أمير المؤمنين أبو الحسن علي بن أبي طالب ابن عبد المطلب، ابن عم رسول الله صل الله عليه وسلم، القريب القرابة. وهو أول بالنبي عليه السلام من الصبيان. قيل إنه أسلم وهو ابن ثلاث عشرة سنة، روى ذلك نافع عن ابن عمر. وقيل إنه أسلم، وهو ابن عشر سنين، قاله ابن إسحاق.
وذكر أبو زيد عمر بن شبه قال: نا سريج بن النعمان قال: نا الفرات بن السائب عن ميمون بن مهران، عن ابن عمر فقال:
أسلم علي بن أبي طالب وهو ابن ثلاث عشرة، وتوفي وهو ابن ثلاث وستين، وهذا أصلح ما قيل في ذلك. وقد روي عن ابن عمر من وجهين جيدين.
وروى شعبة عن سلمة بن كهيل عن حبة العرني (1) قال:
سمعت عليا يقول: أنا أول من صلى مع رسول الله صل الله عليه وسلم. وقال
مخ ۷
زيد بن أرقم (1): أول من آمن بالله بعد رسول الله صل الله عليه وسلم علي بن أبي طالب. وعن أنس بن مالك قال: استنبئ النبي عليه السلام يوم الاثنين، وصلى علي يوم الثلاثاء. وروى سفيان الثوري عن سلمة بن كهيل، عن أبي صادق، عن حنش بن المعتمر (2)، عن عليم الكندي، عن سلمان الفارسي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أولكم ورودا علي الحوض أولكم إسلاما علي بن أبي طالب ".
وحدث عبد العزيز بن محمد الدراوردي قال: حدثني عمر مولى غفرة قال: سئل محمد بن كعب القرظي (2) عن أول من أسلم علي أو أبو بكر. قال: سبحان الله علي أولهما إسلاما!.
وعن معاذة بنت عبد الله العدوية (3) قالت: سمعت علي بن أبي طالب
مخ ۸
على منبر البصرة وهو يقول: " أنا الصديق الأكبر، آمنت قبل ان يؤمن أبو بكر، وأسلمت قبل أن يسلم ".
وروى إبراهيم بن سعيد الزهري عن ابن إسحاق، قال:
حدثني يحيى بن أبي الأشعث، عن إسماعيل بن إياس بن عفيف الكندي، عن أبيه، عن جده، قال: كنت أمرا تاجرا. فقدمت الحج، فأتيت العباس بن عبد المطلب لأبتاع منه بعض التجارة، وكان أمرا تاجرا. فوالله إني لعنده إذ خرج رجل من خباء في بيت، فنظر إلى الشمس، فلما رآها قد مالت قام يصلي. قال:
ثم خرجت امرأة من ذلك الخباء الذي خرج منه ذلك الرجل، فقامت خلقه تصلي. ثم خرج غلام حين راهق الحلم من ذلك الخباء، فقام معه يصلي. فقلت للعباس: من هذا يا عباس؟
قال: هذا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب ابن أخي.
قلت: من هذه المرأة؟ قال: هذه امرأته خديجة بنت خويلد.
قلت: من هذا الفتى؟ قال: علي بن أبي طالب ابن عمه.
قلت: ما هذا الذي يصنع؟ قال: يصلي. وهو يزعم أنه نبي، ولم يتبعه على أمره إلا امرأته وابن عمه هذا الغالم. وهو يزعم أنه ستفتح عليه أمره إلا امرأته وابن عمه هذا الغلام. وهو يزعم أنه ستفتح عليه كنوز كسرى وقيصر. فكان عفيف يقول، وقد أسلم بعد ذلك، وقد حسن إسلامه: لو كان الله رزقني الإسلام يومئذ بعد ذلك، وقد حسن إسلامه: لو كان الله رزقني الإسلام يومئذ فأكون ثانيا مع علي.
