جينوسايد
جينوسايد: الأرض والعرق والتاريخ
ژانرونه
عندما سمع مايكل كلمة «الإفراج» خفق قلبه من الفرح وكأنه ولد من جديد، وبدأ شعور غريب بالخلاص يسري إلى كل أرجاء جسده لربما كان يحمل خبر عودة الحياة من جديد إلى كل جزء فيه، قال في نفسه: أية ألمانيا هذه؟ أريد الخلاص من هذا الجحيم فقط لم أصدق أنني سأخرج من المعسكر أبدا، ولم يخطر لي أنهم سيطلقون سراحنا، يا لفرحتي سأرى اليوم أمي وأختي وديفيد.
جلس الضابط خلف مكتبه: من يريد التوقيع على التعهد فليقترب، ومن لا يريد فليخرج إلى الساحة حتى يلتحق بالعمل.
أقبل الجميع على التوقيع؛ فلا يمكن لعاقل أن يمتنع من فرصة الخلاص التي لربما تكون الوحيدة من هذا الجحيم، وقبل أن يكملوا ملء أوراق التعهد والتوقيع عليها، تناهت إلى مسامعهم أصوات نفس العربات التي جاءت بهم إلى هنا تقترب من الثكنة، أكمل الجميع، ثم بعدها تم سوقهم إلى صندوق العربة والابتسامة تعلو شفاه الجميع لأول مرة مع الشعور بالفرح الشديد.
عند العودة نحو ميونخ لم يعصبوا أعينهم ولم يضعوا القيود بأيديهم وحتى لم يمنعوهم من الكلام فيما بينهم، التفت مايكل إلى الجالس بقربه: لم أصدق أننا سنخرج من ذلك المكان إلا إلى المقبرة.
كان الرجل مطأطئ الرأس، يرسم خطوطا مستقيمة على أرضية صندوق العربة الخشبية، رفع بصره إلى مايكل وقال: كنت متأكدا بأننا سنخرج لهذا السبب، متأكد كما أراك. - وكيف لك أن تتأكد؟! - لا تشغل نفسك بالإجابة، المهم أننا خرجنا. - أخبرني، هل أنت ساحر مثلا، هل تعلم الغيب؟
ابتسم في وجه مايكل: هل ترى في وجهي ما يدل على قولك؟ - لا، لكنك تقول: كنت متأكدا من خروجنا، لا بل من سبب خروجنا أيضا .. كيف عرفت السبب إذن؟ - سأخبرك، لكن عدني بأنه سيبقى سرا؟ - اليوم يوم العهود، نعم أعدك كما وعدتهم بترك هذه البلاد. - حسنا، قبل عدة أعوام كنت أعمل خادما لدى أحد أثرياء اليهود، لا أريد ذكر اسمه، فهو من الذين لهم علاقات وصلات بمسئولين كبار في الحكومة الألمانية، كان الرجل كريما معي ومعاملته طيبة جدا لي .. في أحد الأيام زاره أحد كبار الضباط النازيين، بالعادة أنا أكون قريبا منهم لألبي طلبات ضيوفه دون تأخير؛ لذا عادة أسمع ما يدور من حديث بينه وبين من يأتون إليه .. جرى في ذلك اليوم حوار حول اليهود في ألمانيا وإمكانية دفعهم للهجرة إلى أرض الميعاد «فلسطين»، والغريب في الأمر أن اليهودي طلب من الضابط ذلك! حينها حاولت الاقتراب أكثر منهما حتى أستمع جيدا لما ينوون فعله، بعدها اقترح على الضابط النازي القيام بزيارة إلى فلسطين على حسابه الخاص هو وزوجته لدراسة كيفية تهجير اليهود إليها.
أصابت مايكل الدهشة مما سمع. - أحقا ما تقول؟! هل تقصد أن بعض اليهود الأثرياء هم أنفسهم من دفعوا النازية إلى طردنا من ألمانيا؟ - هذا ما سمعته من حديثهما. - لكن عندما وقعنا التعهد بترك ألمانيا لم يشترطوا علينا الرحيل إلى فلسطين، كيف تفسر ذلك؟ - الأمر بسيط .. ففي «مؤتمر إيفيان» رفضت جميع الدول الأوروبية استقبال اليهود، عندها سيعرضون علينا السفر إلى فلسطين حيث ينتظرنا الدولة التي ستبنى لأجلنا. - وماذا عن الأموال؟ - بالطبع لا يستطيع اليهودي أخذ كل ماله معه أثناء السفر، لا بد أن يودعه في أحد البنوك الألمانية، عندها لا تجد بلدا يمكنك سحب أموالك فيه إلا البلد الذي يريدونك أن تتوجه إليه، وبذلك سيدفعوننا هناك وستجني ألمانيا أموالا طائلة من هذا، ولذلك أطلق سراحنا. - لكن ما تقوله خطير جدا! أكمل، ماذا حصل بعد ذلك، هل سافروا إلى فلسطين؟ - نعم، بعدها بعدة أيام توجهوا إلى فلسطين وبقوا هنالك شهرا كاملا، وبعد عودتهم وقعوا على ما أسموها «اتفاقية هافارا» لتهجير يهود ألمانيا إلى فلسطين، وكان الاقتراح بأن يتم فك الحصار عن ألمانيا «المفروض من قبل الدول الأوروبية»، على أن يودع اليهودي أمواله في أحد بنوك ألمانيا، ويقوم البنك بشراء الآلات الزراعية والآلات العسكرية والمعدات ويرسلها إلى فلسطين، وهناك يذهب المزارع فيستعيد ثمنها من أحد بنوك فلسطين. - لكن لماذا تم حرق ممتلكاتنا في ليلة الزجاج المحطم؟ لماذا لم يخبرونا بذلك قبلها، لكنا تركنا لهم ألمانيا وما فيها، لماذا هذه الأعمال إذن؟ - من المنطق أن يقوموا بذلك، كيف يجعلون اليهودي يقتنع بترك بيته وتجارته وحياته الهادئة هنا حتى يرحل إلى بلد آخر لا تجارة فيه ولا حياة سوى المشاكل والمخربين الذين يهاجمون الجنود البريطانيين ويقتلونهم يوميا.
ساد الصمت بينهما .. شعر مايكل أن فرحة الخروج من المعسكر قد فقدت طعمها، كان في حالة صدمة شديدة .. بالرغم من التجربة القاسية التي قضاها في المعسكر إلا أنه توصل إلى حقائق لم يكن يتصورها يوما، لربما كل ذلك العذاب كان ثمن الوعي الذي بلغه وكشف عما يجري حولهم «اليهود ليسوا فقط هم المستهدفين من النازية»، «العرق الآري كذبة للضحك على عقول الألمان بسمو عرقهم من أجل تقبلهم الجرائم ضد بقية الأعراق، أو للاستيلاء على أموال بقية الأعراق»، «هنالك ضباط يهود في المنظومة النازية»، «الغجر وشهود يهوا وغيرهم من الطوائف لا يفرقون شيئا عن اليهود في تعامل النازية معهم»، وأخيرا الصدمة الكبيرة «بعض أصحاب النفوذ والمال من اليهود لديهم أياد كبيرة فيما يلاقيه اليهود المواطنون من قتل وتخريب لممتلكاتهم».
الفصل العاشر
جبل أرارات - الحدود التركية الروسية 1895م
ناپیژندل شوی مخ