة بن جندب ﵁ في حديث طويل فيه: (فوافقنا رسول الله ﷺ حين خرج إلى الناس. قال فتقدم وصلى بنا كأطول ما قام بنا في صلاة قط لا نسمع له صوته، ثم ركع بنا كأطول ما ركع بنا في صلاة قط لا نسمع له صوته، ثم سجد بنا كأطول ما سجد بنا في صلاة قط لا نسمع له صوته. قال: ثم فعل في الركعة الثانية مثل ذلك) (٢) . ويقف الإمام بعد الصلاة مستقبلًا الناس بوجهه ويستمر بالدعاء حتى تنجلي الشمس، ويدعو المنفرد وهو جالس مُتَّجه إلى القبلة. ومن لم يحضر الصلاة يصلي منفردًا في منزله ركعتين أو أربعًا. أما صلاة الخسوف: فتصلى دائمًا فُرادى في المنزل لأنه ﷺ لم يجمع لها الناس. وتصلى هذه الصلاة أيضًا عند الفزع من الزلازل والصواعق، وانتشار الكواكب والضوء الهائل ليلًا، والثلج والأمطار الدائمة، وعموم الأمراض السارية كالطاعون أو غيره. كما تصلى عند الخوف الغالب من العدو ونحو ذلك من المفزعات والأهوال، لأنها آيات مُخوِّفة للعباد وليتركوا المعاصي ويرجعوا إلى طاعة الله التي بها فوزهم وصلاحهم، وأقرب أحوال العبد في الرجوع إلى ربه الصلاة.

(١) أبو داود: ج ١ / كتاب الصلاة باب ٢٦٢/١١٨٥. (٢) المستدرك: ج ١ / ص ٣٠.

1 / 108