وقال مجاهد بن جبر أبو الحجاج (1): كان من نعمة الله
مخ ۹
تعالى على علي بن أبي طالب، ومما صنع الله تعالى له، وأراد به من الخير أن قريشا أصابتهم أزمة شديدة. وكان أبو طالب ذا عيال كثير. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للعباس عمه، وكان من أيسر بني هاشم: " يا عباس إن أخاك أبا طالب كثير العيال، وقد أصاب الناس ما ترى من هذه الأمة. فانطلق بنا إليه، فلنخفف من عياله. آخذ من بنيه رجلا، وتأخذ أنت رجلا، فنكفهما عنه ". قال العباس: نعم. فانطلقا حتى أتيا أبا طالب: فقالا له: إنا نريد ان نخفف عنك من عيالك، حتى ينكشف عن الناس ما هم فيه. فقال لهما أبو طالب: إذا تركتما لي عقيلا فاصنعا ما شئتما. فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا فضمه إليه. وأخذ العباس جعفرا فضمه إليه. فلم يزل علي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بعثه الله نبيا، فأتبعه علي، وآمن به وصدقه. ولم يزل جعفر العباس حتى أسلم علي، وآمن به وصدقه. ولم يزل جعفر عند العباس حتى أسلم واستغنى عنه.
وذكر ان رسول الله صلى الله عليه وسلم في أول الإسلام كان إذا حضرته الصلاة خرج إلى شعاب مكة، وخرج معه علي ابن أبي طالب مستخفيا من عمه أبي طالب ومن جميع أعمامه وسائر قومه، فيصليان الصلوات فيها. فإذا أمسيا رجعا فمكثا كذلك ما شاء الله تعالى أن يمكثا.
ثم إن أبا طالب عثر عليهما يوما، وهما يصليان. فقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: يا بن أخي، هذا الدين الذي أراك تدين به؟ قال: " أي عم، هذا دين الله ودين ملائكته ودين رسله ودين أبينا إبراهيم ". أو كما قال صلى الله عليه
مخ ۱۰
وسلم: " بعثني الله به رسولا إلى العباد. وأنت أي عم أحق من بذلك له النصيحة، ودعوته إلى الهدى، وأحق من أجابني إليه، وأعانني عليه "، أو كما قال. فقال أبو طالب: أي ابن أخي، إني لا أستطيع ان أفارق دين آبائي وما كانوا عليه، ولكن والله لا يخلص إليك بشئ تكرهه ما بقيت. وقال لعلي بن أبي طالب:
أي بني، ما هذا الدين الذي أنت عليه؟ فقال: يا أبت، آمنت برسول الله صلى الله عليه وسلم، وصدقته بما جاء به، وصليت معه لله تعالى، وأتبعته.
فزعموا أنه قال له: أما إنه لم يدعك إلا إلى خير فالزمه.
وروى سلمة بن كهيل عن حبة بن جوين قال: سمعت عليا رضي الله عنه يقول: " لقد عبدت الله قبل ان يعبده أحد من هذه الإمامة خمس سنين ".
ولما دبرت قريش في دار الندوة في رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الهجرة بيسير ما دبرت، وأرادوا المكر به، ومعهم إبليس في صورة شيخ نجدي، أتى جبريل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: لا تبت هذه الليلة على فراشك الذي كنت تبيت عليه. قال: فلما كانت عتمة من الليل اجتمعوا على بابه يرصدونه متى ينام، فيثبون عليه. فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم مكانهم قال لعلي بن أبي طالب: " نم على فراشي، وتسج بردي هذا الحضرمي الأخضر، فنم فيه فإنه لن يخلص إليك شئ تكرهه منهم.
قال محمد بن كعب القرظي: اجتمعوا له وفيهم أبو جهل
مخ ۱۱
بن هشام فقال، وهم على بابه: إن محمدا يزعم أنكم إن تابعتموه على أمره كنتم ملوك العرب والعجم، ثم بعثتم من بعد موتكم، فجعلت لكم جنان كجنان الأردن، وإن لم تفعلوا كان لكم فيه ذبح، ثم بعثتم من بعد موتكم، فجعلت لك نار تحرقون فيها. قال: وخرج عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخذ حفنة من تراب في يده ثم قال: " نعم، أنا أقول ذلك، أنت أحدهم ". وأخذ الله تعالى على أبصارهم عنه، فلا يرونه.
