جغرافیه سیاسي
الأصول العامة في الجغرافيا السياسية والجيوبوليتيكا: مع دراسة تطبيقية على الشرق الأوسط
ژانرونه
لا يوجد فرع من فروع الجغرافيا الحديثة يتناوله الجذب والدفع مثل الجغرافيا السياسية، ولا يوجد فرع من فروع الجغرافيا البشرية يدور حوله الجدل والنقد ويحيط به سوء الفهم مثل الجغرافيا السياسية، وكذلك لم يحصل جدل ونقد حول أحد كبار الجغرافيين مثل ما حدث لفريدريك راتزل مؤسس الجغرافيا السياسية، الذي نشر خلاصة أفكاره عام 1897 في كتابه المسمى الجغرافيا السياسية
.
إن هناك فارقا كبيرا بين الجغرافيا السياسية وبين علم السياسية برغم أن الموضوع في أسسه العامة مشترك بالنسبة للدولة، فالدولة بالنسبة للجغرافيا السياسية عبارة عن عنصرين أساسيين هما الأرض والشعب، ينجم عنهما عنصر ثالث هو نتاج التفاعل بين الأرض والناس. وتشتمل دراسة الأرض على كثير من عناصر الدراسة الجغرافية الطبيعية على رأسها عنصر المكان الجغرافي والأقاليم الطبيعية للدولة، كما تشتمل دراسة الشعب على عناصر كثيرة من الدراسة للحياة البشرية، وهي تبدأ بالسكان والنشاط الاقتصادي وأنماط السكن والمدن والتكوين الحضاري للناس من حيث سلالاتهم ومجموعاتهم اللغوية وتنظيمهم الطبقي، أما العلاقة بين الأرض والناس فهي شديدة التعقيد والتشابك وتؤدي في النهاية إلى سلامة تكوين الدولة أو عناصر قوتها وضعفها، وفي هذا المجال يضع الجغرافي السياسي نصب عينيه حدود الدولة كإطار محدد للوحدة الأساسية في الجغرافيا السياسية، برغم ما تتعرض له الحدود من تغيرات، وبرغم أن خطوط الحدود في أحيان كثيرة إنما هي خطوط افتعالية ترتضى لزمن معين، ويؤدي هذا إلى عدم ثبات الوحدة الأساسية في علم الجغرافيا السياسية إلى الأبد، بل يعطي للجغرافيا السياسية دينامية دائمة، وفي هذا يقوم الجغرافي بدراسة الدولة داخل علاقاتها بالمجتمع الدولي المجاور والبعيد، ويعطي هذا بعدا جديدا في دراسة الجغرافيا السياسية. وواضح من هذا العرض القصير الفارق الكبير بين هذا العلم وعلم السياسة الذي يسعى إلى إيجاد التناسق بين علاقات الدول، بينما تحلل الجغرافيا السياسية العلاقة بين الظروف الجغرافية الطبيعية والبشرية داخل الدول.
ونظرا لأن الجغرافيا السياسية، والعلوم السياسية عامة، تتناول موضوعات شائكة، بالإضافة إلى صعوبة وجود الموضوعية المطلقة في الوثائق والدراسات التاريخية؛ فإن الكاتب في الجغرافيا السياسية أو العلوم السياسية عامة لا يمكن أن يتجرد تماما من صفة الموضوعية للأسباب التالية:
أولا:
إن العواطف والانتماءات القومية الوراثية - أو المكتسبة للمهاجرين من دولة إلى أخرى - تجعل الكاتب موضوعيا في الموضوعات البعيدة عن المكان الجغرافي لقوميته، أو البعيدة عن الاتصالات السياسية والتاريخية بقوميته، بينما يصبح غير موضوعي بدرجات متفاوتة فيما يختص بغالبية العناصر التي يدرسها في مشكلة سياسية تمس من قريب انتماءاته القومية، فالجغرافي السياسي الألماني لا ينظر إلى مشاكل ألمانيا السياسية بالنظرة نفسها التي ينظرها الفرنسي أو الإنجليزي أو الأمريكي.
ثانيا:
هناك انتماءات ومشاعر عاطفية فوق القومية المحدودة وتتعداها إلى عواطف الارتباط بتجمع حضاري معين مثل الانتماء إلى حضارات العالم الصناعي أو الغربي أو إلى حضارات العالم الثالث أو المتخلف والنامي، فالكاتب السياسي الغربي ينظر من زاوية حضارته ومنجزاتها نظرة شاملة دون التوقف عند تفصيلات الأحداث الخاصة بهذين العالمين سواء كانت ضارة أو مجحفة بحق شعوب العالم الثالث، أو مفيدة ومربحة لأصحاب المستعمرات من دول الحضارة الغربية الصناعية، وفي الوقت نفسه يقف هذا الكاتب طويلا أمام منجزات الحضارة الغربية في دول العالم الثالث الحالية، بينما يقف الكاتب السياسي الهندي أو العربي مثلا وقفات طويلة أمام البربرية الاستعمارية في كثير من مواقفها، أو أمام الاستنزاف الاقتصادي الطويل، وينظر إلى تركيب الاقتصاد المزدهر في العالم الصناعي حاليا على أنه قد أسس دون شك على أعمال ملايين العمال الجائعين من أبناء العالم الثالث التي قدموها كرها - أو طواعية غير مباشرة بواسطة إجبار حكام خاضعين للحكم الاستعماري - بالإضافة إلى استغلال الثروات الطبيعية من أجل أصحاب المستعمرات حكومات وشعوبا.
ثالثا:
تتعدى النظرة فوق القومية المشاعر العامة لأصحاب الحضارات الغربية في أحيان كثيرة حد التطرف وتصبح مشاعر عنصرية مرتبطة بالرجل الأبيض ككائن سام، وعلى غيره من العناصر أن تخدمه دون محاسبة أو اعتراض في مقابل أن يرعى بعض مصالحهم الضرورية في مجرد البقاء على قيد الحياة، مثال ذلك الكتاب السياسيون في الدول العنصرية كجنوب أفريقيا وروديسيا والكثير من الكتاب السياسيين في أمريكا، وقد بلغت مثل هذه المراحل من العنصرية أشدها في حالتين: الأولى الكتابات العنصرية الجرمانية التي تمجد سيادة الجرمان على كل البشر بما فيهم بقية السلالات البيضاء، والثانية الكتابات السياسية العنصرية الصهيونية التي تمجد سيادة ما يسمونه بالسلالة اليهودية على العالم.
ناپیژندل شوی مخ