فانتبه لنفسه بغتة وقال مبتسما: «لا يا والدتي ليس هناك ما يكدرني، بل أنا في غاية السرور من نزهة هذا اليوم، ولا أعلم لماذا يشعر الإنسان بعد مثل هذا السرور بالانقباض، ولعل هذا من قبيل رد الفعل، وعلى كل حال هذه ليست المرة الأولى التي شعرت فيها بمثل هذا الشعور، فإني كلما عدت من مجتمع سار أبقى مدة صامتا أراجع في مخيلتي ما شاهدته من المناظر وما سمعته من الأحاديث.»
فقالت شقيقته: «هذا صحيح، فأنا أيضا أشارك حبيبا في هذا الشعور، وها أنا ذا كنت صامتة مثله أفكر فيما سعدنا به اليوم في رحلتنا اللطيفة، خصوصا لوجودي مع صديقتي أدما.»
فلما سمع حبيب اسم أدما، خفق قلبه وعاد إلى هواجسه، فقالت والدته تخاطب شقيقته: «حقا يا شفيقة إن أدما عاقلة لطيفة قريبة من القلب كثيرا، وقد كنت تمدحينها أمامي كثيرا ولكنني عاينت منها فوق ما كنت أسمع.»
فسر حبيب لهذا الحديث، وأراد أن يستزيد من معرفة رأي والدته في أدما، فقال لها: «ألم تعرفيها قبل الآن يا أماه؟»
فقالت: «لا يا ولدي، ولكني كنت أسمع عنها مدحا كثيرا من شقيقتك منذ كانتا زميلتين في المدرسة في بيروت، وقد رأيتها قبل اليوم في زيارات سريعة لأسرتها. أما اليوم فقد قضينا معظم النهار معا فرأيت منها لطفا كثيرا وأدبا جما وأعجبني تهذيبها ولطف حديثها، كما سرني تعلقها بشفيقة وتعلق شفيقة بها.»
فقال: «إن أيام المدرسة تنمو فيها المحبة وتشتد.»
فقالت شفيقة: «صدقت يا أخي، ولكني أحببت أدما أكثر مما أحببت غيرها من رفيقاتي.»
فقال حبيب وقد ازداد سروره لمحبة والدته وشقيقته لأدما: «إنها حقا غاية في اللطف والتهذيب وجديرة بكل إعجاب وتقدير.»
وكانت والدته أثناء ذلك تفكر في خطبة أدما لحبيب، فأرادت أن تستطلع رأيه في ذلك ولكنها أمسكت عن ذلك لوجود ابنتها معهما على أن تنتهز فرصة أخرى لمخاطبته في هذا الشأن.
وهكذا انقطع الحديث حتى وصل القطار إلى حلوان.
ناپیژندل شوی مخ