بسم الله الرحمن الرحيم
الأرض كروية يحيط بها الماء. وهما واقفان بالمركز في قلب الأفلاك ودورها ثلاثمائة وستون درجة. وكل درجة ونصف مائة ميل. والميل أربعة آلاف ذراع. والمعمور منها طوله من الجزائر الخالدات التي بالبحر المحيط بالغرب إلى جزائر السيلي التي بالبحر المحيط بالمشرق مائة وثمانون درجة. والظاهر منها مضرس لاستقرار البحار وسلوك الأنهار. وعرض المعمور من أقصاه في الجنوب إلى أقصاه في الشمال ثمانون درجة. وما بعد ذلك في الجنوب لا يسكن لقوة حرارة الشمس في الحضيض التي لها هناك. وما بعده في الشمال لا يسكن لقوة البرد.
ومجموع المعمور مقسم على تسعة أقسام: المعمور خلف خط الاستواء إلى الجنوب والسبعة الأقاليم على التدريج من الخط. ثم يكون القسم التاسع المعمور ما بعدها إلى أقصى العمارة في الشمال وفي التعليل تطويل.
المعمور خلف خط الاستواء إلى الجنوب
عرضه ست عشرة درجة. لا يظهر فيه البحر المحيط من الغرب الأقصى ولا في الجنوب. وهو عشرة أجزاء.
الجزء الأول: فيه من المدن السودانية مدينة كو (مدينة العراة) المهملين كالبهائم كما نقلوا، حيث الطول عشر درجات والعرض أربع. وفيه زفو، حيث الطول ثلاث عشرة درجة والعرض عشر. وغير ذلك رمال سائلة وطرق طامسة.
الجزء الثاني: فيه من نوع ما تقدم ومنه زعنه، حيث الطول أربع وعشرون درجة والعرض سبع. وبرصنه، حيث الطول سبع وعشرون درجة والعرض سبع، وفيه أول نهر من أنهار النيل النازلة من عرض ست عشرة درجة من آخر العمارة. وهو آخر الجزء الثاني.
الجزء الثالث: من أوله حيث الطول ست وثلاثون درجة ودقائق إلى طول تسع وثلاثين درجة وعشرين دقيقة، والعرض ست عشرة درجة، ينابيع النيل الأربعة التي هي بعد الجزء الخامس وفي آخر الجزء الثاني المتقدم الذكر. وهي نابعة في البسيط. والخمسة الأخرى ينابيعها أيضًا في الجزء الثالث. إلا أنها من جبل القمر حيث الطول ثمان وأربعون درجة إلى اثنتين وخمسين درجة وخمس دقائق. والعرض في جميع هذه الينابيع العشر لا يفارق ست عشرة درجة. فالخمسة (الأنهار) الأولى تنصب في البطيحة الغربية الأولى حيث الطول اثنتان وأربعون درجة والعرض سبعون والقطر خمس درجات. البطيحة الشرقية الثانية بينها وبين الأولى درجتان والمركز في العرض واحد. وكذلك القطر. ويخرج من كل بطيحة، كما يدخل إليها، خمسة أنهار من الجانب الشمالي، إلا أن الثاني والثالث من البطيحتين يصيران نهرًا واحدًا عن قريب، وينصب الجميع في البطيحة الكبرى التي تركز في الإقليم الأول. وفي هذا الإقليم الأول من السودان رفله، وهي بين النهرين الأوليين، وبينها وبين البطيحة درجة. وكوشه، على عيون تمتد على آخر الأنهار من البطيحة الثانية حيث الطول ثلاث وخمسون درجة والعرض درجتان. وتحتها يمر نيل مقدشو الخارج في شمال الخط. ومحلات القمر بين البطيحتين، ومحلات أكر في شماليها إلى بحيرة كورا.
الجزء الرابع: فيه انتهاء جبل القمر على مذهب البطليموس حيث الطول إحدى وخمسون درجة وخمسون دقيقة والعرض إحدى عشرة درجة. وفيه عمائر القمر التي ينسب إليهم الجبل. وهم أخوة الصين. والمشهور عنهم في هذا الجزء من مدن السودان دمدمة التي خرج منها الدمدام على بلاد النوبة والحبشة، سنة سبع عشرة وستمائة في طالع خروج التتر على بلاد العجم. وهم تتر السودان. وفيه قلجور التي تنسب إليها السيوف القلجورية. وبالقرب منها معدن حديد فائق يصنع منه ذلك، وهي حيث الطول خمس وخمسون درجة وستون دقيقة والعرض درجتان وثلاثون دقيقة، وبربرا قاعدة البرابر التي ذكر امرؤ القيس خيلهم. ورقيقهم مستحسن. وقد اسلم أكثرهم فلذلك عدموا في بلاد الإسلام وهذه المدينة حيث الطول ثمان وستون درجة والعرض ست ونصف.
1 / 1
ونيل مقدشو لا يزال يصعد في هذا الجزء حتى عرض إحدى عشرة درجة حيث الطول ست وستون درجة ثم ينحدر على شرقي بربرا، ويبقى بينها وبينه نحو درجة ثم ينحدر على شرقي مقدشو. وفي هذا الجزء من مدن بربرا وهي أول مدنهم على ساحل البحر الهندي قرفونه، وموضوعها في أول ركن البحر حيث الطول أربع وستون درجة وثلاثون دقيقة والعرض عشرون دقيقة. وشرقيها من مدنهم على جون مرتفع برمه حيث الطول ست وستون درجة والعرض درجة. وفي شرقيها حافوني، الجبل المشهور عند المسافرين، ويظهر داخلًا في البر جنوبًا نحو مائة ميل، ويدخل في البحر نحو مائة وأربعين ميلًا في الشمال بتعرج للمشرق. وفي الظاهر منه سبعة رؤوس يعدها المسافرون على بعد ويعطون البشارة إذا جاوزوها وخلصوا من ذلك الطرف. وفي شرقيه من بلاد بربرا المشهورة على البحر مركه حيث الطول تسع وستون درجة وثلاثون دقيقة والعرض درجة وعشر دقائق. وأهلها مسلمون وهي قاعدة الهاوية التي تنيف على خمسين قرية، وهي شاطئ نهر يخرج من نيل مقدشو وينصب على مرحلتين من المدينة في شرقيها. ومنه فرع يكون حوض المركه. وفي شرقي ذلك مدينة الإسلام المشهورة في ذلك الصقع والمترددة الذكر على ألسن المسافرين وهي مقدشو حيث الطول اثنتان وسبعون درجة والعرض درجتان. وهي على بحر الهند ومرساها غير مأمون الأنواء.
الجزء الخامس: في أوله على اثنتي عشرة دقيقة من الجزء الرابع وعرض درجتين مصب نيل مقدشو وهو عابر على أرضها ويبقى بينها وبينه نحو اثني عشر ميلًا وينصب في بحر الهند وهو في رأي العين أقل من نيل مصر بالقرب من مقدشو ولكنه عميق ويخرج منه ما يضعف ماءه.
قال ابن فاطمة: وخروج هذا النيل من بحيرة كورى تحت خط الاستواء من جبل المقسم شقيقًا لنيل مصر وذلك عند طول إحدى وخمسين درجة وعرض نصف درجة في الإقليم الأول وهو معوج ومستقيم ويخرج منه من الأنهار ما تصير به تلك الجهات كالديار المصرية في السكر والموز وكالهند في المقل والنارجيل والفوفل وبه يسقى كل ذلك وغيره. وهم يزرعون مرتين عليه وعلى المطر. وينصب من مقدشو في شرقيها ويكون طوله نحو ألفي ميل. وفي شرقي هذا النيل آخر حد البلاد البربرية وأول حد بلاد الزنج ويكون في هذا الجزء الخامس من مدن الزنج المشهورة ملنده حيث الطول إحدى وثمانون درجة ونصف والعرض درجتان ونصف وعشرون دقيقة على جون. وفي غربيها خور كبير ينزل إليه نهر من جبل القمر وعلى شطّي هذا الخور عمائر كثيرة للزنج وفي الجنوب عمائر القمر. وفي شرق ملنده الحراني وهو جبل مشهور عند المسافرين يدخل في البحر نحو مائة ميل آخذًا للشمال بتشريق ويظهر في البر آخذًا نحو الجنوب مستقيمًا على نحو خمسين ميلًا. ومن غرائبه أن ما في البر منه فيه معدن حديد يعم بلاد الزنج ويسافر به إلى غيرها. وما في البحر منه فيه حجر المغناطيس الجاذب للحديد. وفي هذه المدينة سحرة الزنج وسكنى ملوكهم في مدينة ممبصة. وبينهما نحو درجة وهي على البحر. وفي غربيها خور كبير تدخله المراكب نحو يومين ويمتد نحو ثلاثمائة ميل. وفي هذا الجزء المفازة التي بين الزنج وبين سفاله. وفيه من مدن سفاله بتينه. وهي على ذيل جون عظيم يدخل في البحر من خط الاستواء أربع درجات، وعرض رأسه بالتدوير درجتان. والمدينة حيث الطول سبع وثلاثون درجة وعشر دقائق والعرض درجتان ونصف. وفي غربيها داخل الشمال والمشرق عجرد. وهو جبل طوله في البحر نحو مائة ميل. وللموج فيه أصوات هائلة وهو خور طويل ينصب فيه نهر يأتي من جبل القمر وهو في شرقيها. وطول الخور والنهر شهر. وعليه الغياظ والعمائر وينزل البحر من هذه المدينة مسافة شهر إلى أن يكون ساحله عند خط الاستواء حيث قبة أزين، التي هي كفة الميزان في الأرض وإليها من كل جهة تسعون درجة.
