فحين انتهى إلينا ما تلك المقامات الشريفة عليه، وما وجهت هممهم من الإنتصار لدين الله الحنيف إليه، وجهنا الولد السيد العلامة العلم شمس الدين أحمد بن محمد بن لقمان بن أحمد بن شمس الدين بن أمير المؤمنين المهدي لدين الله أحمد بن يحيى بن المرتضى بن رسول الله(1) -صلى الله عليه وآله وسلم- إذ كان هذا السيد ممن جمع بين خصال الفضل من العلم الواسع والفهم البارع، والإقدام الرائع، والثبات في مقامات الجهاد والوقائع، واخترنا معه طائفة منصورة إن شاء الله من المجاهدين الذين أختبروا في المعارك فكانوا حماتها، واختيروا لمدافعة الظالمين في مواقف الحرب فكانوا أقطابها، راجين إن شاء الله تعالى أن يكون قدومهم على تلك الحضرات الشريفة والمواقف المنيفة، زيادة في هممهم ومجدهم وعلو كلمتهم العالية التي ورثوها عن آبائهم وجدهم، وشحذا لعزائمهم الماضية على تطهير تلك البقاع الشريفة [14/ب] عن أمر من لم يجعل الله له حظا في الأمر من هذه الأعاجم التي وثبت على مقام سادتها، الذين أنزل الله فيهم آيات الذكر حين وسعت لهم الشبهة العرب(2) بحسدها لأهل بيت نبيها، وملكتهم رقابها إذا مهدت(3) لهم قاعدة الإغتصاب(4) بما ارتكبته في حق وليها ووصيها، وكانت قريش في ذلك أصل هذه الطامة الكبرى إذ صدفوا بالأمر عن الوصي وقطعوا رحم بني الزهراء حتى قال أمير المؤمنين وسيد الوصيين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه في الجنة: "اللهم إني استعديك على قريش ومن أعانهم، فإنهم قطعوا رحمي، وصغروا عظيم منزلي، وأزمعوا على منازعتي، أمر هو لي ثم قالوا: ألا إن في الحق أن تأخذه وفي الحق أن تتركه، (5) ولله در أبي الهيثم بن التيهان(6) رضى الله عنه إذ قام خطيبا بين يدي أمير المؤمنين علي -عليه السلام- فقال: إن حسد قريش إياك على وجهين: أما خيارهم فتمنوا أن يكونوا مثلك منافسة في الملأ وارتفاع الدرجة، وأما شرارهم فحسدوك حسدا أنغل القلوب وأحبط الأعمال، وذلك أنهم رأوا عليك نعمة قدمك إليها الحظ وأخرهم عنها الحرمان، فلم يرضوا أن يلحقوك حتى طلبوا أن يسبقوك فبعدت والله عليهم الغاية وأسقط الضمان، فلما تقدمتهم بالسوابق وعجزوا عن اللحاق بلغوا منك ما رأيت وكنت والله أحق قريش بشكر قريش نصرت نبيهم حيا وقضيت عنه الحقوق ميتا، والله ما بغيهم إلا على أنفسهم، ولا نكثوا إلا بيعة الله، يد الله فوق أيدهم، فها نحن معاشر الأنصار أيدينا وألسنتنا لك، فأيدينا على من شهد، وألسنتنا على من غاب.
نعم فلما(1) نسيتم ظلامة آل محمد -صلى الله عليه وآله وسلم- وأنتم يا سادات الأنام موجودون، ولما تستدعون تمليك أنفسكم وبلدكم الحرام علوج الأعاجم، وأنتم لحتفهم إن شاء الله تعالى معدودون، فاشعبوا هذا الصدع باجتماع الكلمة فيما بينكم، وارأبوا هذا الثائي(2) بما يعود إن شاء الله بعز الدنيا والآخرة إليكم ، واجمعوا أيديكم على نصرة الحق اجتماعا لا يلحقه إن شاء الله افتراق، وألفوا قلوبكم ائتلافا يصدع الله به أفئدة من يقول: {ربنا آتنا في الدنيا وما له في الآخرة من خلاق}[البقرة:200][15/أ].
مخ ۳۵