جغرافیه سیاسي
الأصول العامة في الجغرافيا السياسية والجيوبوليتيكا: مع دراسة تطبيقية على الشرق الأوسط
ژانرونه
فعلى عكس حلف شمال الأطلنطي القوي بارتكازه على القوى الأوروبية الغربية والوجود العسكري الأمريكي في ألمانيا وإيطاليا وبريطانيا، وعلى عكس حلف جنوب شرق آسيا الذي يميزه الوجود العسكري الأمريكي من اليابان إلى الفلبين وتايوان - الصين الوطنية - فإن منطقة الشرق الأوسط لم يكن فيها وجود أمريكي عسكري واضح، كما أن دول الشرق الأوسط صغيرة منقسمة على بعضها، وذات مشكلات قومية ضد بعضها (تركيا وسوريا - إيران والعراق - أفغانستان وباكستان من بين عدد آخر من المشكلات)، وفي داخل بعض دول الشرق الأوسط أيضا مشكلات عويصة الحل، وعلى رأسها مشكلة الباتان والبالوتشي في باكستان ومشكلة الأكراد في إيران والعراق، ومشكلة الصوماليين في جنوب إثيوبيا، ومشكلة إريتريا بلغاتها المتعددة في شمال إثيوبيا، ومشكلة جنوب السودان (آنذاك). وإلى جانب ذلك كله فقد كان يسود المنطقة كلها مد ثوري بأشكال مختلفة ضد أشكال الاستعمار البريطانية الباقية - في مصر والخليج وجنوب اليمن - وضد بقايا الروابط الاستعمارية البريطانية والفرنسية في المنطقة، ويرتبط بهذه الأشكال المختلفة من الاستعمار القديم مشكلات التغير العام في البناء الاقتصادي التقليدي الداخلي في الشرق الأوسط، وهي التي أخذت أشكالا واتجاهات مختلفة: تأميم البترول الإيراني وقناة السويس، الإصلاح الزراعي وإلغاء الملكيات الزراعية الإقطاعية السمة، مشكلات التنمية الاقتصادية والاتجاه نحو التصنيع في تركيا ومصر وإيران وغيرها من الدول، اتجاهات إلى تغيير نظم واتفاقيات المشاركة في أرباح البترول بين الدول المنتجة والشركات المستغلة لذلك البترول.
وفوق هذا فإن المنطقة ككل شاركت في أشكال مختلفة من مناهضة الإمبريالية الصهيونية الجديدة التي نمت في ظل الاستعمار وتدعمت ماليا ومعنويا بواسطة المعسكر الغربي كله. وقد اتخذت مناهضة الصهيونية أشكالا وأبعادا مختلفة في دول الشرق الأوسط، فالعالم العربي في الشرق الأوسط وخارجه كان المتضرر الأول من قيام إسرائيل واحتلال فلسطين وأجزاء أخرى من الدول العربية فيما بعد، والعالم الإسلامي في الشرق الأوسط وخارجه ساهم بأشكال مختلفة من التأييد للعالم العربي، وخاصة قضية القدس، وعلى هذا كان هناك نوعان من المواجهة ضد الإمبريالية الغربية الصهيونية في الشرق الأوسط: مواجهة على كافة المستويات الرسمية والشعبية في دول العالم العربي من المغرب إلى دول الخليج، ومواجهة شعبية غير رسمية في غالبية الأحوال في العالم الإسلامي عامة من تركيا إلى أفغانستان وباكستان.
على هذه الأرضية القلقة في الشرق الأوسط كانت أضعف نقاط الأحلاف الغربية ضد الكتلة الشرقية، لهذا سقط حلف بغداد، وما زال الحلف المركزي - تركيا وإيران وباكستان - قائما، لكنه يواجه مقاومة من جانب بعض القوى السياسية في كل من إيران وتركيا، كما أن مركز باكستان فيه قد تضعضع نتيجة فشل أمريكا في دعم وحدة باكستان الغربية والشرقية، ولهذا فقد كان منطقيا أن يصبح للاتحاد السوفيتي استراتيجية جديدة في دول الشرق الأوسط، تستفيد من التناقضات التي يعج بها هذا الإقليم المتاخم لها، لتفكيك الروابط الغربية، ودعم مركزها بتقليل أخطار الطوق الأمريكي الغربي الممتد جنوبيها، ولا شك في أن دعم الكتلة الشرقية عامة للقضية العربية يرتبط بعدد كبير من القضايا المتشابكة والمنطلقات الأيديولوجية والاستراتيجية، فتحرير الشعوب من أشكال الاستعمار إحدى هذه القضايا، ودعم الحركات الوطنية ينطوي على إضعاف المواقع الاستراتيجية الغربية، وهو في حد ذاته كسب لأمن الكتلة الشرقية وتدعيم لموقفها في الميزان الدولي للقوى.
