أولا:
مبررات إنشاء خط حركة: يبدأ التفكير في إنشاء تسهيلات جديدة في النقل في منطقة ما على أساس حسابات وتوقعات كثافة الحركة الاقتصادية للبضائع والأشخاص، على أن تكون هذه الحسابات مبنية على دراسة فعلية لحساب الأرباح والخسائر، وتبدأ العملية بوضع «فرض» أو «توقع» أو «تنبؤ» للحركة المنتظر مرورها على الخط المزمع إقامته، ثم تعمل حسابات تقديرية لتكاليف الإنشاء. ولا شك أن أول تعرف على احتياج منطقة ما لخط مواصلات جديد أو إضافي، ينبع من دراسة القدرات الكامنة للتنقل بين نقطتين على ضوء دراسة الحركة على الخط أو الخطوط الموجودة فعلا بين هاتين النقطتين، ويتبع ذلك دراسة توقعية أخرى لمدى ما سيؤدي إليه إنشاء الخط الجديد من خلق مسببات لزيادة حركة التنقل بين النقطتين، وقد تؤدي كل هذه الدراسات إلى قرار بإنشاء خط جديد، أو قد تؤدي إلى قرار بشراء حقوق خط موجود فعلا بهدف إدارته بطريقة أكثر كفاءة، وذلك بوضع استثمارات جديدة في منشآته ووسائل النقل التي تجري عليه أو تحسينه إداريا، وفي كلتا الحالتين - إنشاء خط جديد أو تحسين خط موجود - لا بد من عمل الكثير من الحسابات الخاصة بتكاليف التشغيل، وعلى العموم فإن التنبؤ بالتكاليف يعتمد على التوقعات المطروحة عن كثافة الحركة المرتقبة على الخط.
ثانيا:
اختيار موقع الطريق: يتبع الخطوة السابقة توقعات دقيقة لحسابات الدخل المنتظر، فبين أي نقطتين هناك في العادة عدد من الخطوط التي يمكن أن تصل بينهما، والخطوة الأساسية هي اختيار الخط الأفضل حتى يمكن أن يحصل التعادل بين مجموعتين من الاعتبارات؛ أولاهما: تلك التي من شأنها أن ترفع الدخل الناتج من التشغيل، والثانية: تلك التي يمكن أن تؤدي إلى خفض الأرباح.
ومن بين الاعتبارات الهامة في زيادة الدخل، محاولة توقع كمية الحركة التي يمكن أن يحملها الخط في النقاط المتوسطة بين نقطتي البداية والنهاية . وهناك في الواقع خطوط حركة ناجحة لأن مواقعها تؤدي إلى ضمان حركة نقل متوسطة، أو لأن هذه الخطوط قد نجحت في خلق حركة متوسطة، ومع ذلك فإن هناك خطوطا أخرى أساسها خدمة مباشرة بين نقطتي البداية والنهاية.
ولا يتوقف اختيار الطريق على هذه الاعتبارات فقط، بل هناك عوامل أخرى تلعب دورها الهام في اختيار مواقع الطرق، فأحيانا تكون أقصر المسافات بين نقطتين هي أنجحها من حيث تقصير المسافة والإقلال من مصاريف الإنشاء والتشغيل، لكن هناك عوائق جغرافية قد تقف عقبة أمام الطريق الأقصر تجعل نفقات تشغيله أعلى من الطريق الأطول، مثلا ارتقاء منحدرات عالية، أو المرور بمنطقة مستنقعية، أو عبور مجار مائية عديدة، أو وجود موسم يتعرض فيه الطريق للجليد أو الانهيارات الجليدية - كل هذه العوائق وغيرها تحتاج إلى استعدادات خاصة لا بد من إيجاد استثمارات لها إذا أريد فتح الطريق أمام الحركة بصفة مستمرة؛ ولهذا قد يكون الطريق الأطول أوفر ربحا في تشغيله، هذا بالإضافة إلى أن الطريق الأطول غالبا ما يمر بمناطق عمرانية تزيد من حركة النقل في منطقته الوسطى.
وفي الواقع تدل الدراسات الخاصة بتوقعات الحركة على طرق المواصلات، على أن الطرق القليلة التكلفة عند إنشائها ليست هي الطرق الأقل أجورا في نقل البضائع والأشخاص؛ نظرا لارتفاع نفقات تشغيلها، وبرغم ذلك فإن هناك عدة اعتبارات، سياسية أو استراتيجية أو اجتماعية، كانت تتدخل - ولا تزال - في اختيار الطرق ومساراتها لأسباب غير اقتصادية في كثير من الأحيان، ولكن مثل هذه الخطوط - كما سبق القول - تصبح على مر الزمن محاور لنشاط اقتصادي مستحدث، إلى جانب وظيفتها الأولى التي أنشئت من أجلها.
وفي الفترة الأخيرة دخل اتجاه حديث على موضوع معالجة وفهم خطوط المواصلات، والهدف الأساسي من الاتجاه الحديث هو النظر إلى الطرق كلها على أنها تكون نظاما للنقل والحركة وليست مجرد طرق فردية، ويطلق على هذه النظرة التجميعية الشبكة الهندسية، وبمقتضى ذلك ينظر إلى الطرق الجوية أو البرية على أنها بناء متكامل يربط عدة نقط (مدن)، وأن أية إضافة على هذه الشبكة لن تعني ربط نقطة بأخرى، بل نقطة بكل النقط التي تربطها الشبكة من قبل؛ ومن ثم فإن الإضافات الجديدة تخلق استجابات جديدة في كل الشبكة، وفي الواقع فإن نظرة الشبكة هذه ترتبط في أساسها بقيام عملية التخطيط والتنمية في المجالات الاقتصادية، التي تأخذ في الوقت الحالي نصيبا متزايدا من اهتمامات المفكرين والسياسيين والاقتصاديين، سواء في العالم النامي أو المتقدم.
وفي المجموع فإن قرارات إنشاء الطرق الجديدة عملية معقدة مركبة يحسب فيها حسابات كثيرة من وجهة نظر اقتصاديات النقل، بالإضافة إلى اعتبارات أخرى اقتصادية وبشرية وطبيعية. وقد أصبح اختيار الطريق من بين الاهتمامات التي تشغل بال الجغرافيا الاقتصادية وجغرافية النقل لما لها من حساسية وتأثيرات تنعكس على موضوع الإنتاج والتجارة الداخلية والخارجية معا. (4-3) وسائل نقل مختلفة وتكلفة نقل مختلفة
لكي نفهم بعض الأصول الأساسية في عمليات النقل، يلزمنا أن نعرف كم يتكلف النقل للتغلب على جاذبية الأرض واحتكاك وسيلة النقل بالأرض؛ أي كم تتكلف حركة وسيلة النقل بالنسبة للشحنة أو الأشخاص. وإحدى وسائل القياس هي معرفة تكلفة النقل بالنسبة للطن الواحد لكي يتحرك ميلا واحدا. وهذه النسبة هي التي يطلق عليها طن/ميل
ناپیژندل شوی مخ