1 / 2
الجزء السادس: فيه على البحر الهندي عمائر السفالين وما لم يشتهر من مدنهم إلى أن يكون عليه قاعدتهم وهي صيونه حيث الطول تسع وتسعون درجة والعرض درجتان ونصف وهي على خور كبير ينزل فيه نهر من جبل القمر إلى غربيّها في جون كبير هي في شرقيّه، طوله من خط الاستواء خمس درجات ونصف. وفي هذه المدينة ملك السافلين وهم الزنج الذين يعبدون الأوثان والحجارة ويصبون عليها دهن السمك الكبار. وأكثر معاشهم من الذهب والحديد ولباسهم جلود النمور. والخيل لا تعيش عندهم، فعسكرهم رجّاله. وذكر المسعودي أن الزنج يقاتلون على البقر كما تقاتل النوبة على المهاري. ومن شرقي هذه المدينة يدخل خليج القمر من بحر الهند إلى أقصى العمارة في الجنوب. واتساعه هناك نحو مائتي ميل. وعلى هذا المنزع وما قاربه يمر كالقوس إلى الجنوب والمشرق إلى أن يضرب في جبل الندامة الذي يأتي ذكره. ومن شرقي صيونه جبل الملطم وهو كبير يمتد مع ساحل الخليج نحو مائتي ميل وستين ميلًا، وكثيرًا ما يلطم المركب التي تدفع بها الريح الشمالية إليه. فالمسافرون يتحفظون منه فإن شرقوا عنه فقد خلصوا، وإن دخلوا في الخليج جنوبًا احتالوا في أن يخرجوا بالريح الجنوبية لكي لا تحملهم المياه والرياح إلى جبل الندامة فيهلكوا. وعمائر القمر في جنوب هذا الجزء متصلة مع الجبل المنسوب إليهم. ويقع فيه من مدن: جزيرة القمر الطويلة العريضة التي يقال أن طولها أربعة أشهر وعرض الواسع منها نيف وعشرين يومًا. ليرانه، ذكر ابن فاطمة أنه دخلها وأنها للمسلمين كمقدشو. وأهلها مجتمعون من الأقطار. وهي بلد حط وإقلاع. وأشياخها الذين يديرونها يدارون صاحب مدينة ملاي التي في شرقهم. وليرانه على البحر حيث الطول مائة ودرجتان غير دقائق. والعرض نصف درجة ودقيقتان. وهي على خور كبير ينزل في الجزء السابع إلى غربيّها وعلى خمسين درجة منها ملاي، فيها ملك من ملوك الجزيرة. وقد يكون سلطانًا مستوليًا على جميع الجزيرة أو أكثرها وذلك قليل لبعد المسافات وتشتت الآراء والفرق. وهي في عرض ليرانه، وفي غربيها خور ينزل من النهر الكبير النازل إلى ليرانه.
1 / 3
الجزء السابع: فيه ينتهي بر السودان المتصل من أقصى الغرب بجبل الندامة ثم يكون البحر عامرًا لما في شرقه بطول جزيرة القمر. وأول جبل الندامة أول هذا الجزء، حيث الطول مائة وثمانون درجة ودقيقة. ويقال إن علوه في الجو نحو ثلاثة أيام وهو ممزوج بالغبرة والحمرة. ويمتد مع أول العمارة حيث العرض ست عشرة درجة نحو عشرين يومًا. ويكون منه مع البحر نحو أربعة عشر يومًا. وآخره حيث الطول مائة وسبع عشرة درجة ونصف. والبحر المحيط الداخل من المشرق والجنوب يضرب في ركنه الجنوبي، وفي شماليه خليج القمر. فإن زل المركب عن بحر الهند ودخل إلى هذا الخليج وحملته المياه والرياح إلى أن يرى هذا الجبل ندم على ما فرط فيه من حيث الاحتياط واستسلم للقضاء، فأما أن ينكسر عليه، وأما أن يدخل خلفه فلا يخرج له خبر ولا يعلم ما جرى له. ويقال إن هناك دورات لا تزال تدور بالمركب حتى تغرقه. ويسمي المسافرون في بحر الهند ذلك المكان بحر الخراب وبحر سهيل، لأنهم إذا وصلوا إليه رأوا سهيلًا مقارنًا لرؤوسهم. وتحت هذا الجبل من شماليه على خليج القمر مدينة دغوطه وهي آخر مدن سفاله وآخر العمارة في البر المتصل بهذا البحر. وهي حيث الطول مائة وتسع درجات والعرض اثنتا عشرة درجة. ولها من شماليها خور ينزل له من نهر من جبل القمر. ويقال إن منبعه مشارك لمنبع نهر صيونه. ويقع في هذا الجزء السابع من مدن جزيرة القمر التي هي قواعد لملوكها دهمي. وهي حيث الطول مائة واثنتا عشرة درجة ونصف والعرض ثلاث درجات. وينزل إلى شرقيها خور مادته من النهر الكبير ويتقوس في دخوله البحر منها حتى يكاد يلاصق خط الاستواء إلى أن يكون على آخر القوس مدينة بلبق، وهي أيضًا من قواعد ملوك الجزيرة. وموضوعها حيث الطول مائة وثمان عشرة درجة ونصف والعرض درجة. وفي شرقيها جزيرة تنسب إلى هذه المدينة طولها نحو درجتين من الغرب إلى الشرق ووسعها ما يقرب من درجة وفي شرقي بلبق النهر الكبير المقوس وهو نهر ليرانه ونزوله من جبل العيون، وهو جبل طوله ثمان مراحل من المغرب إلى المشرق. وينزل من عيونه خمسة أنهار صغار إلى قوس هذا النهر الكبير فيتقوس وينصب في نهر ليرانه وبحر بلبق. وفي شرقي بلبق جزيرة سرنديب نصفها في هذا الجزء ونصفها الآخر في الثامن. ونصفها الجنوبي خلف خط الاستواء ونصفها الشمالي في الإقليم الأول. وهي مشهورة. وموضوع مدينتها التي يحل فيها ملكها حيث الطول مائة وأربع وعشرون درجة والعرض درجة ونصف ودقائق واسمها أغنا. وفيها مدائن غيرها، ويشقها بالنصف في خط الاستواء، الجبل الكبير الذي اسمه الرهون وهو عال جدًا. ويقال إن آدم ﵇ نزل عليه من الجنة. وفي شعابه وأوديته توجد أنواع الياقوت النفيسة وحجر الماس الذي يثقب به الياقوت. وفي بحرها مغاص لؤلؤ مشهور. وهي مستديرة الصورة. ويقال أنها ثمانون فرسخًا في مثلها. والعقاقير الهندية فيها كثيرة. وعلى قوس بحرها الجنوبي أغباب سرنديب المشهورة إلى الجنوب. وهي أربعة منحوتة، ينصب في كل غب منها نهر من أنهار جزيرة القمر. والغب المغربي في الجزء السابع والذي يليه مع خط الجزء الثامن ثم الرابع من آخر القوس المذكور.
الجزء الثامن: أول ما يلقاك منه من قواعد جزيرة القمر مدينة خافورا. وهي حيث الطول مائة وثلاثون درجة والعرض درجة على الجون الأخير للمشرق من أغباب سرنديب. وينصب في شماليها النهر الأعظم النازل من الجبل المطل على قمري، وفي شرقها قاعدة ديملي وهي على البحر حيث الطول مائة وثلاث وأربعون درجة والعرض نصف درجة. وينصب في شرقيها نهر ينزل من النهر الأعظم. وفي هذا الجزء جبلان أحدهما في جنوب ديملي يخرج منه نهر طويل إلى الغب الثالث، والآخر قرب وسط المسافة بين القاعدتين بقرب البحر الجنوبي ويخرج منه ثلاثة أنهار صغار تنصب في هذا النهر الطويل.
1 / 4
الجزء التاسع: فيه مدن وعمائر من جزيرة القمر غير مشهورة. والمذكور من ذلك قاعدة الجزيرة القديمة وقد يكون صاحبها في بعض الأحيان غالبًا على معظمها وهي قمرية. وموضوعها حيث الطول مائة وأربع وخمسون درجة، على جون عظيم يرتفع عن خط الاستواء ثلاث درجات ويتسع نحو ذلك. وهذه المدينة منسوبة إلى القمر وهو بنو عامور بن يافث ويشاركهم النسبة إلى عامور الصين. وكانوا يسكنون مع الصين في مشارق الأرض ثم تفاتنوا وأخرجهم الصين إلى الجزائر فكانوا بها مدة وكانت سمة كذا ملكهم قامرون. ثم تفاتنوا في تلك الجزيرة التي يأتي ذكرها، فخرج منهم الأباعد من الملك إلى هذه الجزيرة العظمى وكان سلطانهم في مدينة قمرية. ثم انهم كثروا وتشعبوا على القواعد المذكورة وصاروا فرقًا وملوك طوائف ثم تفاتنوا لما كثروا وخرج منهم خلق عظيم عمروا الجنوب في أول العمارة مع طول الجبل المنسوب إليهم. ومن لا يعرف يسميه بجبل القمر بفتح القاف. وفي هذه الجزيرة الكبيرة التي طولها أربعة اشهر وعرض أوسعها عشرون يومًا أنهار عظيمة وأعظمها نهر خافورا. يسافر فيه من عمقه واتساعه سفن البحر الكبار للوسق. وطوله ما بين مصبه وآخر الجزيرة الشرقي ومصبه تحت خافورا نحو شهرين. وعلى شطيه أشجار كبار يصنع من الشجرة منها المركب التي تعرفون ويجدف فيه مائة رجل. وهو محفور والمائدة التي يجلس عليها مائة نسمة. وذلك مذكور في الكتب مشهور على الألسن. ويصنعون من هذه الأخشاب ديارًا على مراكب ويرسونها بحبال، فإذا كره أحد منهم جوار جاره انتقل إلى جار آخر. وكذلك إذا وقعت النار في دار جاره حلّ حبال داره وخلص منها. وفيها الطائر الكبير المعروف بالرخ زعموا أنه يغطي بظله سرية ويخطف بمخالبه فراخ الفيلة ويزقها فراخه. ويصنعون من قصبه قناطر على مياههم يجوزون عليها ومن قيعانها المجوفة حبابًا للماء. وعندهم بقر يجرون بها، العجل الواحد يكون قدر الثلاثة من بقر أرضنا يسع في كل قرن من قرونه ألف " منٍ " من الزيت. وزيتهم التي يستصبحون بها إنما هي من شحم الدواب العظام التي يصيدونها في بحرهم. وعندهم الحشيش الذي ينسجون منه التقاصيل الملونة الملاح وتجلب للعراق واليمن. وفيها الموز والسكر والنارجيل الذي يصنعون منه حبال مراكبهم ويجرون ألواحها به. وأكثر ما ينبت فيها التنبيل وهو كالعريش في التوائه وكالرند في ورقه ويستعملون الورقة منه بقليل خبز وماء فيحدث لهم طيب نفس وسكر وعطرية يتلذذون بها وهو خمر بلاد الهند. وصورهم أميل إلى أهل الصين منهم إلى أهل الهند وكذلك ملابسهم وعبادتهم الأبداد كأهل الهند والصين. وعلى رأس مدينة قمرية الجبل المنسوب إليها يعلو نحو ثلاث درجات وتنحدر منه أنهار كثيرة إلى نهر خافورا الأعظم وينصب طرفه الشرقي في آخر الجزيرة من جهة الشرق وطرفه الغربي تحت خافورا. والبحر الذي يمر مع طولها الجنوبي يختلط من الجنوب بالبحر المحيط. ويقال أنه لا يدخله أحد لا من أهل الجزيرة ولا من غيرها. ومن وقع إليه تلف في دوراته وإنما سفرهم في البحر الشمالي الهندي وبحر الجهتين الشرقية والغربية.
