جداد و قدماء: دراسات او نقد او خبرې اترې
جدد وقدماء: دراسات ونقد ومناقشات
ژانرونه
وقبل أن يختم فرح مقاله عن هيغو يتذكر مهمته التربوية، فيدير وجهه صوب النساء ويقول لهن بلسان روستان: «أيتها النساء، لا تهملن ولدا؛ إذ من يعلم متى يمر في الأرض ذلك الولد الذي سيكون إلها. ومتى أخذتن رأس ولدكن لتقبيله، فلا تضغطن عليه كثيرا، فإنه ربما كان هذا الرأس وحده يضم عالما عظيما.»
ويعطف على رنان فيعرب «حرمه» لحارميه، ويذيع صلاته المشهورة عند الأكروبول، ثم جواب أناتول فرانس عليها بلسان آلهة الحكمة يوم الاحتفال بتمثال رنان. وهنا ينتقل فرح إلى دارة جديدة فيلخص فلسفة ابن رشد ويذكر محنته، فتتجه الجامعة اتجاها جديدا تتجلى فيه أبهى خدماتها للفكر العربي، وهي إذاعة أعقد المسائل والقضايا بلغة يفهمها كل قارئ، فكان فيها فرح من أولئك الذين ينشرون العلوم بلغة القراءة المصورة، فما انتشر عدد ابن رشد حتى نشبت معركة جدلية حوله، فينصرف فرح إلى الرد على الإمام محمد عبده.
خبرنا فرح بهذه المناسبة قال: ««وعصبت رأسي» كما يقال، وانصرفت ثلاثة شهور إلى درس هذا الموضوع وحده حتى فقدت النوم والقابلية.» إن الأشهر الثلاثة التي صرفها فرح في الرد على الإمام لا شبيه لها في التاريخ إلا مناظرة الخوارزمي والهمذاني، بيد أن فرح أنطون الشاب أظهر أسمى الاحترام للشيخ الذي يستحقه، وهكذا ذاعت شهرة فرح، الذي نسيناه، في العالم العربي وتجاوزته إلى الغرب؛ فطلب المتمشرقون تآليفه.
قال حافظ إبراهيم شاعر الإمام في هذه المناقشة:
وأنت لها إن قام في الغرب مرجف
وأنت لها إن قام في الشرق مرجف
يعني حافظ بالمرجفين: هانوتو وفرح أنطون، أما فرح فعلق على هذا البيت بقوله: حافظ، حافظ، إنك لم تحاسب نفسك لما نظمت هذا البيت.
وتدخل الجامعة في السنة الرابعة (1903)، فيبدؤها فرح بإذاعة الفلسفة الحسية، ناشرا ترجمة «أوغست كنت» واضع ديانة الإنسانية والعلم، ثم يلخص تاريخ الرسل لرنان، ويقترح على حكومة مصر إحداث مدارس زراعية، كما دعا السوريين في أميركا إلى الزراعة فيما بعد. ونظر فرح إلى السماء فلخص لقرائه شيئا من كتاب فلامريون الفلكي الشهير، وظهرت اكتشافات بابلية فنشر سيرة حمورابي وشريعته، وما أحدثه اكتشاف ألواحها من قلق فكري وشك في التوراة، وترجم رسالة الإمبراطور غليوم لأحد أصحابه العلماء، فكأنما كان فرح مذياعا ينقل خطة الفكر في العالم.
كان يعلن أحيانا ولا ينجز، لكثرة أشغاله واضطرابه العصبي، بدأ أشياء كثيرة ولم يتمها؛ ككتاب فلامريون، ورواية مريم قبل التوبة، وقصة إسبانية تحب عربيا، وعد بها ولم ينشر شيئا منها.
وفي هذه السنة - الرابعة - ألف فرح ثلاث قصص أهداها إلى قرائه، ونامت الجامعة على إثرها سنة كاملة حتى استيقظت في نيويورك سنة 1905، وهناك أرخى فرح لقلمه العنان، فحيا تمثال الحرية تحية حارة ضمنها أصدق عواطفه الاجتماعية، وكتب بعدها عن عظمة أميركا فصولا ضافية، ودرس مدنيتها ، ولكنه لم ينس الشرق بل ظل يحن إليه، واستماله روسو فكتب عنه ونشر رسوما عدة له ولمدام دي وارين التي أحبته، وعرب رواية ابن الشعب ونشرها متقطعة، وفتح بابا جديدا نشر فيه روائع الفن التصويري، وكتب عن القصة فصلا جميلا (306، سنة خامسة)، وتحدث عن مشاهير أميركيين مثل تافت وهارست، ونشر ترجمة مار بولس؛ حبيب الأميركيين.
ناپیژندل شوی مخ