جغرافیه سیاسي
الأصول العامة في الجغرافيا السياسية والجيوبوليتيكا: مع دراسة تطبيقية على الشرق الأوسط
ژانرونه
وإذا أخذنا أرقام الإنتاج الفعلي فإن ذلك يعطينا القوة الفعلية للدول في فترة زمنية محدودة جدا، وهي لا تكفي لقياس القوى الدولية؛ لأنها تتغير من وقت لآخر، وبسرعة كبيرة إذا أريد لها ذلك، ففي الإمكان زيادة إنتاج معين بسرعة نتيجة الظروف السياسية أو الاقتصادية أو العسكرية الموجودة، ولهذا يختل تقديرنا في قياس القوى المرغوبة، ويجب أن نضيف إلى ذلك أيضا أن هناك قدرا من عدم الموضوعية في نشر أرقام الإنتاج لعدد من السلع الاستراتيجية كالصلب أو البترول ... إلخ بدوافع سياسية أو دعائية إعلامية نتيجة الصراعات الحارة والباردة بين التكتلات السياسية المختلفة.
ومع ذلك فإن الأرقام الموجودة فعلا، سواء في مجال الإنتاج الفعلي أو الإمكانية الإنتاجية، هي في مجموعها أساس لا بأس به لدراسة القوى الدولية، وتعطينا مؤشرات طيبة عامة مع بعض التحفظات، فليس أمامنا غيرها.
وما ذكرنا من تحفظ على أرقام الإنتاج والإمكانية الإنتاجية ينسحب بصورة مختلفة على المقاييس الأخرى مثل مقياس درجة السكن المديني، وكما سبق أن ذكرنا فإن المدينة عادة تعكس عددا من الظروف الخاصة بالدولة: (1)
مساهمة الصناعة والخدمات في الدخل القومي بدرجة تزيد في الدول التي تزيد فيها نسبة السكن المديني. (2)
درجة التكامل والترابط القومي؛ وذلك لأن سكان المدينة يحتلون مساحة محدودة بينما يتبعثر سكان الريف على مسطحات واسعة، ومن ثم يسهل: (أ) الحكم الإداري المركزي. (ب) التعليم. (ج) الخدمات الصحية والاجتماعية. (د) وفوق كل هذا يسهل تكوين الرأي العام وتشكيله بصورة أسرع مما يمكن عند السكان الريفيين، ليس فقط لأن سكان المدينة تجمع سكاني مزدحم في مساحة صغيرة سهلة الاتصال - بواسطة شبكة الطرق والمواصلات الكثيفة في أجزاء المدينة - ولكن هناك أيضا التكوين الدينامي لشخصية سكان المدن بالقياس إلى سكان الريف الذين يتسمون ببطء الحركة في التغير السياسي نتيجة روح المحافظة التقليدية، ولا شك أن هذه الدينامية عند سكان المدن راجعة في كثير من أصولها إلى تنوع الإنتاج والأعمال وزيادة الكفاءة الإنتاجية نتيجة التغير التكنولوجي والتعليم المهني، بينما لا يوجد ذلك في الريف برغم استخدام الآلات والمكائن الحديثة. (3)
وفي الواقع نجد تفسيرات متعددة لدور المدينة والريف في الاستقرار السياسي أو الثورات السياسية الداخلية، ففي رأي مدرسة سياسية يعطى للمدينة - بما فيما من دينامية وحركة في الرأي، وثقل في القوى العمالية وغير الصناعية - دور فعال في الحركات السياسية التي تؤدي إلى تغير أساليب الحكم وأنواعه، وفي آراء مدرسة أخرى أن الدول التي تتمتع بنسبة عالية من السكن المديني تتمتع باستقرار سياسي.
5
إن كلا من التفسيرين له وجاهته، لكن علينا أن نعرف أن انطباق هذا التفسير أو الآخر، أو محاولة تطبيقه، مرتبط بالظروف التاريخية والزمنية والاقتصادية في أجزاء العالم المختلفة، فلا شك أن المدينة كان لها دور حاسم في التغير السياسي من الإقطاع إلى الرأسمالية في أوروبا الغربية، ولا شك أن الماركسية في أوائل هذا القرن كانت تنظر إلى القوى الدينامية للعمال وأصحاب الأجور على أنها العامل الحاسم في قيادة التغير السياسي من الرأسمالية إلى الاشتراكية، ولا يزال هذا منعكسا في التركيب الحزبي في أوروبا والمناطق الأوروبية الأصل من العالم الجديد، فالأحزاب الراديكالية وذات المسحة الاشتراكية - بأي صورة من الصور - تجد مراكز قوتها الأساسية في المدن وبين تكتلات العمالة الكثيفة مثل المناجم ومدن المناجم، بينما تجد الأحزاب المحافظة مراكز قواتها بين الريفيين. وأصحاب الأيديولوجيات البورجوازية عامة في المدن هم أصلا وفي مجموعهم هجرات حديثة من الريف، أو لا تزال تربطهم بالريف انتماءات اقتصادية اجتماعية وثيقة.
ويظهر الثقل السياسي في الوقت الحاضر لسكان المدن بصفة عامة في كثير من مناطق ودول العالم الثالث.
ولكن استراتيجيات الثورات قد تغيرت كثيرا منذ ظهور حرب العصابات وحركات المقاومة في أوروبا والاتحاد السوفيتي خلال الحكم النازي القصير، فلقد برز الفلاحون وسكان الريف كعنصر سياسي هام في التركيب السياسي إلى جانب القوى العمالية، ولهذا نجد الكثير من ثورات العالم المتخلف الراهنة تعتمد على سكان الريف كجزء مكمل لقوى التغيير والثورة في المدن، مثال ذلك الثورة اليسارية في كوبا وحركة الفيتكونج الثورية في فيتنام والفوران الثوري في ريف أمريكا اللاتينية.
ناپیژندل شوی مخ