1 / 5
الجزء العاشر: فيه جزيرة الموجه طولها من الجنوب إلى الشمال اثنا عشر يومًا. وموضوعها في أول الجزء وعرضها نحو يومين ورأسها الجنوبي في آخر العمارة. ومدينتها حيث الطول مائة وثلاث وستون درجة والعرض تسع درجات. وهي مملكة مستقلة. وفي شمالها جزيرة المايد ومنها مجاز عرضه نصف درجة وهي أصغر من الأولى محسوبة من جزائر الصين المذكورة في الكتب، وحولها جزائر صغار يقال لها جزائر الشمسية أهلها من أوسخ خلق الله وهم يجلبون العسل والشمع إلى الصين. وهناك ينتهي البحر الهندي ويمتزج مع البحر المحيط حيث الطول مائة وأربع وثلاثون درجة وإحدى وثلاثون دقيقة والعرض اثنتا عشرة درجة وثلاثون دقيقة خلف خط الاستواء على ما نقل عن بطليموس. ومدينة المايد حيث الطول مائة وثلاث وستون درجة ودقيقة والعرض أربع درجات، وإليها كان المسافرون يقصدون في القديم ثم عدلوا عنها إلى جزيرة الجاوه. وباختلاط البحرين مصب خمدان وهو أعظم أنهار الصين وعلى شرقيه وغربيه في هذا الجزء مدينة خمدان وهي من أشهر مدن الصين التي خلف خط الاستواء. وموضوعها حيث الطول مائة وثمان وستون درجة والعرض درجة. وعلى غربيه مدينة قيطاغور وهي من مشاهير مدن الصين وعرضها خلف خط الاستواء ست درجات. وخمدان أطول منها بدرجتين وللصين في شرقي هذا المركز عمائر ومدن لكنها غير مشهورة. وعند اختلاط البحر الهندي بالبحر المحيط يأخذ منه ذراع إلى الجنوب ويفصل بينه وبين المحيط جبل السحاب الكبير وهو جبل لا يزال السحاب يعمه لعلوه. وقيل: إنما سمي بذلك لأنه يخرج من جزيرة السحاب التي تحته سحب سوداء يهيج من رياحها البحر فيغرق ما عليه. والبحر في هذا المكان من آخر الجزء العاشر كأنه منفرد عن البحر الهندي والبحر المحيط ويقال له بحر الواق واق. وفيه جزائر أولها جزيرة السحاب بين طرفها الشمالي وخط الاستواء نحو خمس درجات. وفي جنوبها جزيرة الدجال طولها إلى جهة الجنوب. وجويرة الواق واق في آخر عمارة هذه الجزيرة مع المشرق. ويفصل بين بحرها وبين البحر المحيط الجبل الكبير الرأس وهي كبيرة.
حكى المسعودي أن فيها شجرًا يخرج منه نبات كالابرنج ويولد منه جوار يتعلقن بشعورهن وتصيح الواحدة منهن واق واق فإن قطعن شعورهن وفصلن من الشجرة متن ويقال أن الذهب في هذه الجزيرة كثير. وهذه الجزائر محدقة بجبل الفتح الذي يسكنه السود المشوهون الذين يقطعون الطريق على الناس ويأكلونهم، ولا يدخل أحد من المجاورين إلى جزائر هذا البحر. والكلام عن ساكنيه وعن جزيرة الدجال بمنزلة الأحدوثات فجلّ الخالق.
الإقليم الأول
سكانه سودان وعرضه ست عشرة درجة وسبع وعشرون دقيقة. وهو عشرة أجزاء:
1 / 6
الجزء الأول: فيه ظهور البحر المحيط على ما نقل عن بطليموس حيث الطول درجة والعرض عشر دقائق. ومن هناك الجزائر الخالدات على البحار المرسومة في الجغرافيا. وهي ست يستغرق جميعها سمت العرض من الإقليم الأول وقليل من سمت الثاني. ومن هذه الجزائر أخذ بطليموس الأطوال كما أخذ من خط الاستواء العروض. وهي ليست مسكونة ولكنها وصل إليها الإسكندر ذو القرنين ورام السلوك في عرضها فلم يتمكن له ما أراد، أما لأقاصير وضباب متراكم أو خوفًا من الضلال والهلاك في غير شيء. ثم أنه وضع على كل جزيرة منها منارة يهتدي بها من ضل وكتب على كل واحدة منها: لا مسلك خلفي. وفيها كلام يطول. قال ابن فاطمة: وجزائر السعادة فيما بين الجزائر الخالدات والبر مبددة في الإقليم الأول والثاني والثالث. وهي أربع وعشرون جزيرة. والحديث عنها كالخرافات. والبحر المحيط يتدرج قليلًا قليلًا لارتفاع في هذا الجزء إلى أن يكون مصب النيل الذي يمر على غانا ويكون حيث الطول عشر درجات وعشرون دقيقة والعرض أربع عشرة درجة. وأمام مصب النيل في البحر المحيط جزيرة الملح وطولها من الشمال إلى الجنوب درجتان وقليل، ووسعها نصف درجة. وفي طرفها الجنوبي على البحر مدينة أوليل وهي سراح كمدن والهنود وفيها كثير من أنواع القصب والنبات. وعيش أهلها من السمك والسلاحف وتجارتهم بالملح يصعدون به في المراكب إلى البلاد التي على شواطئ النيل. قالوا وليس في بلاد السودان ملاحة غيرها. وإلى جانب هذه الجزيرة جزيرة العنبر وبينهما مجاز مقداره نصف درجة. وبينها وبين البر أقل من ذلك وطولها درجتان ووسعها في الأعلى ثلاث درجات. ويقال لها أيضًا جزيرة السلاحف إذ فيها من ذلك الكثير. وأهل تلك البلاد يصطادونها ويقددون لحمها ويسافرون به. ويجدون أيضًا في هذه الجزيرة العنبر الكثير. وأول ما يلقاك على غربي النيل من مدائن التكرور مدينة قلنبو وهي فرضة مشهورة وكانت في زمن أبي عبيد البكري للكفار. وأما في عصرنا فما على شاطئ النيل من بلاد التكرور مدينة إلا وقد دخلها الإسلام وجميعها لسلطان التكرور. وقاعدتها على جانبي النيل واسمها تكرور وبها عرفوا. ونسلهم يقال له مغزاوه. وهم قسمان: قسم تحضر ويسكن المدن وقسم رجاله في البوادي. وأكثر مجالاتهم في جانب النيل الشمالي ولهم في الجنوب قليل، ومعظمه مجالات لملم وهم كفار مهملون يأكلون الناس. وموضوع مدينة تكرور حيث الطول سبع عشرة درجة والعرض ثلاث عشرة درجة ونصف ودقائق. وصاحبها يسبي رقيق لملم وهم بواد ولهم في الكتب مدينة كالقرية اسمها مويّه، وفيها بيت دكاكيرهم وهي الأوثان وموضوعها على البحر المحيط حيث العرض ست درجات.
1 / 7
الجزء الثاني من الإقليم الأول: أول ما يلقاك منه مدينة بريسا وهي من أشهر بلاد التكرور. وإن ضعف سلطان التكرور انفرد صاحب بريسا بنفسه. والمسافرون يترددون عليها وهي آخر مدائن التكرور على شمال النيل حيث الطول اثنان وعشرون درجة والعرض ثلاث درجات ونصف. والغالب على لباس السودان التكرور وغيرهم الجلود. وإذا احتشم الواحد منهم كان الجلد مدبوغًا. ومن خالط البيض وتخصص اتخذ لباسه من الصوف والقطن وذلك مجلوب له. والغالب على مأكلهم القطانيا، عصايد غير مختمرة. والخبز عندهم لا يوجد إلا طرفة عند الملوك المتخلقين بأخلاق البيض. وخيلهم قصار غير سابقة. وسلاحهم دبابيس الأبانوس، وهو كثير على النيل ومنه يحتطبون ولهم قسي وسهام من القصب الشوكي ومنه يصنعون أوتارها، وفي ديارهم شجر القطن. ولا يبني بالجبص والآجور إلا ملك أو من أذن له في ذلك من أهل الرفه والتخصص. وباديتهم عراة. المسلمون منهم يسترون فروجهم بعظام أو جلود والكفار لا يستترون. وفي شرقي بريسا وشمالها ينصب نهر لامي المنحدر من الجبال التي في جنوب مدينة لامي. وهذه المدينة كالقرية تحت طاعة كفار لملم. وأهلها يهود يعرف جنسهم في الرقيق ببلاد المغرب. وجبل لامي امتداده من الغرب إلى الشرق ثمان مراحل يخرج من طرفه الغربي نهر لامي المذكور فيمر في عمائرهم حتى ينصب في النيل. ويخرج من طرفه الشرقي نهر ملل ويتقوس حتى يمر على مدينة ملل، وهي من مدن الكفار المهملين. وعرض مدينة لامي عشر درجات وطولها مسامت لطول بريسا. وطول ملل ست وعشرون درجة. ونهرها ينصب في النيل من سمت مدينة درهم من مدن الكفار المهملين. وهي في وسط المسافة بين لامي وملل. وفي شرقي ما ذكر نهر " الهو " وهو من الأنهار التي ذكرها بطليموس وينحدر من جبل الهو، الذي يمتد خلف خط الاستواء. وهذا الجبل رأسه حيث الطول اثنان وثلاثون درجة والعرض تسع درجات خلف الخط، فيمتد من هناك إلى أن يجوز الخط بدرجتين ودقائق ويخرج منه مع الخط شعبة طولها درجتان يخرج من رأسها الغربي النهر المذكور ويلتوي إلى الشمال كالنون، ثم ينحدر إلى النيل حيث الطول عند مدينة ملل درجتان ونصف. وعلى شطي هذا النهر من مبتدئه إلى قرب مصبه مجالات نمنم وهم أخوم الملم في النسب وأشباههم في الأفعال. ومن شرقيه على أميال جبل سامقدي كبير مشرف، فيه عقاقير ونباتات من منافع تلك البلاد ويأوي إليه خلق من كفرة السودان المهملين المعروفين بسامقدي وبهم عرفت مدينة سامقدي. وهي في رأس هذا الجبل حيث الطول ثلاثون درجة والعرض ثمان درجات. ومدينة غانا على ضفتي النيل تقع من ذلك الجزء حيث الطول تسع وعشرون درجة والعرض عشر درجات وخمس عشرة دقيقة. وبها يحل سلطان غانا وهو من ذرية الحسين بن علي ﵄. وله (..) كبيرة فيها ثقب يربط فيه فرسه ويفخر بذلك على سائر ملوك السودان. وهو كثير الجهاد للكفار وبذلك عرف بيته. وفي شرقي مدينة سامقدي جزيرة التبر، رأسها المغربي حيث الطول إحدى وثلاثون درجة ورأسها المشرقي حيث الطول ست وثلاثون درجة ونصف. ووسطها حيث العرض في سمت غانا، ووضعها درجتان. وفي هذه الجزيرة يجدون التبر الكثير يلمع بالليل إذا حسرت المياه الزائدة عن رملها وعلى هذه الجزيرة مدن مشهورة منها مدينة سمغاره. وعلى هذا الذراع الشمالي في آخر هذا الجزء اشهر ما في هذا الجزء بعد غانا من مدن التبر وهي غيارو وهي على خليج يخرج من جنوبي نيل الجزيرة حيث الطول أربع وثلاثون درجة والعرض خمس عشرة درجة. وعن جنوبي نيل غانا مجالات نمنم المتقدمة الذكر وعن شماليه مجالات وانقاره، وهم سودان البلاد وقد فشي فيهم الإسلام.