فجعل ينثو (١) ذلك التراب على رؤوسهم، وهو يتلو هؤلاء الآيات من يس: (يس، والقرآن الحكيم إنك لمن المرسلين). إلى قوله تعالى: ﴿وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا فأغشيناهم فهم لا يبصرون﴾ (2). حتى فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من هؤلاء الآيات، ولم يبق منهم رجل إلا وقد وضع على رأسه ترابا. ثم انصرف إلى حيث أراد. فأتاهم آت ممن لم يكن معهم، فقال: ما تنتظرون ها هنا؟ قالوا: محمد. قال:
خيبكم الله، قد والله خرج عليكم محمد، ثم ما ترك منكم رجلا إلا وقد وضع على رأسه ترابا، وانطلق لحاجته. أفما ترون ما بكم؟ قال: فوضع كل رجل منهم يده على رأسه، فإذا عليه تراب. ثم جعلوا يطلعون فيرون عليا على الفراش متسجيا ببرد رسول الله صلى الله عليه وسلم. فيقولون: والله إن هذا لمحمد نائما، عليه برده. قال: فلم يبرحوا كذلك حتى أصبحوا. فقام علي عن الفراش. فقالوا: والله لقد كان صدقنا الذي كان حدثنا. وكان مما انزل الله تعالى من القرآن في ذلك اليوم، وما
مخ ۱۲
كانوا اجمعوا له من المكر بالنبي عليه السلام: ﴿وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك. ويمكرون ويمكر الله، والله خير الماكرين﴾ (1).
ولما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة أقام علي بمكة ثلاث ليال وأيامها حتى أدى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى إذا فرغ منها لحق برسول الله صلى الله عليه وسلم، فنزل معه على كلثوم بن هدم الأوسي (2).
وأجمع رواة الآثار على آن عليا صلى القبلتين، وهاجر، وشهد بدرا والحديبية وسائر المشاهد، وأنه أبلى ببدر وبأحد والخندق وخيبر بلاء عظيما، وأنه أغنى في تلك المشاهد، وقام فيها المقام الكريم. وكان لواء رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده في مواطن كثيرة. وكان يوم بدر بيده على اختلاف في ذلك.
ولما قتل مصعب بن عمير (3) يوم أحد، وكان اللواء بيده
مخ ۱۳
دفعه رسول الله صلى الله وسلم عليه وسلم إلى علي: وشهد بدرا وهو ابن خمس وعشرين سنة، قاله ابن إسحاق.
وذكر ابن السراج في تاريخه عن مقسم، عن ابن عباس قال: دفع رسول الله صلى الله عليه وسلم الراية يوم بدر إلى علي، وهو ابن عشرين سنة.
ولم يتخلف عن مشهد شهده رسول الله صلى الله عليه وسلم مذ قدم إلى المدينة إلا في غزوة تبوك، خلفه فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم على عياله، وقال له: " أنت مني بمنزلة هارون من موسى، إلا أنه لا نبي بعدي ". وروي قوله عليه السلام لعلي: " أنت مني بمنزلة هارون من موسى " جماعة من الصحابة، وهو من أثبت الآثار وأصحها. رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم: سعد بن أبي وقاص، وطرق حديث سعد فيه كثيرة جدا، وقد ذكرها ابن أبي خيثمة (1) وغيره. ورواه جابر بن عبد الله، وأسماء بنت عميس (2)، وابن عباس، وأبو سعيد
مخ ۱۴
الخدري، وأم سلمة.
الترمذي: حدثنا القاسم بن دينار الكوفي: نا أبو نعيم، عن عبد السلام بن حرب، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب، عن سعد بن أبي وقاص أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعلي: " أنت مني بمنزلة هارون من موسى ". قال: هذا حديث حسن صحيح.
الترمذي: حدثنا محمود بن غيلان: نا أبو أحمد الزبيري:
نا شريك عن عبد الله بن محمود بن غيلان: نا أبو أحمد الزبيري:
نا شريك عن عبد الله بن محمد بن عقيل، عن جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعلي: " أنت مني بمنزلة هارون من موسى، إلا أنه لا نبي بعدي " وحدت يحيى بن معين (1) قال: نا مروان بن معاوية الفزاري، عن موسى الجهني، عن فاطمة بنت علي قالت:
سمعت أسماء بنت عميس تقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لعلي: " أنت مني بمنزلة هارون من موسى، الا
مخ ۱۵
أنه ليس بعدي نبي ".
