وأكدت له أن الروث يمكن أن يرى كالجنطيانا. - لا يكون ذلك في ظني إلا في المكان الذي كنت تكتبين عنه؛ ذلك المكان الصافي الذي يقع بين الفكر والصمت.
وأومأت سوزيلا برأسها موافقة. - كيف تبلغين هذا المكان؟ - إنك لا تبلغه، إنما هو يأتي إليك. أو على الأصح «هناك» هو في الواقع «هنا».
وشكا لها بقوله: ما أشبهك برادا الصغيرة؛ ترددين كالببغاء ما يقول راجا العجوز في مستهل هذا الكتاب!
قالت: إذا كنا نردده فلأنه حق. وإذا نحن لم نردده كنا منكرين للواقع.
وسألها: أي واقع؟ إنه بالتأكيد ليس واقعي.
ووافقته قائلة له: ليس واقعك في الوقت الحاضر. ولكن إن أنت فعلت الأشياء التي يوصي بها راجا العجوز ربما صار واقعك.
وبعد صمت قليل سألها: هل كانت لك مشكلات مع والديك؟ أم هل كنت دائما ترين الغائط كزهر الجنطيانا؟
أجابت: ليس في هذه السن. لا بد أن يكون الأطفال مثنويين مانويين. ذلك هو الثمن الذي يجب أن ندفعه جميعا لكي نتعلم مبادئ إنسانيتنا. أما أن يرى المرء غائطا وكأنه زهر الجنطيانا، أو بالأحرى يرى الغائط والجنطيانا على حد سواء كأنهما «جنطيانا» فذلك أمر لا يتحقق إلا بعد التخرج من الجامعة. - ماذا إذن فعلت بأبويك؟ تكشرين وتحتملين ما لا يحتمل؟ أم هل كان أبوك وأمك يحتملان ؟
أجابت: كل منهما محتمل على حدة وبخاصة والدي، ولكنهما معا لا يحتملان؛ لأن كليهما لا يحتمل الآخر. امرأة صاخبة مرحة منطلقة تزوجت من رجل منطو على نفسه شديد الحساسية يجدها مثيرة لأعصابه دائما، خاصة - كما أظن - في الفراش. إنها لم تكف عن الاتصال به، في حين أنه لم يكن البادئ قط. حتى كانت في عينه ضحلة غير مخلصة له، وكان في عينها بلا قلب، محقرا من شأنها يفتقر إلى المشاعر الإنسانية الطبيعية. - كنت أحسب أنكم هنا أكثر حصافة من أن تقعوا في هذا الفخ.
وأكدت له أنهم فعلا أكثر حصافة: فنحن نعلم البنين والبنات بصفة خاصة ماذا يتوقعون من الناس الذين يختلفون عنهم في التكوين البدني وفي المزاج. ولكن يحدث أحيانا - لسوء الحظ - أن الدروس لا يكون لها تأثير كبير فيما يبدو. وليس هناك ما يدعوني إلى أن أذكر أن البعد السيكولوجي بين فرد وآخر يكون في بعض الحالات أكبر من أن يسمح بالاتصال. على أية حال الواقع أن أبي وأمي لم يكونا على اتفاق، والله وحده يعلم كيف وقعا في حب متبادل، ولما اشتد التقارب بينهما وجدت أمي في تزمته إيذاء لها، في حين أن حبها الشديد للزمالة بغير حواجز جعله ينكمش في حيرة من أمره وفي نفور. وكنت دائما أتعاطف مع أبي؛ فأنا شبيهة به في مزاجي وفي تكويني البدني، ولست البتة على شبه بأمي. وأذكر - حتى وأنا في نعومة أظفاري - كيف كنت أتحاشى مرحها الشديد، وقد كانت تعتدي دائما على عزلتي، وما زالت. - هل ترينها كثيرا؟ - قلما أفعل ذلك؛ لها عملها الخاص وأصدقاؤها الخاصون. الأم، في دنيانا اسم لوظيفة بكل معنى الكلمة. وبعدما تؤدي الوظيفة تماما يسقط هذا اللقب، ويبدأ نوع جديد من العلاقة بين الطفل السابق والمرأة التي كانت تدعى «أما». فإن كانا على اتفاق يستمر بينهما التلاقي في كثير من الأحيان. أما إن كانا على غير اتفاق فإنهما يفترقان. ولا ينتظر منهما أحد أن يتعلق أحدهما بالآخر . وليس هذا التعلق مرادفا للمحبة؛ ولا ينظر إليه كأمر جدير بالتقدير بصفة خاصة. - ولذلك فالأمور كلها الآن على ما يرام. ولكن كيف كانت الأمور حينذاك؟ ماذا حدث عندما كنت طفلة تترعرعين بين شخصين لم يمكن سد الفجوة التي كانت تفصل بينهما؟ أنا أعرف ماذا يعني ذلك؛ أعرف أنه يقلب ما تعودنا أن نختتم به القصص الخيالية، ويجعل النهاية: «وهكذا عاشا بعد ذلك بغير ثبات وغير نبات.»
ناپیژندل شوی مخ