1 / 8
الجزء الثالث من الإقليم الأول: أول ما يلقاك منه جبل ثلا. رأسه الجنوبي في بحيرة كوري التي يخرج منها النيل ورأسه الشمالي يخرج منه نيل غانا. وفي شرقيه بلاد كوكو وهي منسوبة إلى مدينة صاحب البلاد. وهو من كفار السودان. وجبل كوكو يضرب به المثل، وهو يقابل من غربيه مسلمي غانا ومن شرقيه مسلمي الكانم. ومدينة كوكو في شرقي النهر المنسوب إليها حيث الطول أربع وأربعون درجة والعرض عشر درجات وخمس عشرة دقيقة. ومنبع نهر كوكو المغرب عن النيل من جبل مقورس؟ وهو من الجبال التي ذكرها بطليموس، حده الشمالي حيث الطول ثلاث وأربعون درجة وخمس وثلاثون دقيقة والعرض خارج عن الإقليم الأول إلى الثاني. ويتصل به جبل بدى المتصل ببحيرة كوري التي يخرج منها النيل. وقد قيل إن نهر كوكو مادته من بحيرة كوري وأنه يغوص منه ماء كثير في هذا الجبل ثم يخرج منه نهر كوكو وهو شماليها مسامت لنيل غانا حتى يغوص في رمال في الجزء الثاني مسامتًا لوسط جزيرة التبر وعليه مجالات كوكو في شطيه وهم عراة مهملون. وفي طرفه الغربي مجالات نعامه وهم برابر السود من نوع كوكو. وبين كوكو ومدينة بدى التي يخرج من جنوبها نيل غانا وكوكو أربع درجات. وخروجه من حيث الطول ثمان وأربعون درجة والعرض ست درجات ونصف. قال ابن فاطمة: فتكون مسافة جريه من بحيرة كوري إلى البحر المحيط بحسب تعريجاته نحو ثلاثة آلاف ميل. وفي هذا الجزء الثالث بحيرة كوري التي يخرج منها نيل مصر ونيل مقدشو ونيل غانا. وقد تقدم ذكر انحدار أنهار البطيحة إليها عند مماسة خط الاستواء. وصعودها فوق الخط دائر على نصف درجة يزيد قليلًا أو ينقص قليلًا. وطولها ألف ميل ورأسها الشرقي حيث الطول إحدى وخمسون درجة وآخرها المغربي مع خط الجزء الثالث. ووسعها عند الرأس تسع درجات ونصف ثم تسير قليلًا قليلًا على ما رسم إلى أن يكون وسع وسطها أربعمائة ميل وخمسون ميلًا ويكون وسع ذيلها ثلاثمائة وستون ميلًا.
1 / 9
قال ابن فاطمة: ولم أر من رأى جانبها وإنما وصفها الكانميون وجيرانهم ممن لقيناه بالجانب الشمالي. ويحدق بها من جميع جهاتها أمم طاغية من السودان الكفرة الذين يأكلون الناس، ولا دين يذكرهم بسكان الجانب الشمالي، ومنهم بدى. ومدينتهم تعرف بهم ومن تحتها يخرج نيل غانا. ومدينتهم حولها ويجاورها من الجانب الغربي جابي وهم الذين يبردون أسنانهم. وإذا مات لهم ميت دفعوه إلى جيرانهم وكذلك يفعل معهم جيرانهم. وعلى جنوبي البحيرة انكرار، وعلى شرقيها كوري، الذين تنسب البحيرة إليهم. وفي شرقي مدينة بدى من الكانم المسلمين مدينة جاجه، وهي كرسي مملكة مفرده ولها مدن وبلاد، وهي الآن لسلطان الكانم. وهي موصوفة بالخصب وكثرة الخيرات وبها الطواويس والببغاء والدجاج الرقط والغنم البلق التي على قدر الحمير الصغار ولها صور تخالف صور كباسنا. والزرافة كثيرة في أرض جاجه وفي شرقي مدينتها على ركن البحيرة المغزاة، حيث دار صناعة الكانم. وكثيرًا ما يغزو من هنالك في أسطوله بلاد الكفار التي على جوانب هذه البحيرة ويقطع على مراكبهم فيقتل ويسبي. وموضوع مدينة جاجه حيث الطول ثمان وأربعون درجة وعشرون دقيقة والعرض سبع درجات في سمت ركن البحيرة حيث الطول إحدى وخمسون درجة. ومن مدن الكانم المشهورة مانان وعرضها ثلاث عشرة درجة. وفي شرقيها وجنوبيها قاعدة الكانم جيمي حيث الطول ثلاث وخمسون درجة والعرض تسع دقائق وفيها سلطان الكانم المشهور بالجهاد وأفعال الخير، محمدي من ولد سيف بن ذي يزن. وكانت قاعدة جدود الكفرة قبل أن يسلموا مدينة مانان. ثم أسلم منهم جده الرابع على يد فقهاء الإسلام في بلد الكانم ولهذا السلطان هنالك مثل سلطنة تجوه ومملكة كوارو ومملكة فزان وقد أيده الله وكثر نسله وعساكره. والثياب تحمل إليه من الحضرة التونسية. وعنده الفقهاء. وله في سمت جيمي على آخر هذا الجزء الرديني فيها سابين له وسمتنزه. وهي على غربي النيل الآتي لمصر. وبينها وبين جيمي أربعون ميلًا. وفواكههم لا تشبه فواكهنا ويوجد عندهم الرمان والخوخ كثيرًا وقد عانوا قصب السكر فأنجب عندهم قليلًا ولا يستغله إلا السلطان وكذلك العنب والقمح. ومخرج النيل المصري في هذا الجزء من بحيرة كوري حيث الطول إحدى وخمسون درجة والعرض ست درجات. وعند اندفاعه من البحيرة مدينة كوري للسودان الذين يأكلون الناس وهي في شماليه، وعرضه حيث جبل المقسم الممتد من أول ركن البحيرة الشرقي الجنوبي ومن تحت هذا الجبل أيضًا يخرج نيل مقدشو بالقرب من خط الاستواء ومن خلف الخط وقد ذكروا أن في بحيرة كوري جبل لوراطس وهو واقع في هذا الجزء الثالث. وذكر بطليموس أنه يبدأ حيث الطول ثلاث وأربعون درجة والعرض ثلاث درجات وعشرون دقيقة. وينتهي حيث الطول ثمان وثلاثون درجة وخمس وأربعون دقيقة والعرض واحد. ويقال له أيضًا جبل الذهب. والسودان تزعم أن الذهب الذي يوجد على بلاد النيل عند مده إنما هو من معادن هذا الجبل. ولا يقدر أحد على قربه من كثرة ما فيه من الثعابين والوحوش المهلكة. وجوانبه الساحلية ملأى بالتماسيح وخيل النيل. وقد قيل إن فرس النيل لا تصاد في هذه البحيرة، وإنما تصاد في نيل غاتا ونيل النوبة. وفي شرقي جبل مقورس لفاصل بين الكانم وكوكو، مجالات الكانم وأتباعهم من البرابرة الذين اسلموا على يد سلطان الكانم، وهم له عبيد يغزو بهم وينتفع بجمالهم التي ملأت تلك الأقطار في مجالات مانان. وفي شرقي مانان مجالات الزغاوين ومعظمهم مسلمون تحت طاعة الكانمي. وفي شمال مانان ومجالات الكانم مجالات الكوار. ومدينتهم المشهورة تقع في الإقليم الثالث وهم مسلمون تحت طاعة الكانمي.
1 / 10
الجزء الرابع من الإقليم الأول: يمر من أوله النيل المغربي على ثلاث درجات في بلاد بنته، وهم سود كفار يفصلون بين الكانم والنوبة، ثم يغوص في الرمال حيث العرض تسع درجات. ويمر تحت الأرض على زعمهم ملتويًا من الجنوب إلى الشمال فلا يظهر إلا حيث الطول ثمان وخمسون درجة والعرض إحدى عشرة درجة. ويلتوي كالقوس وظهره إلى المشرق فيقع في غربيه قاعدة النوبة دنقله حيث الطول ثمان وخمسون درجة ودقائق والعرض أربع درجات وخمس عشرة دقيقة. وفي جنوبها من مدن النوبة، نوابه التي سموا بها. وهي حيث الطول ثمان وخمسون درجة وثلاثون دقيقة والعرض تسع درجات. وفي جنوبها وغربيها مجالات زنج النوبة التي قاعدتهم كوشه خلف الخط. والنوبة نصارى. وفي غربي دنقله وشماليها من مدنهم المذكورة في الكتب علوه، وهي في شرقي النيل وشماليه. وبينها وبين دنقله مائة وسبعون ميلًا حيث الطول سبع وخمسون درجة والعرض ست عشرة درجة غير دقائق. وفي غربي علوه ينعطف النيل كثيرًا فيعود إلى الغرب حتى يدخل الجزء الثالث الذي خرج منه فينتهي إلى نصف درجة وينحدر من هنالك إلى الإقليم الثاني. وعلى شطيه عمائر النوبه ويبقى بين شرقيه الجنوبي وبين تاجوه قاعدة الزغاوين مائة ميل. وموضع هذه المدينة حيث الطول خمس وخمسون درجة والعرض أربع عشرة درجة. وقد اسلم أهلها ودخلوا في طاعة الكانمي. وفي جنوبيها مدينة زغاوه حيث الطول أربع وخمسون درجة والعرض إحدى عشرة درجة ونصف. ومجالات التاجويين والزغاويين ممتدة في المسافة التي بين قوس النيل من الجنوب إلى الشمال وهم جنس واحد، ولكن الملك وحسن الصورة والأخلاق في التاجويين. وهم كفار عصاة على الكانمي يألفون الصحارى والجبال في الإقليم الأول والثاني. وذكر ابن فاطمة أن الملوك من الكانم وتاجوه إنما هربوا بقواعدهم من النيل بسبب البعوض، فإنه يكثر من مجاورة النيل فيشتد أذاه على الآدميين والخيل. ولهم عيون في الرمال ومياه مشربة من النيل أيام الزيادة.