وتزوج علي فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في صفر في العام الثاني من الهجرة، وابتنى بها في ذي الحجة من آخر العام. وروي أنه مهرها درعه، إذ لم يكن له في ذلك الوقت صفراء ولا بيضاء. وقيل إن عليا رحمه الله، تزوج فاطمة على أربع مئة وثمانين درهما. فأمره النبي عليه السلام أن يجعل ثلثها في الطيب. وقيل إن عليا قدم الدرع من اجل الدخول بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم إياه بذلك. وكان سنها يوم تزوجها خمس عشرة سنة وخمسة أشهر ونصفا. وكانت سن علي، رحمه الله، يومئذ إحدى وعشرين سنة وخمسة أشهر.
وقالت عائشة، رضي الله عنها: ما رأيت أحدا كان أشبه برسول الله صلى الله عليه وسلم كلاما وحديثا من فاطمة ابنته.
وكان يحبها حبا شديدا. وكانت إذا دخلت عليه قام إليها، وقبل بين عينيها ورحب بها وأجلسها في مجلسه. كما كانت تصنع هي به صلى الله عليه وسلم.
وقال ابن السراج محمد بن إسحاق بن إبراهيم أبو العباس:
حدثنا محمد بن حميد: نا سلمة عن ابن إسحاق، عن يحيى بن عباد، عن أبيه، عن عائشة، قالت: ما رأيت أحدا أصدق لهجة من فاطمة. إلا ان يكون الذي ولدها صلى الله عليه وسلم.
وذكر ابن السراج أيضا: نا محمد بن عبد الأعلى قال: نا عبد الرزاق عن معمر، عن قتادة، عن أنس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " حسبك من تساء العالمين مريم
مخ ۱۶
بنت عمران وخديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد وآسية امرأة فرعون ". وروى عبد الرحمن بن أبي نعم عن أبي سعيد الخدري قال: قال النبي عليه السلام: " فاطمة سيدة نساء أهل الجنة، إلا ما كان من مريم بنت عمران ".
وذكر ابن السراج قال: نا محمد بن الصباح قال: نا علي ابن هاشم عن كثير النواء عن عمران بن حصين ان النبي صلى الله عليه وسلم عاد فاطمة، وهي مريضة فقال لها: " كيف تجدينك يا بنية؟ " قالت: إني وجعة، وإنه ليزيدني أني ما لي طعام آكله.
فقال: يا بنية، أما ترضين إنك سيدة نساء العالمين؟ فقالت: يا أبت، فأين مريم بنت عمران؟ قال: " تلك سيدة نساء العالمين؟ فقالت: يا أبت، فأين مريم بنت عمران؟ قال: " تلك سيدة نساء عالمها، وأنت سيدة نساء عالمك. أما والله، لقد زوجتك سيدا في الدنيا والآخرة ".
ابن السراج بسنده عن جميح بن عمير قال: دخلت على عائشة فسئلت: أي الناس كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: فاطمة. قلت: فمن الرجال؟ قالت:
زوجها، إن كان ما علمته صواما قواما.
مسلم: حدثني زهير بن حرب قال: نا يعقوب بن إبراهيم قال: نا أبي عن أبيه ان عروة بن الزبير حدثه أن عائشة، رضوان الله عليها، حدثته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا فاطمة ابنته، رضي الله عنها، فسارها، فبكت. ثم سارها، فضحكت. فقالت عائشة: فقلت لفاطمة: ما هذا الذي سارك به رسول الله صلى الله عليه وسلم فبكيت، ثم سارك به فضحكت؟
مخ ۱۷
قالت: سارني فأخبرني بموته فبكيت. ثم سارني فأخبرني أني أول من يتبعه من أهله فضحكت.
وتوفيت فاطمة بعد موت رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبعين ليلة. قاله ابن بريدة عن أبيه. وقال عمرو بن دينار:
توفيت فاطمة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم بثمانية أشهر.