وقد أتاحت استراتيجية الغرب التي دعمت إسرائيل حتى الآن، وأنقذتها من كثير من المآزق المالية والعسكرية، الفرصة أمام إيجاد أشكال من التعاون العربي السوفيتي، والتعاون العربي مع العالم الاشتراكي، والعالم الثالث، فلم يكن هناك في مجال الصراع الدولي سوى هذا الاختيار.
والخلاصة أن الاتحاد السوفيتي يلعب دورا نشطا في الشرق الأوسط، وهو وإن شابه دور الاستراتيجية القيصرية في الشكل، إلا أنه يختلف في المضمون والهدف، فعهد الاستعمار ولى، وأهمية المكان الجغرافي للشرق الأوسط قد زادت أضعافا مضاعفة عما كانت عليه في القرن التاسع عشر وأوائل القرن الحالي، ذلك أن الاتحاد السوفيتي هو أحد القطبين الرئيسيين في العالم، وأن صراع هذين القطبين يشمل العالم كله، وخاصة منطقة الضعف والقلقلة في الشرق الأوسط؛ وهو الإقليم الذي يقع على منتصف حدود القوى العسكرية السوفيتية والأمريكية، ويهدد أمن كل منهما في تمام منتصف أنظمتهما الدفاعية والاقتصادية معا، فالشرق الأوسط مجاور مكانيا للمراكز الاقتصادية السوفيتية في القوقاز والفولجا والأورال وشمال وسط آسيا، وفي الوقت نفسه فإن الشرق الأوسط هو قلب الفائض البترولي العالمي، والمحرك الأول للآلة الاقتصادية الغربية بصفة عامة، وليس علينا إلا أن ننتظر ظهور النتائج الفعلية لعملية خفض صادرات البترول العربي، لمدة محدودة وبقدر محدود، على التنظيم الإنتاجي في أوروبا واليابان والولايات المتحدة، لكي ندرك القيمة الفعلية للشرق الأوسط بالنسبة للاقتصاد الغربي.
بريطانيا
نبع اهتمام بريطانيا في الماضي والحاضر بالشرق الأوسط من مجرد علاقاته المكانية، تماما مثل روسيا أو الاتحاد السوفيتي، ولكن في الوقت الذي كانت فيه علاقات روسيا مرتبطة بتكاملها الأرضي، كانت علاقات بريطانيا بالشرق الأوسط مرتبطة بتأمين طريقها الإمبراطوري إلى الهند وعالم المحيط الهندي عامة، ولهذا فإن علاقات روسيا وبريطانيا بالشرق الأوسط علاقات ذات استمرارية واضحة، على عكس علاقات ألمانيا وفرنسا اللتين انتابت تدخلاتهما المتكررة في الشرق الأوسط أوقات من النشاط المكثف وأوقات أخرى من الجمود.
وفيما سبق ذكرنا أشكالا متعددة من التدخل البريطاني في الشرق الأوسط، وخلاصته أن الجيوبوليتيكا الإنجليزية ظلت تتجنب مواجهة مباشرة مع روسيا في الشرق الأوسط، إلا في ظروف محدودة، وبتجنيد حلفاء لها، وأن السمة الأساسية للاستراتيجية الإنجليزية كانت تهدف باستمرار إلى إقامة، أو دعم، دول حاجزة في الشرق الأوسط تفصل بين أملاكها ومصالحها وطريقها الإمبراطوري، وبين التوسع الروسي، وإن ذلك كان يعطي نتائج باهرة، فهو يؤدي إلى استنزاف القوة الروسية المتوسعة، وتحميل الدول الحاجزة الصدمات الرئيسية، مما يجعلها معتمدة على تدعيم بريطانيا لها، وقد حدث ذلك مرارا في العلاقات العثمانية القيصرية، ومثلها في علاقات إيران وروسيا، وقد كان الأسطول البريطاني هو الأداة المرنة لتنفيذ هذه الاستراتيجية الإنجليزية، ولما كان مثل هذا الأسطول في حاجة مستمرة إلى قواعد متقدمة تكفل وجوده ماديا، فقد كان على بريطانيا أن تثبت نفوذها باحتلال مثل هذه القواعد، مثل ذلك أن قبرص أصبحت منذ 1878 قاعدة حربية بريطانية، برغم الاعتراف الاسمي بتبعيتها للدولة العثمانية، وقد كان ذلك بحجة مساعدة الدولة العثمانية ضد التهديد الروسي، وكانت بريطانيا قد أمنت قواعد كثيرة لها في الخليج العربي ومسقط وعدن منذ أوائل القرن التاسع عشر حتى نحو منتصفه،
7
ولكن أكبر تدخل بريطاني في قلب الشرق الأوسط كان احتلال مصر 1882، ثم السودان 1899، وكان ذلك نهاية للمنافسة الإنجليزية الفرنسية على الشرق الأوسط، ورجحانا شاملا لكفة بريطانيا في هذه المنطقة الحساسة.
ناپیژندل شوی مخ