1 / 11
وفي هذا الجزء الرابع من مدن الحلشة المذكورة في الكتب حنبيه حيث الطول ثمان وخمسون درجة والعرض ثلاث درجات. وفي شرقيها بلاد كزله. وهم مشهورون في بلاد الحبشة مرغوب في جنسهم. والحبشة بالإطلاق أفضل أجناس السودان وخصيان الملوك والأكابر منهم. وهم نصارى وفيهم بالساحل مسلمون. وبلاد كزله من أول خط الاستواء في مجاورة زنج الحبشة إلى جنوب جبل موريس الذي زعموا أن أهل حنبيه وتلك الجهات يعيشون مما فيه من معادن الذهب والفضة. وهو على أربعة أيام من حنبيه، وفي شرقيها وشمالها يبدأ من هنالك ويمر مشرقًا منحرفًا إلى الشمال حتى يشق نيل الحبشة وينتهي إلى بحرهم. وفي شرقي كزله وجنوبها بحيرة الحاورس وهي منسوبة إلى أمة من زنوج الحبشة عراة متوحشون، ويقال أن الذهب والرصاص القلعي في أرضهم كثير. قال ابن فاطمة: نقل عن بطليموس أن مركز هذه البحيرة في خط الاستواء حيث الطول اثنان وستون درجة وقطرها من كل ناحية إلى المركز درجتان. ويخرج منها نيل الحبشة الذي يشبه نيل مصر في زيادته أيام نقص الأنهار وفي وجود التماسيح وفرس النيل وذلك حيث الطول إحدى وستون درجة والعرض درجتان. وعلى شرقيه إلى جانب البحيرة من مدنهم المذكورة في الكتب النجاعة. ويمر إلى الشمال فيكون عليه حيث الطول اثنان وستون درجة والعرض ست درجات مرقطة وفي شمالها جبل المعادن المتقدم الذكر. والمدينة في شرقي النيل وفي شمال الجبل بلاد سحرته من أجناس الحبشة المذكورة وعمائرهم ممتدة مع هذا النيل من الجانبين. وفي شرقيه من مدن الحبشة المشهورة كلغور، وهي مجمع لهم في كل ناحية وبها ملتقى من يريد البحر أو النيل أو البرية. وموضوعها حيث الطول ثلاث وستون والعرض إحدى عشرة درجة. وفي شمالي سحرته من النيل إلى البحر بلاد الخاسه وهم مذمومون بين أجناس الحبشة وقد اشتهر عنهم أنهم يخصون من يقع إلى أيديهم ويدفعون ذكور الآدميين في صداقاتهم ويفتخرون بذلك. ومن شرقيهم إلى البحر سمهر وهي أرض يكون فيها القنا الطوال السمهرية. ومن غريب شأنها أنها إذا احتك بعضها ببعض انقدحت منها نار تحترق بها كلها أو طائفة منها على قدر الالتصاق ومساعدة الرياح. والغزلان في أرض سمهر كثيرة. ومن جلودها يشدون على الخيل عوض السروج ويركبون عليها، وقتالهم بالقنا السمهرية المذكورة ولهم بالطعن بها واللعب حذق، ويزعمون أنهم يصل إليهم من الجنوب قوم كالترك بيض ولهم شعور ويقاتلونهم. وإن صح هذا تكون الأقاليم بالجنوب مرتبطة كالأقاليم بالشمال، والكلام في ذلك يطول. وفي أرضهم الكركدن وله قرنان في جبهته أحدهما أطول من الآخر وهو حيوان مؤذ يصيده الفارس بأن يعدو خلفه فيضرب رجليه بالسيف فيقع وإن لم يحترز منه وقع الكركدن عليه فقتله مع فرسه، وهم يأكلون لحمه. وايضًا على نيلهم الأسود والفيلة. وفي شرقي كلغور بانحراف إلى الشمال مدينة نجبه التي تنسب إليها الجمال النجيبية وذلك حيث الطول خمس وستون درجة والعرض اثنتا عشرة درجة. وفي غربيها جبل الخماهن ويوجد فيه هذا الحجر وكان عزيزًا عند الفرس وكانوا يختمون به ويتداوون بالماء إذا حك فيه من حرارة الخماهن. ويقال له الصندل المعدني وهو داخل مدخل الصندل في مداواة العلل الحارة. وطول هذا الجبل مائة ميل من الجنوب إلى الشمال باعوجاج عندما يمر شمالًا إلى المشرق، وأول ما يلقاك من مدن الحبشة على بحر الهند من ساحله الغربي، وحد بلاد بربرا المتقدمة الذكر، خلف خط الاستواء، مدينة بطا وهي مشهورة على ألسن الحبشة الذين ببلادنا وهي على درجتين من الخط وطولها أربع وستون درجة ونصف. وفي شمالها من مدنهم على مائة ميل بأقصلي على جون داخل إلى المغرب نحو خمسين ميلًا. وفي شماليها منقوبه وهي جبل الدخلة المستمرة إلى الشرق حيث الطول خمس وستون درجة والعرض ثمان درجات وثلاثون دقيقة. وفي طرفيها جبل مقورس داخل في البحر. وفي شماله من مدن الحبشة المشهورة بلاد الزيلغ، وأهلها مسلمون يكثرون الحج والتردد إلى ساحل عدن وزبيد، وهي محل حطّ وإقلاع، ومنها يتوزع رقيق الحبشة على بلاد الإسلام الساحلية. وموضوعها على ركن من البحر ينتهي إليه عرض طرفه الغربي والشمالي، حيث الطول ست وستون درجة والعرض إحدى عشرة درجة غير دقائق. والمذكور في الكتب من جزر هذا البحر المقاربة للساحل جزيرة قنبلو، بينها وبين باقصلي درجتان
1 / 12
ونصف وطرفها الجنوب في سمتها، وطولها مقارب لعرضها نحو درجتين. وبين ركنها الشرقي الشمالي وبين عدن أربع درجات ونصف، وكانت عامرة وهي الآن خراب يأوي إليها من أحزم من المراكب واحتاج إلى الماء والحطب. ف وطرفها الجنوب في سمتها، وطولها مقارب لعرضها نحو درجتين. وبين ركنها الشرقي الشمالي وبين عدن أربع درجات ونصف، وكانت عامرة وهي الآن خراب يأوي إليها من أحزم من المراكب واحتاج إلى الماء والحطب.
وقد ذكر أن منتهى البحر الهندي حيث مدن الحبشة المذكورة كله فيما قارب السواحل أقاصير متصلة يضح عليها الماء إلى باب المندب ولا يسافر هناك إلا المراكب الصغار وربما غلبتها الرياح فكسرتها على تلك الحشو. وعرض ذنب البحر الهندي من باب المندب إلى بربرا ثمان مجاز، وجبل المندب هو الفاصل بين بحر الهند الكبير وبحر القلزم الذي يخرج منه وهو صغير يمتد اثنا عشر ميلًا من الشرق إلى الغرب بانحراف إلى الشمال، والبحر يضيق هناك حتى يرى الرجل صاحبه من البر الثاني. ويقولون أنه قدر مائتي سهم. ويسمي المسافرون هذا المكان باب المندب وقدر طوله مع الجبل. وهو موضوع حيث الطول ثمان وستون درجة ونصف والعرض إحدى عشرة درجة ودقائق، ولا بد للمركب في دخولها وخروجها منه. وقد حكى بعض المسافرين أنه احزم بهم مركب كبير في الضباب بكرة فخرج من غربي جبل المندب ما بين تلك الأقاصير فسلمه الله واعتبرت سلامته حكاية مستطرفة. وبحر القلزم من جنوب إلى شمال إذا فارق باب المندب يأخذ في زيادة العرض قليلًا قليلًا، إلى أن يكون اتساعه عند عوان فيما بينها وبين تهامة اليمن نحو ستين ميلًا، وهي من حيث الطول ثمان وستون درجة والعرض ثلاث عشرة درجة ونصف. وهي مشهورة وسكانها حبشة مسلمون وبها بقرات بلق محفوظة النسب لصاحبها وهم يعسون عليها من غيرتهم. وإذا كان الصحو ظهر منه الجناح، وهو جبل عال في البحر ومنه إلى جزيرة دهلك، جزائر صغار لصاحب اليمن ولصاحب دهلك. وأكبر هذه الجزائر وأشهرها جزيرة كمران، وهي مسكونة لصاحب اليمن في آخر الجزء الرابع من جهة العرض وهي أقرب إلى بر زبيد. وفي شرقي عوان وشماليها على ساحل اليمن في هذا الجزء ومن الفرض المشهورة، غلافقه وهي فرضة زبيد وبينهما أربعون ميلًا. وموضوع زبيد، قاعدة تهامة اليمن، حيث الطول سبع وستون درجة وأربعون دقيقة والعرض خمس عشرة درجة ونصف. وبين باب المندب ومدينة عدن، فرضة اليمن المشهورة في الشرق والغرب، ثلاث مراحل سهلًا وجبلًا، وهي منه في الشرق حيث الطول سبعون درجة والعرض اثنتا عشرة درجة والبحر يتدرج من باب المندب إلى عدن داخلًا في الجنوب ويدخل منه مع غربيها خور محدق بكثير منها حتى يبقى كالجزيرة وفيها ترسو مراكب بربرا والمراكب التي تخاف من النوء وليست بكبار إذ أن مرسى عدن غير مأمون عند هيجان البحر، وتمتد من شماليها الجبال فتقع منها قاعدة اليمن القديمة صنعاء، وذلك في شرقي عدن وشماليها، حيث الطول إحدى وسبعون درجة ونصف والعرض أربع عشرة درجة ونصف. وبينها وبين عدن مدينة جبلة التي بناها الصلحيون أصحاب دعوة العبيديين باليمن، وهي على نهرين ينزل أحدهما ينحدر من جبل المديخره العالي الذي في شمالي صنعاء ويمر على غربيها وجنوبيها ثم يمر على جبله ويمتزج بالنهر الآخر وينصبان في شرقي ابين، وهي بليدة مشهورة بينها وبين عدن مرحلتان صغيرتان. وفي الجبال المذكورة يوجد العقيق اليماني ونبت الورس وخيار شنبر وعلى الجبال الممتدة من الجنوب إلى الشمال في هذا الجزء تقع الدملوه التي يضرب المثل بمناعتها وحصانتها وهي في شمال عدن. وفي شمالي الدملوه تقع الجوا، وهي بليدة مشهورة في جادة طريق الجبال كثيرًا ما كان يحل بها المنصور ابن رسول صاحب اليمن وصنع بها بستانًا ومباني سلطانية. وفي شماليها حيث الطول تسعون والعرض أربع عشرة درجة ونصف تقع تعز وهي قاعدة اليمن في متأخر الزمن، وفي أعلى جبلها المعقل الذي لا يرام واسمه صبر. وعلى مرحلة منها صغيرة إلى الشمال الجند المشهورة بالوخم لا يشرب الغريب من مائها إلا هلك. وفي جبالها القرود الكثيرة.
