فنهضت قائلة: «لا ثقلة علي في ذلك.» ثم مضت إلى غرفتها وجاءته بتلك الرسالة وجلست بجانبه لتريه جمال خط أدما، ثم قالت له وهي تضحك: «أخشى أن تسخر من العبارات التي تضمنها الخطاب، ولكننا كنا ما زلنا أطفالا حينذاك.»
فقال: «العفو يا آنسة.»
وفيما هما في ذلك فوجئا بدخول سليم عليهما، فبغتا وبدا الخجل في وجهيهما، مع أنهما لم يكونا في حالة توجب الخجل ولكنهما لم يكونا ينتظران مجيئه في تلك الساعة.
وكان سليم قد مل الجلوس في الحديقة فحدثته نفسه بأن يزور خطيبته في تلك الساعة على غير المعتاد لعله يستطلع شيئا مما سمعه عنها، ودخل البيت دون أن يقرع الجرس فاتفق وصوله إلى قاعة الجلوس في اللحظة التي كانت سلمى فيها جالسة بجانب حبيب تريه خط أدما في رسالتها إليها، فرآهما ووجهاهما متقاربان، وهما ينظران في ورقة أمامهما ويضحكان، فلما رأى بغتتهما، تحقق صحة ما سمعه عن علاقتهما من داود، ولا سيما أن زيارة حبيب للمنزل كانت في وقت غير عادي، وأن سلمى كانت بثياب البيت.
ولا حاجة بنا إلى شرح عواطفه عند مشاهدته سلمى وحبيبا في تلك الحال، فازداد وجهه انقباضا وحدثته نفسه بأن يوبخهما ولكنه أمسك وتجلد، إما خجلا وإما تعقلا، لكنه لم يستطع إخفاء عواطفه.
أما سلمى فإنها لبراءتها لم يخامرها شك في اعتقاد حبيبها، فلما دخل الغرفة خفت لاستقباله مسلمة ومدت يدها إليه مصافحة، فلما لمست يده شعرت بارتعاشها وبأنها باردة كالثلج، ثم أخفت الرسالة خوفا من رغبته في استطلاع سبب وجودها معها وذلك ربما يغضب حبيبا.
وأما حبيب فحيا صديقه ببشاشة، لكنه لم يلق منه إلا إعراضا.
ثم جلس الجميع وسليم مقطب الوجه ممتقع اللون، فأدركت سلمى أن إخفاء الرسالة ربما أوجب سوء ظن سليم، فأخرجتها من جيبها ووجهت كلامها إليه وقالت ضاحكة: «إني ليضحكني تذكر أيام المدرسة يوم كنا نكتب مثل هذا الخطاب الذي كنت أطلع الخواجة حبيب عليه الآن، وهو من صديقتي الآنسة أدما كتبته منذ بضع سنين يوم كانت في المدرسة في بيروت، وكنا نتحدث عن جمال خطها فلم يصدق أنه جميل فأخرجته لأطلعه عليه.»
ثم دفعت الخطاب إلى سليم لكي يراه فمد يده وتناوله، ولم يكد ينظر إليه حتى أعاده إليها ببرود وهو يتكلف الابتسام.
فخجلت سلمى لهذه المعاملة المهينة، لكنها كظمت عواطفها وسألت سليما عن سبب اضطرابه، فقال: «إني متكدر من بعض الأمور الشخصية المتعلقة بالعمل.»
ناپیژندل شوی مخ