جداد و قدماء: دراسات او نقد او خبرې اترې
جدد وقدماء: دراسات ونقد ومناقشات
ژانرونه
ما هذه الحيرة يا أستاذ؟ جبران بشر مثلنا، ولد في بشري من ذكر وأنثى (سنة 1883)، أمه «كاملة» بنت الخوري إسطفان رحمة، وهي أرملة لا عذراء، اسم زوجها الأول حنا عبد السلام رحمة، واسم الثاني خليل جبران «سميك»، لا أدري من أوحى إلى الشيخ يوسف توما البستاني تلك الكلمة، التي كتبها في مقدمة «البدائع والطرائف» عن مولد جبران «ويقال بل في بومباي الهند» حتى جعلها ميخائيل نعيمة مفتاحا لقبر صديقه جبران، لست أعني أن نعيمة أساء إلى جبران بقوله عنه: إنه حب وأحب، ولا فيما خبرنا من قصص، فليس جبران ذا طبيعتين.
أما كلام جبران وهو موضوع بحثنا فعربي مفهوم، أما كيف يخفى على الشيخ خليل ذي العقل الراجح، والنظر الثاقب، فهذا ما يحيرني، لقد حيرني تحويم الشيخ ودورانه، وهذا التجاهل وتلك الألفاظ الضخمة الطنانة التي أنعم بها على جبران بلا كيل ولا ميزان «سر من الأسرار، نبوغ، عبقرية، رسالة، خلود، نبي، رسول، فيلسوف، ألغاز، رموز» وهلم جرا، فكأن جبران هندي حقا ومن مواليد بومباي، والشيخ أيده الله، يريد أن يقلده عقدا من أزهار بستان اللغة.
أنا قلت: إن لجبران أسلوبا عربيا معروفا كالعنزة البلقاء، ولجبران تلاميذ في كل قطر يقرأ: أبجد هوز حطي، وبسم الله الرحمن الرحيم، وطوبى للرجل، اقرأ ما كتبه «حجازي» في رسالة أحمد حسن الزيات (عدد 149، ص784) عن النهضة الأدبية في شبه جزيرة العرب، فصاحبها يعترف بأنهم كانوا تلاميذ المدرسة الجبرانية قبل أن «يرتدوا»، ويتتلمذوا للمدرسة المصرية التي ناهضت مدرسة جبران باسم الثقافة الإسلامية، كما قال المتمشرق «جب» وقد نشرت السياسة الأسبوعية هذا الزعم بكل فخر (عدد 201، ص2)، فلماذا نتجاهل هذا ونحاول تحديد جبران من الجهات الأربع، كأننا نكتب فيه صك بيع؟ إن بحثنا لم يتعد الأسلوب الجبراني، ولم نسأل مجلس المعارف الأعلى إلا وضع صاحبه بين أصحاب الأساليب، فكان ما كان مما لست أذكره.
أما زعم الشيخ أنه قال في ذلك اليوم وتلك الساعة: إن جبران خليق بأن يدرس في كلية من كليات الآداب، فذكرني قصة رجل عزل عن وظيفته فحار في أمره حين سقطت سلطته، وقد تعود الأمر والنهي، فاشترى بضعة أباريق صفها أمام داره لعابري السبيل، فكان إن تناول أحد منهم الإبريق العتيق أمره بأخذ الجديد وبالعكس.
أين كلية الآداب هذه يا شيخ؟! أكلية «عليكرة» ببومباي حيث ولد جبران؟ ثم رأيتك ترجح وضعه في منهاج الفلسفة لئلا يغضب إذا لم ير أعمى المعرة، فحنانيك يا شيخ، إننا نشرب بالإبريق الذي تنقيه لنا فاسقنا، إنما بغير الوعد يا كمون، ألا تذكر وعد عام أول؟
لا إخالك تنسى كم ناقشناك، وكم سألناك، حتى ناشدناك ملتمسين «صفو الخاطر» على الفقيد الكريم فما رحمته، ولا تركت أحدا يرحمه، وهكذا اصطلحت الأضداد في تلك الساعة على روح جبران، كما اصطلحت من قبل على جسد الجاحظ.
والآن فلأمر مرا خفيفا بنقط لا بد من إيضاحها تفنيدا لما كتبته إثباتا لغموض جبران.
قلت: إن ميخائيل نعيمة الذي عرف جبران وآكله وشاربه أرانا - وتراب جبران لا يزال مبللا بدموع الباكين - أنه رجل مادي يبيع بالمال كل شيء حتى جسده، ويشتري بالمال كل شيء حتى الحب.
اسمح لي أن أسألك: ما علاقة هذه الحكاية بأدب جبران وأسلوبه؟ هل خبرك أحد أنني أريد «تطويبه» قديسا؟ ثم من يدري، فقد تكون توهمت ذلك حتى قلت بعد أربعة أسطر: فإذا مات - أي جبران - أرقده رجال الدين في ظلال الأرز الخالد، وجعلوا قبره حجة ومزارا، وأضاءوا من حوله الشموع، وقدسوا التراب الذي ضم رفاته، ثم دعوا المؤمنين لزيارته على أنه قديس ...
على مهل يا شيخ، لقد استعرت قلم غبريال شارم وبيار بنوا، فكأنك من أولئك الكتاب الغربيين الذين يزورون ديارنا ويقولون علينا مثل هذا ، فوا عجبا لك وأنت اللبناني الصميم، ورئيس ديوان المعارف اللبنانية، كيف لا تعرف أن رجال الدين لا يقدسون حتى البابوات والبطاركة! إن الشيوخ الأجلاء عندكم - الجويدين - لا يرحمون من في حياته أقل شبهة - والمسألة في أيديهم - فكيف برجال الدين عندنا ويديهم قصيرة عن هذا، إن مسألة تطويب القديسين مسألة شرحها طويل، وإليك مثلا يجلو لك الكثير من غوامضها:
ناپیژندل شوی مخ