والضاحك من عيوب السخف والحماقة قد يضحك من السخيف الأحمق أو يضحك من الذي يحكيه في سخافته وحمقه، فيعرف كيف يحكيه، وكلاهما باعث من بواعث الضحك مخالف لغيره في أثره وداعيه ومعناه.
هذه المسألة وضعت موضع التجربة العلمية بعد انتشار الصحافة، وتنوع موضوعاتها، واختصاص طائفة منها بموضوع الفكاهيات والمضحكات، وتنافس الكتاب في ابتداع فن جديد من أساليب الفكاهة والضحك، كلما ألف القراء أسلوبا منها وسئموه أو اشتاقوا إلى غيره، فظهرت الفوارق بين النكات التي تدعو إلى الضحك، وتمايزت بأسمائها وعلاماتها، وأوشك الكتاب الفكاهيون أن يتمايزوا بالتفوق في كل باب من هذه الأبواب، واستطاعوا أن يفرقوا بينها بالتعريفات أو بالحدود المفهومة.
ولعلنا نطالب هؤلاء الكتاب بما ليس عندهم إذا سألناهم أن يرجعوا بهذه الفكاهات المختلفة إلى مصادرها من الطبيعة البشرية والعلل الفلسفية، ولكننا نستطيع أن نعتمد على تجربتهم في التنويع والافتنان؛ لأنه عمل يزاولونه كل يوم، ويعرفون خطوات الانتقال فيه من فن إلى فن، ومن أسلوب إلى أسلوب، ولو لم يكن هذا الاختلاف في الأساليب إلا اختلافا في التعبير والتنميق.
ومن أمثلة الاجتهاد في التفرقة بين موضوعات الضحك والفكاهة كتاب مزاج الفكاهة
The Humour of Humour
لمؤلفه إيفان إيسار
Evan Esar
الذي اشتغل زمنا بكتابة الفكاهات وتقسيمها وترتيب أقسامها، وأراد بكتابه هذا من عنوانه إلى خاتمته أن يكون تطبيقا لآرائه واختباراته؛ لأن العنوان نفسه يشتمل لعبا بالألفاظ كاللعب الذي يدخل في النكات الجناسية؛ لأن كلمة «هيومر» بالإنجليزية تأتي بمعنى المزاج، وتأتي بمعنى الفكاهة، وتدل على أخلاط الجسم في مذهب الأقدمين، كما تدل على وسائل تعديل هذه الأخلاط بالدواء أو بتطييب الخواطر وتنزيه النفوس.
ولا تحصى أفانين الضحك والفكاهة كما شرحها المؤلف في كتابه، ولكننا نشير إلى بعضها على سبيل التمثيل، وندع للقارئ أن يقيس عليها من تجاربه ما يشاء. •••
فمن هذه الأفانين «الملاحظة المزدوجة أو الملاحظة اللاذعة»، ومثالها كلمة تقال عن الزواج من أجل المال: «إنه يصلح أبا لها بسنه، وزوجا لها بثروته»، أو كلمة تقال عن البخيل: «إنه يضع نقوده في الحشية ليجد تحته شيئا يستند إليه.»
ناپیژندل شوی مخ