فهاهنا عوامل الضحك على سجيتها ماثلة في نقائضها الدقيقة ومصاحباتها التي تقترن بها على حسب هذه المناسبة دون غيرها، وهي مناسبة مخالفة في بعض أجزائها لمناسبة الضحك في قصة إبراهيم.
هنا الفارق الشاسع بين ضآلة النمل وبين ضخامة الملك الذي أوتيه سليمان.
وهنا عجب سليمان من ظن النملة أنه لا يدري بموقعها ولا يشعر بها ولا يفهم عنها ما تقول.
وهنا رضي سليمان بما تفيضه نعمة الملك العريض في نفسه من السعة والغبطة وتلهمه من الشكر والخشوع، وكل ذلك آت من حيث لا ينتظر، من نملة ضئيلة تخشى أن تحطم هي وواديها كله ولا يشعر بهم سليمان العظيم.
وورد الضحك في آيات متفرقة بمعنى السخرية والاستهزاء، فجاء في سورة المطففين:
إن الذين أجرموا كانوا من الذين آمنوا يضحكون * وإذا مروا بهم يتغامزون * وإذا انقلبوا إلى أهلهم انقلبوا فكهين * وإذا رأوهم قالوا إن هؤلاء لضالون * وما أرسلوا عليهم حافظين * فاليوم الذين آمنوا من الكفار يضحكون * على الأرائك ينظرون [المطففين: 29-35].
فالضحك هنا مقترن بالتغامز الخفي، كأنما يحسب المستهزئون أنهم يستغفلون المؤمنين الذين يمرون بهم فيسخرون منهم بالتغامز بينهم، ويضحكون إذا التفت إليهم المؤمنون على حين فجأة فلا يملكون إخفاء العبث والسخرية، كما يحدث دائما بين المتغامزين إذا انكشفوا وامتنع عليهم الكتمان والتمادي في الاستهزاء من وراء الأنظار.
والضحك الأخير يأتي حين لم يكن في الحسبان؛ لأن الكفار كانوا يضحكون فإذا بهم قد انقلب عليهم الأمر فهم أضحوكة للضاحكين، وهؤلاء وادعون على الأرائك ينظرون.
وجاء في سورة الزخرف:
ولقد أرسلنا موسى بآياتنا إلى فرعون وملئه فقال إني رسول رب العالمين * فلما جاءهم بآياتنا إذا هم منها يضحكون [الزخرف: 46-47].
ناپیژندل شوی مخ