الجزء الخامس من الإقليم الأول:
1 / 13
أول ما يلقاك منه جبال حضرموت، وهي ممتدة من الشمال إلى الجنوب، ولها مدن خاملة الأسماء لكونها قليلة الجد ولا يتردد عليها الركبان في البر ولا أصحاب المراكب في البحر. وأشهر مدنها الساحلية في الكتب لسعا وهي حيث الطول اثنتان وسبعون درجة وعشر دقائق والعرض اثنتا عشرة درجة وبينهما أربعون ميلًا. وبين لسعا وعدن جبل ممتد معترض يطوّل السفر في البر ومسافته من البحر إلى شمالي لسعا ثمانون ميلًا. وقاعدة حضرموت تريم وهي في الجبال في شمالي لسعا بينهما تسعون ميلًا. وفي شمالي تريم من مدنها المذكورة في الكتب شنوه المذكورة بكثرة التمر وبينهما نحو تسعين ميلًا. وفي الشرق بستين ميلًا من كل واحدة الخزيمة. وفي الشرق ظفار التي كانت قاعدة التبابعة فخربت. وهي حيث الطول ثلاث وسبعون درجة والعرض خمس عشرة درجة. ثم يلقاك على الساحل من مدن الشحر، وهي بلاد العنبر واللبان مدينة مرباط وهي على جون يدخل إلى الشمال حتى تكون هذه المدينة عند طول أربع وسبعين درجة والعرض أربع عشرة درجة ونصف. وفي شرقيها على الجون المذكور ظفار المحدثة، وهي الآن قاعدة بلاد الشحر وفرضتها المشهورة، إليها يجلب خيل العرب ومنها يحمل إلى بلاد الهند. ولصاحبها ابن الناحون عليها ضرائب، ويقال إن في أرض هذه المدينة كثيرًا من عقاقير الهند مثل النارجيل والتنبيل والفوفل والعنبا وهي كالبطيخ توجد فيها طعوم مختلفة. والقفر الذي بينها وبين قلهات لا يسلك من الخلاء والنمور العادية. وهذا الجون الكبير يقال له جون الحشيش وهو يدخل في البر من حد البحر نحو مائة ميل ويمتد من غرب إلى شرق نحو ثلاثمائة ميل، ولا تخرج منه المراكب إلا بريح البر وكثيرًا ما يحذر المسافرون من الهند إلى عدن السقوط فيه. وفي شمال هذا الجون رمال الأحقاف. وهنالك قبر هود ﵇. وفي شمالي هذه الرمال والمدن جبال اللبان ممتدة من الغرب إلى الشرق، وليس فيها مدينة مشهورة، بل سكانها قوم من مهرة كالوحوش في صورهم وكلامهم وإليهم تنسب الإبل المهرية وهم يعلفونها سمكًا صغارًا تخرج من بحرهم يقال لها الوزف. وفي داخل هذا الجزء مرتان وحرتان وهما جزيرتان والأولى هي الشرقية وبها قوم يتكلمون بلغة عاد. وفي جنوبها سقطره وهي جزيرة مشهورة وإليها ينسب الصبر السقطري المفضل، وهي منحرفة من جنوب إلى شمال مشرقه طولها نحو مائة وثمانين ميلًا. وبينها وبين الأحقاف نحو مائتي ميل، وسكانها نصارى من بقايا اليونان يقطعون في البحر على المراكب، وفيها عين ماء يقال إنه يزيد في العقل. وفي آخر جون الحشيش للشرق، الجبل الكبير العالي المعروف في الكتب برأس الجمجمة. ويعرف ذلك المكان أيضًا بغب القمر. وإلى هذا الرأس تقصد مراكب مقدشو وبه تهتدي هي وغيرها. ويقال إن هنالك جبلًا أيضًا مدورًا على صورة القمر تحت هذا الجبل الكبير. وهذا الجون يدخل الجبل منه في البحر نحو مائة ميل وكذلك في البر. وفي رأسه شعبتان يسميه البحريون من أجلهما ذا القرنين. وليس بعد في شرق الجزيرة الغربية عمران ولا مكان مذكور، إلى أن تلقاك في أول عمان قاعدتها الآن وهي قلهات، وموضوعها حيث الطول تسع وتسعون درجة وستون دقيقة، والعرض في آخر الإقليم الأول.
وفي هذا البحر تقع جزائر المند، وهي معروفة بكثرة النارجيل، وأعظمها جزيرة كلوه. هكذا يعرفها الآن المسافرون. وهي جزر كثيرة ذكرها بطليموس وسماها جزيرة المند. وهم أخوة الهند والسند، لكنهم لم يرزقوا من حظ الشهرة ما رزقه الهند والسند. وقد ذكر ابن فاطمة أن الزنج تغلبوا عليهم وأخرجوا منهم كثيرًا إلى بر السند وأبقوا الباقين رعايا.
1 / 14
وفي هذه الجزيرة من المدن المشهورة في الكتب ثلاث تقع على ثلاثة أنهار. فالأولى كلوة، وبها صاحب هذه الجزائر ومنها الإقلاع وإليها الحط. وهي في غربي الجزيرة وجنوبيها، حيث الطول أربع وثمانون درجة ونصف، والعرض سبع درجات وخمسون دقيقة. وفي الجانب الشرقي الجنوبي مدينة المند، وفي الغربي الشمالي مدينة كنك، ودور الجزيرة ألف وأربعمائة ميل، وهي تقارب التربيع وفيها دخلات من البحر. وفي غربيها جزائر صغار خاملة الأسماء. ومن جزائرها المذكورة في الكتب جزيرة القطربة وهي في غربيها، طولها من المغرب إلى المشرق مائة وستون ميلًا وعرضها نحو ستين ميلًا. وأهلها أمة على طريق الهند وطريق بحر فارس لا يزالون يقطعون على المراكب. وبين البحر الذي بينها وبين جزيرة كلوة مجرى وثلث، وفي جنوبيها جزيرة القرود، وهي مدورة ذات جبال وشعاب قد غلب عليها القرود. وأهل الجزيرة التي تقاربها يتحيلون في صيدها ويحملونها إلى البلاد فيبيعونها. ودون هذه الجزيرة نحو مائة ميل وستين ميلًا وهي في ركن جزيرة كلوة الجنوبي الغربي، بينها وبين البحر نحو مجراوين. وفي جنوبيها من جزائر كلوة جزيرة كرمدة دورها نحو ثلاثمائة وثلاثين ميلًا، وأهلها سود قطاع بمراكبهم. وفي شرقيها جزيرة البركان، فيها جبل لا تزال النيران تتقد فيه ليلًا والدخان يصعد منه نهارًا على منزع بركان صقلية. وسكانها زنوج ودورها نحو ثلاثمائة ميل. ويتلو هذه الجزائر المصاقبة لكلوة، جزائر الزانج، وهي مشهورة على ألسن المسافرين، وأعظمها جزيرة سربزه طولها من الشمال إلى الجنوب أربعمائة ميل، وعرضها في كل طرف من الجنوب والشمال نحو مائة وستين ميلًا، وفيها من البحر دخلات، ومدينتها سربزه في وسطها يدخل إليها جون من البحر وهي على نهر. وموضوعها حيث الطول ثمان وثمانون درجة ونصف والعرض ثلاث درجات وأربعون دقيقة، ولها مدائن غير مذكورة. وبعد جزائر الزابج جزيرة أنفوجه، لصاحبها من العدة والعدد ما يستطيل به في أكثر الأوقات ويستولي على جزائر الزابج بسببه. وفي الجانب الجنوبي مدينة أنجبه. قال البيهقي: " وأكثر عيش أهل هذه الجزائر من الموز ". وطول جزيرة أنفوجه نحو مائة وسبعين ميلًا ووسعها دائر على تسعين ميلًا. وعرض المجاز الذي بينها وبين جزيرة سربزه نصف مجرى. وفي جنوب سربزه وشرقيها من جزائر الزابج الصغار ما لا يعد كثرة. وأكثرها مسكونة بالسودان والقليل من هذه الجزائر هو الداخل في هذا الجزء الخامس. وعند انتهائه يكون خط الاستواء، وقبة أوزين وقد تقدم ذكرها.
الجزء السادس: جميعه بحر فيه جزائر الديباجة وهي كثيرة وأكبرها جزيرة دويبي، وبذلك تعرف على ألسن المسافرين. ومدينتها حيث الطول اثنتان وتسعون درجة والعرض خمس عشرة درجة وعشرون دقيقة. وطول الجزيرة من المغرب للمشرق مئتان وعشرون ميلًا. ووسعها دائر على مائة وأربعين ميلًا. وسكان هذه الجزيرة أكثرهم من أبناء العرب، وهم مسلمون ينزل عندهم المسافرين إلى الهند ويبتاعون منهم قصب السكر. ومعظم قصبهم أسود اللون. ومن هذه الجزائر ما هو داخل في الإقليم الثاني. وأكثر الجزيرة الكبيرة داخل فيه. وبينها وبين بر السند نحو مجرى ونصف.
الجزء السابع: معظمه يقع فيه جزائر النارجيل المحسوبة من عمل سرنديب. وهي كثيرة وليس فيها ماهو مذكور في الكتب غير جزيرة بلق. وقد ذكرت خلق الخط، كما ذكرت جزيرة سرنديب المشتركة بين ما في جنوبي خط الاستواء وشماليه. ويقع في ساحل هذا الجزء الشمالي من مدن الهند المشهورة على ألسنة المسافرين السومانات، وهي من بلاد الجزرات وتعرف أيضًا ببلاد اللار. وموضوعها في دخلة في البحر، فتحط بها كثيرًا مراكب عدن لأنها ليست في جون ولها جون كبير تنزل مادته من الجبل الكبير الذي في شماليها إلى شرقيها، وموضوعها حيث الطول مائة وعشرون درجة والعرض خمس عشرة درجة. وفي شرقيها آخر الإقليم الأول على درجة في الطول مدينة تانه. وهي آخر مدن اللار المشهورة على ألسنة التجار. وأهل هذا الساحل الهندي جميعهم كفار يعبدون الأبداد ويسكن معهم المسلمون وتسافر إليهم مراكبهم. وأكثر ما يعبدون صنم السومانات، وهو معظّم عند الهنود يسافرون إليه من الأقطار وعليه مبنى أبيض يظهر للمراكب في البحر من بعيد. وأكثر ما ينبت في بلاد اللار البقم، ومنها يجلب اللاكي وهو صمغ أشجارهم.
