جداد و قدماء: دراسات او نقد او خبرې اترې
جدد وقدماء: دراسات ونقد ومناقشات
ژانرونه
قال المتمشرق جيب في مجلة الدروس الشرقية الإنكليزية (ص316، سطر 22، مجلد 5): إن المنفلوطي كان متأثرا بالأدباء السوريين، وأيد كلامه بتلخيصه رسالة الغفران التي لخصها زيدان قبله، ولم يتعرض الأستاذ جيب لهذا التلخيص المشوه بكلمة. نعم إن المنفلوطي حذا حذو زيدان كما قال جيب، ولكن زيدان لخص هذه الرسالة تلخيصا أمينا، ولم يستضعف المعري، فقدم لنا خلاصة ترينا هيكل رسالة الغفران فقرة فقرة وعظما عظما، أما تلخيص المنفلوطي فلا يظفر منه إلا بفقاعات منفلوطية، كالتي يعجب بها بعضنا ويخالها الأدب كله، أما صاحبهم ففشل فشلا مخزيا في تلخيص رسالة الغفران، وفي قصة العقاب التي كتبها على نسق قصة «صراخ القبور» كما سترى، فكان فيهما - كما هو في كل ما كتب - رصاف ألفاظ يلهو بها لهو الوليد بالقطع الخشبية، يبني منها قصرا أو قبة، حتى إذا وفق إلى رصف تلك القطع في مواقعها صفق له أبوه، وقبلته أمه بين عينيه إعجابا بذكائه وإكبارا لنبوغه.
إن تعابير المنفلوطي في كل ما يكتب هي هي بعينها، شاحبة صفراء كقوس الشنفرى، أو كبني يربوع الأخطل، أما سياق تفكيره فواحد، كل ليلة غدافية الإهاب، وكل حقل مد البصر، وكل وقت تمضى إلا أقله، وكل رؤيا يبدؤها بقوله: رأيت فيما يرى النائم ... وقد يكتب صفحات فلا تدري ماذا يريد، فتأتي معانيه كحبة قمح في عدل تبن، ولا أتخيله إلا كأولئك الواعظين الذين يعيدون مواعظهم على الناس بشحمها ولحمها وعجرها وبجرها.
فكرت كثيرا بما أشبه به آثار المنفلوطي وأسلوبه وتعابيره، وطلبت فلم أجد له مثلا إلا الروبل الروسي والمارك الألماني، وإن أردت مثلا تراه بعينيك فانظر إلى الظرف والزكرة المنفوخين وترحم على نحاة العرب، فلحكمة سامية خلقوا حرف التنفيس، واذكر بالخير صاحبنا بشارا وقل لعشيقته عبدة: عجلي فقد كاد صاحبك ينفزر ...
لقد ضاق التفكير بالمنفلوطي فلجأ إلى قوالبه المعلومة وأخذ يرجعها، كساعة «الكوكو» التي تقلقك زمنا قبل أن تعد الثانية عشرة، أليس عجيبا أن نسعى إلى التجديد بكل ما فينا من قوة ورغبة، ثم ننصر هذا العتيق ونسميه جسرا وهو قنطرة نافرة الغلق.
وأخيرا إن شئت إدراك فهم المنفلوطي لرسالة الغفران، فاقرأ كلام إبليس وبشار في الرسالة وقابله بتلخيص المنفلوطي، ثم قل سبحان من يخلق لكل جمل عبقريا كالمنفلوطي.
إني أفرح كثيرا بما أقرأ من محاولات شبابنا في التجديد، وسأجعل همي الإخلاص لهم وللفن فأعرض عليهم ما أفهم وأدرك، ولا غرض لي إلا تحسين نسل الأدب، وأسعد أيامي يوم أزيل فيه من أدمغتهم عقيدة الأسلوب والقالب، لينظروا إلى التعبير ككائن حي ينفخ فيه الأديب الفنان من روحه، ففي قوالب العرب ما بطل، وفيها الصالح لهذا الزمان، فلنميز بين الاثنين، إذا كان الناس يحسنون نسل القطط، والسكاف يجدد قوالبه كل عام، فكيف بالأديب وهو الخالق المبدع!
إني لا أحترم ولا أقدس إلا الأدب الصحيح، وسيان عندي قديمه وجديده، وسواء عندي أجاء من غلام مغرور أم صدر عن شيخ وقور.
إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا، فإن استمرأتم زادنا زدناكم منه، وإلا فارفعوا أيديكم عن قدورنا، فلا بد لهذا الفول من كيال. (9) أبو الفضل الوليد
كان اسمه إلياس طعمة حين كنا في مدرسة الحكمة رفيقين في الصف العربي، يعلمنا بيانها وقواعدها الخوري يوسف بو صعب، ثم انقضى ذلك العام الدراسي عام 1905، فترك إلياس المدرسة إلى غير رجعة وكان آخر عهدي به.
قضى في بيته ثلاثة أعوام كانت من أطيب العمر كما قال، ألف خلالها مسرحيات عديدة: شعرية ونثرية، منها: ما وضعها ومنها ما عربها، حتى إنه نظم نشيد الأناشيد وصدره بمقدمة، ويزعم إلياس أنه لما هاجر عام 1908 أضاع تلك الدفاتر في إحدى رحلاته؛ ولذلك لم نضع نحن الوقت في سرد أسمائها، وفي 15 نيسان سنة 1913 أصدر في المهجر جريدته «الحمراء» تيمنا باسم حمراء الأندلس وقريته اللبنانية «قرنة الحمراء»، فعاشت تلك الجريدة أربع سنوات خلقت في أثنائها روحا قومية عربية قلما تجدها، وإذا وجدتها فلا تجد تلك الحماسة والعصبية حتى الهوس.
ناپیژندل شوی مخ