جينوسايد
جينوسايد: الأرض والعرق والتاريخ
ژانرونه
قيدوا أيديهم وفتشوا عن أسلحة بحوزتهم، وربطوا الأحصنة مع بعضها البعض بحبل طويل، ثم حملوا قائد المهمة ووضعوه فوق الحصان مستلقيا على بطنه.
كانت الحادثة أكبر صدمة لأرتين في حياته، بقي مذهولا بالذي حدث، في لحظة واحدة انقلب كل شيء رأسا على عقب! تساءل كيف حصل كل هذا في غفلة منهم؟! وكيف لهم ألا يستطلعوا الطريق قبل إرسالنا في هذه المهمة! همس في أذن صديقه الذي كان يردفه على الحصان: ألم يستطلعوا الطريق قبل خروجنا؟ - لا أعتقد ذلك؛ لأن هذا الطريق من آمن طرقنا إلى تبريز .. سنوات عديدة نمر من هنا ولم نصادف يوما دورية واحدة! - لكن كيف حصل ذلك؟! - لربما بعد عملية البارحة على الوالي قد أتوا بعساكر إضافيين من البلدات الأخرى بغية البحث عن المنفذين.
كفوا عن الكلام! صاح أحد الجنود.
بعدها وصلوا إلى قرية صغيرة على سفح الجبل من الجهة البعيدة عن المكان الذي تم إلقاء القبض عليهم فيه، أدخلوهم أحد البيوت هناك، كان لا يبدو عليه مركزا للجيش العثماني. فكر أرتين في الأمر وقال: لربما لا يريدون كشف مكانهم في هذه القرية النائية؛ فالمهربون والعصابات العشائرية تكثر في مثل هذه المناطق. وضعوهم في غرفة صغيرة وأغلقوا الباب الحديدي عليهم.
كانت الغرفة باردة ومظلمة، فيها نافذة علوية صغيرة ورائحة رطوبة ثقيلة تملأ المكان، كتابات قديمة على الجدران تدل على ذكريات أليمة لمن كان فيها. بعدها فتح الباب فجأة، دخل أحدهم وهو يحمل دلو ماء بارد سكبه على وجه قائد المهمة، فصحا من غيبوبته وهو يشهق، ثم سحبه من يديه إلى الغرفة المجاورة.
كان صدى صراخه تحت التعذيب يرج في قلب أرتين ويدب الرعب فيه. تسلل الخوف إلى كل أرجاء جسده وبدأ يرتجف ويشهق من شدة الارتجاف، انتبه إلى صديقه فرآه ينظر إليه بنظرات تملؤها الثقة، فخجل من نفسه أرتين وأراد أن يستدرك الموقف: البرد قارس هنا.
هز رأسه وأشاح بوجهه عن أرتين الذي كان يحاول بث الشجاعة في نفسه: «مهما يكن فلن أعترف بشيء، إن اعترفت بمكانهم فسوف يخسر الأرمن من يدافعون عنهم، وأحمل عار هذه الخسارة طوال حياتي.»
وفي خضم التحضير الذهني للتعذيب دفع الباب مرة أخرى ورمي القائد إلى الغرفة وانقض على أرتين اثنان منهم وأخذوه إلى غرفة التعذيب حتى إنه لم يستطع الاطمئنان على القائد. نزعوا قميصه ثم قيدوا قدميه ويديه بسلاسل حديدية مثبتة على الحائط، حتى شل عن الحركة، وقبل أن يسألوه شيئا بدأ حامل السوط بالضرب على بطنه وصدره، كلما زاد الجلاد قوته في كل ضربة ارتفع صراخ أرتين أكثر فأكثر وكأن الصراخ هو المنفذ الوحيد للألم. تدلى رأسه للأسفل من شدة التعذيب، فانتبه إلى آثار السياط على جسده الأبيض؛ خطوط مستقيمة حمراء داكنة كأنها أعواد خيزران منثورة على الأرض.
الفصل الثامن
القدس - فلسطين 1943م
ناپیژندل شوی مخ