1 / 15
الجزء الثامن: أول ما يلقاك من أول خطه، حيث العرض خمس عشرة درجة، من مدن الفلفل المشهورة ببلاد ماليبار مدينة صيمور، وهي على جون وخور وفي غربيها وداخل منها في الجنوب. واشهر ما على ألسن المسافرين في هذا البحر فاكنور، وهي على خور في شرقيها حيث الطول مائة وتسع وعشرون درجة والعرض ثلاث عشرة درجة غير دقيقتين. وفي سمتها من جهة العرض منجرور وبينهما في الطول درجتان ولها خور في غربيها. وعلى نحو مجراوين من منجرور، الغات الذي تنحدر منه المراكب لأنها إن وقعت في طرقه ضلت ولا تهتدي لمخلص إلا أن ييسر الله لها. وهي جبال في البحر يكون الطريق فيها من ميل إلى خمسين ميلًا وآخره مشدود لا مخلص منه والحكايات عنه مستطرفة. وهي من سمت هذه المدينة المذكورة في الإقليم الثاني. وفي شرقي منجرور في جهة مقصودة من المراكب كولم، وهي آخر بلاد الفلفل ومشهورة على ألسن المسافرين، وكثيرًا ما ينسب إليها الزنجبيل. وهي حيث الطول مائة وأربع وثلاثون درجة، والعرض اثنتا عشرة درجة، ومنها إلى جزيرة السيلان مجراوان. وهذه الجزيرة طويلة عريضة.
قال ابن فاطمة: والتحقيق فيها أن يقال طولها ستمائة ميل وعرضها يقارب ذلك فيكون دورها نيفًا على ألفي ميل. وفيها تجويفات من البحر ومدائن غير مشهورة والمذكور منها في الكتب الرامن، وبها تعرف في القديم. والمشهور منها على ألسن المسافرين سيلان، وإليها ينسب العود السيلاني وليس بالعالي. وموضوعها حيث الطول مائة وتسع وثلاثون درجة وعشرون دقيقة، والعرض سبع درجات ونصف. وكلتا المدينتين على خور ينزل من جبل في ركنها الغربي الشمالي، وبينهما مئتان وخمسون ميلًا. وفي هذه الجزيرة يكون الكركدن، وفي أطرافها العراة الذين يثبون على الشجر لخفتهم. وسماها بطليموس جيرة العراة. وفي جنوبها جزائر النجبالوس وهي عدة أكبرها ثلاث، وأهلها سود مشوهون عراة يقطعون على المسافرين وفيهم من يأكل الناس، وهم مجاورون لخط الاستواء وعرض البحر بينهم وبين جزيرة سيلان نحو مجراوين.
1 / 16
الجزء التاسع: أول ما يلقاك من الجزائر الهندية جزيرة نكواره. وهي من الجزر المشهورة على ألسن المسافرين، طولها نحو مائة ميل وعرضها نصف ذلك، وبينها وبين البحر حيث بلاد برقلي نحو نصف مجرى. وبينها وبين أول هذا الجزء درجة. وفي جنوبها جزيرة اندمان بينهما نحو مجراوين وهي على قدرها. وتوجد فيها جميعًا الفيلة ويجهز منها العاج. وفي شرقي هاتين الجزيرتين مع الداخل بالغرب من خط الإقليم الثاني مدينتان من مدن الرامن على جون من البحر والجون بينهما حيث الطول مائة وتسع وأربعون درجة. وفي شرقي ذلك وجنوبه جزائر المهراج وهي كثيرة ومذكورة في الكتب ويوجد فيها الذهب الطيب، وصاحبها من أغنى ملوك الهند وأكثرهم فيلة. وجزيرته الكبيرة التي فيها مدينة المهراج، طولها مئتا ميل ووسعها قريب من مائة ميل. والمدينة في طرفها الغربي حيث الطول مائة وإحدى وخمسون درجة والعرض اثنتا عشرة درجة ونصف. وفي شرقي المدينة خور مادته من جبل شماليها. ويقال إن قصر هذا الملك على جدول متسع وقد فرش قاعه بالفضة وجعل محصور الطرفين لئلا يخرج منه ما يوضع فيه. وسنة كل ملك منهم منذ ملك هذه الجزائر أن يرمي الملك أجرة من ذهب في كل سنة فإذا كانت موته حسبت الأجرّ وعرف قدر مدته في الملك ورد منها أجرة واحدة وأنفق الغير على الأجناد في هذا الملك القائم. وللأجر المفرد جهة وللآخر جهة فإذا أرادوا أن يعرفوا كم مَلِكٍ مَلِكَ منهم حسبوا الأجر المفرد بقضيب ولا يخرجونه من مكانه بل يكون في موضع تطلع عليه الشمس فيضاحك ذلك الذهب من خلال الماء. وهنالك من فصوص الياقوت والزمرد وحب اللؤلؤ الكبير مما يتنافس فيه مع الملوك ويفخر به عليهم. وذكر أن المكان، هو خزانة هذه الذخائر قالوا ولا يعلم أن هذه الجزيرة قد انتقلت من نسب واحد إلى غيره، وبذلك يفتخرون على مجاوريهم. والمهراج لقب يتوارثونه. وفي جنوبي جزيرة المهراج جزيرة الجاوه الكبيرة المشهورة التي تقصدها المراكب. أكثر ما فيها من العقاقير الهندية واشتهار أهلها بحسن السيرة مع المسافرين. وأولها الغربي حيث الطول مائة وأربع وأربعون درجة وفي ذلك الركن من مدنها المشهورة على ألسن التجار لامري، والعرض هناك خمس درجات. وفي جنوبيها في الركن الغربي الجنوبي مدينة فنصور التي ينسب إليها الكافور الفنصوري، وهي مسامتة للأخرى في الطول وعرضها درجة ونصف. وجبال الكافور ممتدة من المدينة إلى قرب آخر الجزيرة من غرب إلى شرق. وفي وسط الجزيرة على جبال الكافور قاعدتها مدينة الجاوه وبها صاحب الجزيرة وما جاورها من الجزر المنسوبة إليها. وإلى هذه المدينة ينسب العود الجاوي الأسود الرصين الذي يغرق في الماء كأنه الزلط، ويقال إنه عرق شجر العود. وموضوع هذه المدينة حيث الطول مائة وتسع وأربعون درجة وعشرون دقيقة والعرض ثلاث درجات وفي الركن الشرقي الجنوبي مدينة كله وهي مشهورة على ألسن المسافرين، وإليها ينسب الكلهي المفضل في عوده ودهانه. ويقال إنهم يصنعون مراكبهم من ذلك فلا يكون في بحر الهند مثلها. وهذه المدينة حيث الطول مائة وأربع وخمسون درجة واثنتا عشرة دقيقة وفي الجانب الشرقي الشمالي مدينة ملاير وهي مشهورة مقصودة للحط والإقلاع وطولها مقارب لطول كله، وعرضها مقارب لعرض لامري. وكل مدينة من المدن التي ذكرت في هذه الجزيرة على خور ويكون طول هذه الجزيرة ثمانمائة ميل من الغرب للشرق ووسعها دائر على ثلاثمائة ميل وأربعين ميلًا. وحينما تفارقها المراكب المشرفة للصين يخرج لها على اليمين واليسار طرفان يكون وسع البحر بينهما قدر ميلين. والماء هنالك ليس بالعميق ويقال لذلك المكان البنتن. وهنالك جزائر صغار يخرج منها لصوص سودان بسهام مسمومة، ومراكب عدوانية يأخذون السلب ولا يأخذون الأشخاص. قال بعض الثقات من المسافرين: كان لنا مركبان في أحدهما البضائع وأنا في الآخر، فسلم الله المركب الذي أنا فيه حتى أبلغني إلى الصين. قال رأيت هنالك رابطة بيضاء فيها (..) من البر فتعجبت من كونه هنالك مع أولئك الكفرة. وإذا خرج المسافرون من البنتن أعطوا البشارة على السلامة. ويلقى المشرف على البنتن جزائر قامرون وفي الكبرى منها مدينة الملك، في شرقي مدينة الجاوه. واسم المدينة قامرون. وقد تقدم نسبهم في جزيرة القمر. وهذه الجزيرة حيث الطول مائة وثمان وخمسون درجة
1 / 17
والعرض ست درجات، وله جزائر صغار كثيرة في غربيه، وطول الكبرى نحو أربعمائة ميل وعرضها دائر على مائة ميل. وفي غربي جزائره الصغار جزائر مضافة للجاوه فيها العقاقير الهندية والرصاص الكلهي، ومنها جزيرة البركان التي تقدمت من قبل. ومنها جزائر المهوى الذي لا يدرك قعره. وبعد جزائر قمرون الشمالية جبال الكافور، وهي لا تحصى ممتدة في البحر تسير المراكب منها إلى الصين. وهي تقامرون، وقد تغلب عليها أصحاب الصين أو على ما قارب ساحلهم منها. والشجر فيها كشجر الصفصاف في ورقه ولكن الشجرة منها تظل مائة رجل، والكافور صمغها. ويقال إنهم ينقرون الشجرة فتسيل منها قطع الكافور ثم تموت الشجرة بعد ذلك. قال من سار بين هذه الجبال: رأيتها بالليل مثل الكواكب في السماء تنير منها فسألت عنه فقيل لي في كل جبل منها بد، له قوم يعبدون الله فيه وهم يحيون الليل بالمصابيح للسابلة. ست درجات، وله جزائر صغار كثيرة في غربيه، وطول الكبرى نحو أربعمائة ميل وعرضها دائر على مائة ميل. وفي غربي جزائره الصغار جزائر مضافة للجاوه فيها العقاقير الهندية والرصاص الكلهي، ومنها جزيرة البركان التي تقدمت من قبل. ومنها جزائر المهوى الذي لا يدرك قعره. وبعد جزائر قمرون الشمالية جبال الكافور، وهي لا تحصى ممتدة في البحر تسير المراكب منها إلى الصين. وهي تقامرون، وقد تغلب عليها أصحاب الصين أو على ما قارب ساحلهم منها. والشجر فيها كشجر الصفصاف في ورقه ولكن الشجرة منها تظل مائة رجل، والكافور صمغها. ويقال إنهم ينقرون الشجرة فتسيل منها قطع الكافور ثم تموت الشجرة بعد ذلك. قال من سار بين هذه الجبال: رأيتها بالليل مثل الكواكب في السماء تنير منها فسألت عنه فقيل لي في كل جبل منها بد، له قوم يعبدون الله فيه وهم يحيون الليل بالمصابيح للسابلة.
