فإذا سمعت القصة في بغداد لم يكن بعيدا عليها أن تسمع في بلاد الشمال من أوروبا أو بلاد الجنوب من أفريقيا مع قوافل الرحالين والسياح الذين يسمرون بها في سهراتهم، ويتنافسون عليها بين المأثور عن أقوامهم وأوطانهم، وليس العجيب أن تسري هذه النوادر هذا السريان المستفيض بين مرامي السياحة ومطارح السفر، بل العجيب أن يكون للرحالين والسياح حديث غيرها في لياليهم الطوال كلما فرغوا من أحاديث العمل وما إليه.
ولا ينتظر منا بعد هذه الفوضى الجحوية أن نبت في نسبة النوادر كلها أو بعضها إلى صاحبها؛ لأن صاحبها غير واحد، ولأن أصحابها المتعددين ضروب من الخلق تصلح النوادر لأحدها كما تصلح لآخر، ولكننا نستطيع أن نقسمها على ثقة إلى أقسامها الواضحة من حيث الدلالة أو من حيث «الدور» الذي تؤديه، ومنها ما يمثل الذكاء والحكمة، وما يمثل البلاهة والحماقة، وما يمثل التباله والتحامق أو التغابي، ولا يقع اللبس كثيرا بين هذه الأقسام أو بين هذه الأدوار.
وسنختار فيما يلي عشرين نادرة في كل قسم من هذه الأقسام أو كل دور من هذه الأدوار، ثم نتبعها ببعض القرائن التي تساعدنا على نسبتها إلى أقوامها مع التحفظ والتوسع في هذه النسبة الجزافية، وأما النسبة إلى الآحاد من أصحاب اسم «جحا» أو غير أصحابه فنعرض لقرائنها الممكنة بعد ذلك على قدر المستطاع.
الفصل السابع
60 نادرة
من نوادر الذكاء والحكمة والحماقة والبلاهة والتحامق والتباله ... (1) نوادر الذكاء والحكمة (1-1) آل خبرة
كان جحا يتولى القضاء، فجاءه رجل يستغيث به لأنه وجد طنبوره المسروق، مع بائع في السوق، وأراد أن يأخذه منه فادعاه السارق لنفسه وأنكره، فأرسل جحا في طلب البائع المتهم، وسأل صاحب الطنبور عن شهوده، فجاءه بشاهدين، أحدهما صاحب حانة، والآخر ماجن متبطل بغير عمل.
وشهد الشاهدان بأنهما يعرفان الطنبور ويعرفان أنه للمدعي، وعلامته أن فيه كسرا بأعلاه ورباطا بأسفله، وليست مفاتيحه محكمة الشد والحركة.
وطابقت العلامة وصف الطنبور، ولكن السارق طلب تزكية الشاهدين وقال إن شهادة الخمار والماجن لا تقبل في الشريعة.
قال جحا: نعم، وأما حين تكون الدعوى على طنبور، فالخمار والماجن أصلح الشهود! (1-2) من راقب الناس
ناپیژندل شوی مخ