جينوسايد
جينوسايد: الأرض والعرق والتاريخ
ژانرونه
نظر مايكل في وجهه متحسرا: لا مبالاة؟! كأنك وهنت يا بيتر وتمكنوا منك. - هيه، لا يمكن لأحد على وجه الأرض أن يتمكن من بيتر. - دعك من هذا وقل لي، ما رأيك بالموت؟ - ما بك يا مايكل، هل تفكر في الانتحار، لم يمض على قدومك الكثير، أنا الذي وهنت أم أنت؟! - السؤال لا يعبر عن النية، بل مجرد أريد أن أعرف رأيك به. - الموت يختلف الرأي عنه حسب الأجواء؛ فالموت هنا هي حياة بحد ذاتها، والموت بين أهلك وأحبابك هو الموت الحقيقي كما ينظر إليه البشر. - لا، بل أسألك عن الموت بعيدا عن الأجواء.
صمت هنيهة وهو يفكر، ثم نظر على امتداد الأسرة الخشبية صوب الباب. - الموت ليس بالضرورة نهاية كل شيء، لربما يكون البداية الحقيقية التي طالما انتظرناها في الحياة، هو كالنوم .. رقود وسكينة.
ألم تنتبه إلى السكينة في وجوه الموتى؟ يذكر عن اليسوع أنه قصد الرقود بالموت فقال: «تكلم بهذا.» ثم قال لهم: «لعازر صديقنا راقد، لكني ذاهب لأوقظه من النوم.» فقال له التلاميذ: «يا رب، إن كان راقدا فسيتعافى.» غير أن يسوع كان قد تكلم عن موته. وأما هم فظنوا أنه يتكلم عن رقاد النوم. فقال لهم يسوع حينئذ صراحة: «لعازر مات.» - كم نحن بحاجة إلى هذا الرقود يا بيتر! - سنرقد يوما إلى الأبد لا تقلق، يومها سينتهي كل هذا الألم وتصبح هباء وكأننا لم نعشه. •••
في فجر اليوم التالي دوت صفارات الإيقاظ وتعالى صراخ بعض المعتقلين الذين تأخروا عن الاستعداد ليوم بائس جديد، خلال ثوان معدودة اصطف جميع من في الثكنة على امتداد الأسرة. دخل الضابط بزيه النازي الأنيق حاملا بيده اليمنى سوطا أسود مصنوعا من ذيل الحصان ومثبتا بخشب مكسو بمادة مطاطية سوداء، وفي يده اليسرى سجل الأرقام. قرأ الأرقام وكان من بينها 1216 رقم مايكل، ثم وقف جانبا مع من قرئت أرقامهم، وصاح بالبقية: إلى الطابور في الساحة، أما أنتم فابقوا هنا حتى الصباح.
ثم خرج من الثكنة، كان الخبر حينها مفرحا ومخيفا في نفس الوقت؛ فمنذ دخولهم إلى المعسكر كان مايكل يكره هذه الساعة، لكن اليوم لن يكون مع العمال، انتبه إلى شارات الذين بقوا، كانت كلها صفراء، تساءل في نفسه ما الذي يريدونه منا نحن اليهود بالذات، هل جاء أمر بتصفيتنا؟ أم بنقلنا إلى معسكر آخر؟ كما قال بيتر هنا لا يوجد سوى طريقين أمامنا، إما إلى المقبرة أو إلى معسكر آخر.
عندما حل الصباح فتح الباب فجأة، قفز الجميع من أسرتهم المتعفنة التي لم تر نور الشمس مذ دخلوا المعسكر، وقفوا على حالة الاستعداد كالعادة، فدخل أحد ضباط السجن وفي وجهه ابتسامة حقيرة مليئة بالحقد وقال: اليوم يوم سعد لكم أيها الخنازير، هيا اصطفوا خلف بعضكم البعض وتوجهوا نحو الساحة.
تسلل الخوف إلى قلب مايكل عندما سمع كلمة «يوم سعد لكم» هذه الجملة عادة في السجون تقال لمن ينتظره يوم لن ينساه في حياته، تعذيب من نوع آخر لربما، لكن خاصة لليهود دون غيرهم، قال في نفسه: كنت متأكدا أن هنالك نوعا من الحقد الخاص تجاهنا نحن اليهود، حتى وإن اقتنعت ببعض كلام روبرت حول عدم تفرقتهم بين اليهود وغيرهم من المعتقلين. مروا من الساحة كلها وهو غارق في التفكير وبمصيرهم المجهول الذي يتغير من لحظة إلى لحظة.
وقف السير أمام إحدى الثكنات التي تبدو أنها خاصة بضباط المعسكر، نظر يمينا فرأى مجموعات أخرى يتم سوقها تجاههم، الكل يحمل في صدره مثلثا أصفر اللون، كانت الغرفة التي دخلها مايكل مع من كانوا معه مختلفة تماما عن ثكنتهم المتعفنة والكئيبة والمظلمة، النوافذ كبيرة ومشرعة، والهواء نقي مع رائحة ورود خفيفة، وأشعة الشمس قد تسللت بلطف إليها لتسلك طريقا مستقيما من النافذة وقد رسمت على الأرضية شكلا مستطيلا، وطاولة كبيرة في المنتصف عليها الكثير من الأوراق والأقلام المبعثرة ودمى جنود نازية صغيرة صنعت من الحديد، ويجلس خلفها ضابط بملامح هادئة يبدو عليه الترف من تقاسيم وجهه الجميل وشعره الأصفر الممشط نحو اليسار وخلفه على الحائط علم أحمر كبير في وسطه شعار النازية «الصليب المعقوف»، كان منشغلا يقرأ ورقة ما حين دخلوا عليه ولم يعر لوجودهم اهتماما إلى أن تنحنح الحارس وقال: هؤلاء المجموعة الأولى من اليهود كما طلبتم سيدي.
رفع رأسه ونظر إلى وجوههم واحدا تلو الآخر ولم يتكلم بشيء، بعدها قام من مقعده وتوجه نحو النافذة، أطرق نظره نحو الساحة، وقال: إذن أنتم اليهود. - نعم سيدي.
بعدها توجه نحو طاولته وحمل ورقة مكتوبا عليها بعض الكلمات وما بينها فراغات، رفعها بيده اليمنى عاليا من الطرف العلوي للورقة، وقال: هذا صك حياة كل واحد منكم، نحن هنا في معسكر داخاو، كنا مسرورين جدا بتواجدكم معنا، وأعتقد أنتم كذلك بلا شك، لكن اليوم القرار موكل إليكم؛ فلقد جاءتنا أوامر من القيادة العليا أن كل يهودي في المعسكر يوقع تعهدا بترك ألمانيا بغضون ثلاثة أشهر من توقيعه التعهد سيتم الإفراج عنه، أما الذي يرفض فسيبقى معنا وبالطبع نحن نسعد ببقائه .. قالها مع ابتسامة معروفة السبب بالنسبة للمعتقلين.
ناپیژندل شوی مخ