1 / 18
الجزء العاشر: أول ما يلقاك منه جزائر الصين، فأولها من جهة ساحل الصين إلى الجهة الشمالية صندرفولات وهي من الجزر المذكورة في الكتب. وبينها وبين الساحل الصيني أقل من مجراوين. وطولها نحو مائتي ميل. وأوسعها رأسها الشمالي وهو نحو مائة وخمسين ميلًا. وفي جنوبها جزيرة الصنف المشهورة في الكتب التي ينسب إليها أشرف العود ويقال إنه كالشمع تنطبع فيه الكتابة وهو أبيض. وملوك الصين لا تتركه لغيرها. وطول هذه الجزيرة من الغرب إلى الشرق نحو مائتي ميل والعرض أقل من ذلك. ومدينة الصنف حيث الطول مائة واثنتان وستون درجة والعرض ست درجات. وفي غربيها جزيرة قمار التي ينسب إليها العود القماري، وهو دون الصنفي وفوق غيره. وعرض البحر بينهما أقل من مجرى. وهي قريبة من جزيرة الصنف في الطول والاتساع. ومدينة قمار طولها مائة وست وستون درجة والعرض درجتان. وفي شرقي هذه الجزائر الثلاث جزائر الصين الصغار وهي كثيرة ممتدة من الشمال إلى آخر العمارة في الجنوب وانتهاء البحر الهندي المعروف بالأخضر حيث شرقي هذه الجزائر. والطول هناك نحو مائة وسبع وستون درجة ونصف. ويبقى بين هذا البحر الأخضر والبحر الأسود المحيط أرض يمر في غربيها مع شرقي البحر خمدان الذي هو أحد أنهار العالم الكبار الكثيرة الماء. وليس بالصين نهر أطول ولا أوسع منه، ومنبعه من الجبل الكبير الحاجز بين الصين والترك مع خط الإقليم الرابع ومصبه حيث يختلط البحر الهندي مع البحر المحيط في آخر العمارة في الجنوب، فتكون مسافته نحو ثلاثة آلاف ميل وعليه من المدن عدد كبير. والذي يقع عليه في هذا الجزء العاشر مدينة قانطو وهي حيث الطول تسع وستون درجة والعرض إحدى عشرة درجة. وفي جنوبيها على شرقيه أيضًا مدينة سوسه وبينهما ست عشرة مرحلة. وهما متقاربتان في الطول، وسوسه أدخل للشرق حيث العرض درجتان. وتصب من أنهار الصين في البحر المحيط الذي شرقي خمدان ثلاثة أنهار كبار. وتقع في البحر المحيط بأقصى هذا الجزء جزائر السيلي، وهي مثل الجزائر الخالدات في البحر المحيط ليس خلفها عمارة ولكن هذه معمورة فيها خصب وخيرات وآخرها للشرق جزيرة صنجي التي بها الأصنام المشيرة اللا مسلك خلفي. وانتهاء شرقيها حيث الطول مائة وثمانون درجة. وفي جنوبي هذه الجزائر جزيرة الفضة. ذكرها بطليموس وذكر نهرها. ويقال إن أرضها كثيرة الفضة وإلى جانبها في أقصى العمارة بالمشرق جزيرة الياقوت، يدور بها من داخلها الجبل الكبير الذي ذكره بطليموس، ويقال إنه مثل جبل الراهون الذي في سرنديب يوجد فيه الياقوت أصنافًا، وآخر هذا الجزء مع خط الاستواء.
الإقليم الثاني
سكان ما قارب منه الإقليم الأول سودان وما قارب منه الإقليم الثالث سكانه سمر. وعرضه أربع وعشرون درجة وإحدى وثلاثون دقيقة من خط الاستواء ووسعه ثمان درجات وأربع دقائق.
الجزء الأول: تقع فيه الجزيرة السادسة من الجزائر الخالدات وأربع من جزائر السعادات. وينتهي صعود البحر المحيط فيه مشرقًا حيث الطول عشر درجات ثم يصعد عن ذلك جون التن من الإقليم الثاني ثلاث درجات، ووسعه أقل من درجتين. ويقال له الجون الأخضر لأن فيه أقاصير وحشيشًا أخضر كثيرًا وفيه سرب التن. ويدخل مرة واحدة في بحر الرومان فيزعم الناس أنه يحج إلى حجر معلوم في جزائر البحر ثم يعود فيعيش منه أهل السواحل من بر العدوة والأندلس، ينشفونه ويرفعونه مقددًا ويحمل إلى البلاد فيخرج بأوفر ثمن في زمن العنب والتين. وذكر ابن فاطمة أنه ركب البحر المحيط مرة في نول لمطه فأخرم به المركب فوقع إلى ضباب وأقاصير وضل البحريون ولم يعلموا حيث هم حتى تركوا المركب الكبير وأخذوا زادًا في القارب الصغير وصاروا يجرونه على لحشيش وطورًا ينهضون بالمجاذيف إلى أن انتهوا بعد مدة إلى قاع هذا الجون وعاينوا من التن فيه ومن كثرته ما تعجبوا منه وكذلك من الطيور البيض ولم ينتهوا إلى البر إلا وقد كاد الزاد يفرغ. فلما انتهوا إلى تحت الجبل اللماع أشار عليهم برابرة كدالة ألا يقربوا الجبل ولم يعلموا سبب ذلك فأخذوا عنه شمالًا حتى خرجوا عن حده.
1 / 19
ولما خرجوا إلى الساحل لم يفهموا كلام كدالة حتى جاء شخص كان يفهم الكلامين فسألهم عن ضلالهم فأخبروه وسألهم أهل المركب عن تحذيرهم إياهم من الجبل اللماع، فقالوا كله حيات مهلكة قتالة يراه الغريب لماعًا من الحجارة المليحة الألوان فينخدع حتى يقرب منه فتهلكه ثعابينه، فبشروهم بالسلامة وابتاعوا منهم المركب وساروا معهم إلى مدينة تغيرا قاعدة كدالة وهي حيث الطول إحدى عشرة درجة والعرض عشرون درجة، وأقاموا معهم يشربون لبن النوق ويأكلون قديد الجمال حتى اتفق رحيلهم إلى نول فخرجوا معهم. قال: وبلادهم على ما هي عليه من الصحراء والرمال قد حسن فيها قصب السكر، بسبب الأنهار الخمسة التي تنزل من الجبل اللماع وقد ذكرها بطليموس وأخبر أن النهر الأوسط يعرف بنهر الحيات، وهي فيما قارب الجبل اللماع وما اتصل به من الجبال، كثيرة أرسلها الله نقمة على أهل تلك الجهات فصيروها نعمة، إذ يفضلونها في الأكل على الدجاج. ويتصل في هذا الجزء بجبل اللماع جبل لمتونه الذي كانت فيه سلطنة الملثمين، يمتد حيث الطول خمس عشرة درجة والعرض ثلاث درجات عن خط الإقليم الثاني ويمر مشرقًا آخذًا للشمال حتى يتجاوز الإقليم الثاني. وفي غربيه قاعدتهم أزقى وطولها أربع عشرة درجة ونصف ودقائق وعرضها اثنتان وعشرون درجة. ومنها يدخل إلى صحراء اللمط التي بين هذه البلاد وبلاد السودان. وقد ذكر البكري أن هذه المدينة في الجبل وهي حصن ولها نخيل ومن هذا الحيوان اللمط تعمل درق اللمط الحصينة وتدبغ في مدينة كوكدم. وهم يقتاتون بلبن النوق. وهذه المدينة في شمال أزقى وغربيها، وبينهما ثمانية أيام. وبينها وبين الخط الذي يخرج منه الإقليم الثالث درجة ونصف وهي لمسوقه المسلمين. وجبلهم في شرقها متصل بالجبل اللماع الذي يأخذ إلى الشمال حتى يتصل بجبل كزوله. وهذا الجبل طويل من البحر المحيط إلى أن ينتهي حيث الطول اثنتا عشرة درجة والعرض مع خط الإقليم الثالث. وفي جنوبيه قاعدة كزوله، وهي مدينة تغوست. وبينها وبين خط الثالث درجة. وبينها وبين البحر المحيط كزوله. وفي غربيها مدينة لمطه نول وهي حيث الطول سبع درجات ونصف وبينها وبين خط الإقليم الثالث نصف درجة. ولها نهر كبير مشهور ينزل من جبل لمطه الذي في شرقيها على مرحلتين، وعن جنوبيها وغربيها حتى يتجاوز خط الإقليم الثالث وينزل في البحر المحيط. وبينه وبين لمطه نول ثلاث مراحل. ولا يزال البحر بعد صعوده مشرقًا كلما أخد شمالًا عن الأنهار الخمسة ينزل مغربًا حتى يكون تحت نول حيث خط الإقليم الثالث على طول ست درجات. وآخر هذا الجزء في الصحراء، حصن الملح وهو مبني على ملح معدني ومنه يأخذ المسافرون الملح إلى بلاد السودان. وبينه وبين قاعدة لمتونه أزقى سبعة أيام. وبينه وبين خط الإقليم الثاني ثلاث درجات ونصف.
الجزء الثاني: قال ابن فاطمة: في وضعه لا ماء ولا مرعى ولا عمارة، بل رمال سائلة وطرق مضللة طامسة. وأكثر ما يكون فيه اللمط وإنه صابر على العطش وهو على شبه الغزال لكنه أغلظ منه. وأول ما يلقاك من هذا الجزء صحراء سير التي يقطعها المسافرون ما بين سجلماسه وغانا وهي طويلة عريضة يكابدون فيها شدة العطش ووهج الحر. وربما هبت ريح جنوبية ونشفت المياه التي في القرب، فهم يعيدون إليها المياه التي في بطون الإبل ويجعلون على أفواهها الكمائم لئلا تأكل شيئًا، فإذا نشف الريح مياههم نحروها جملًا جملًا وشربوا ما في بطنها. وليس في هذا الجزء مدينة مذكورة غير أوداغست وسكانها أخلاط من البربر المسلمين، والرئاسة لصنهاجة. ولهذه المدينة وصاحبها نباهة في كتاب المسالك والممالك للبكري. وهي مع خط الإقليم الثاني حيث الطول اثنتان وعشرون درجة. وفي عرضها مدينة زافون وهي لسودان كفار. ولصاحبها بيت بين ملوك السودان ويمتد في هذه الصحراء جبل الكاف من شرقي لمتونه إلى أن يسامت أوداغست ثم يعرج إلى الجنوب فيبقى بينه وبين زافون خمس مراحل، وبه يهتدون في تلك الصحارى إلا أنهم لا يقربون منه لكثرة ثعابينه. وفي ظهره الشمالي جبل ميزاب وهو عالٍ وهر يعتصم به أهل واركلان إذا دهمهم جور من ذوي السلطان وبينهما أربعة أيام.
1 / 20