وقيل : توفيت بعده بستة أشهر، وهو قول أكثر أصحاب التواريخ والآثار، وقاله مسلم في الصحيح، وقال ذلك محمد بن علي أبو جعفر الباقر وابن هشام.
وقال محمد بم عمر الواقدي: حدثنا معمر عن الزهري، عن عروة، عن عائشة، قال: وأخبرنا ابن جريح عن الزهري، عن عروة، عن عائشة أن فاطمة توفيت بعد النبي عليه السلام بسته أشهر. قال: محمد بن عمرو: هو الثبت عندنا.
وقال المدائني: ماتت فاطمة ليلة الثلاثاء خلون من شهر رمضان، سنة إحدى عشرة، وهي ابنة تسع وعشرين سنة. ولدت قبل النبوة بخمس سنين، وصلى عليها العباس. وقال عبد الله ابن حسن بن حسن بن علي بن أبي طالب: بلغت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثين سنة. وقيل: صلى عليها علي، وهو الذي غسلها مع أسماء بنت عميس، ودفنت ليلا.
ودخل قبرها العباس وعلي والفضل وهي أول من غطي نعشها من النساء في الإسلام. إذ حكت لها أسماء بنت عميس ما يصنع للمرأة إذا ماتت بأرض الحبشة، فأمرتها أن تصنع ذلك لها.
وكذلك صنع بزينب بنت جحش زوج النبي عليه السلام.
ولم يخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم من بنية غيرها.
مخ ۱۸
ويروى أن علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، لما رأى فاطمة، رضي الله عنها، مسجاة بثوبها بكى حتى رثي له. ثم قال:
لكل اجتماع من خليلين فرقه * وإن دون الممات قليل وإن افتقادي واحدا بعد واحد * دليل على أن لا يدوم خليل " طويل " وولدت فاطمة لعلي رضي الله عنهما: الحسن، والحسين، ومحسنا درج صغيرا، وأم كلثوم الكبرى أم زيد بن عمر بن الخطاب (1)، وقد تقدم ذكرها، وزينب الكبرى وكانت عند عبد الله بن جعفر بن أبي طالب (2)، فولدت له جعفرا الأكبر، وعليا، وعونا الأكبر، وعباسا، أم كلثوم.
مخ ۱۹
الحسن بن علي رضي الله عنهما. ولدت فاطمة الحسن للنصف من شهر رمضان سنة ثلاث من الهجرة قبل وقعة أحد بشهر، هذا أصح ما قيل في ذلك إن شاء الله. وعق عنه (1) رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم سابعه بكبش، رأسه، وأمر أن يتصدق بزنته فضة.
مالك عن جعفر بن محمد عن أبيه أنه قال: وزنت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم شعر حسن وحسين وزينب وأم كلثوم فتصدقت بزنة ذلك فضة. مالك عن جعفر بن محمد عن أبيه أنه قال: وزنت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم شعر حسن وحسين وزينب وأم كلثوم، فتصدقت بزنة ذلك فضة.
وقال ابن الجارود: حدثنا أبو بكر محمد بن إسحاق
مخ ۲۰
الصاغاني قال: نا محمد بن عمر القصباني قال: نا عبد الوارث عن أيوب، عن عكرمة، عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم عق عن الحسن والحسين كبشا كبشا، عن الحسن كبشا وعن الحسين كبشا. محمد بن إسحاق أبو بكر الصاغاني شيخ ابن الجارود خرج عنه مسلم. قال ابن أبي حاتم: سمعت منه مع أبي وهو ثبت صدوق.
وكان الحسن من المشبهين برسول الله صلى الله عليه وسلم، وكذلك قثم بن العباس وجعفر بن أبي طالب. الترمذي بسنده عن علي قال: الحسن أشبه رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بين الصدر إلى الرأس، والحسين أشبه النبي صلى الله عليه وسلم ما كان أسفل من ذلك. الترمذي: نا محمد بن يحيى، نا عبد الرزق عن معمر عن الزهري، عن أنس بن مالك قال: لم يكن منهم أحد أشبه برسول الله صلى الله عليه وسلم من الحسن بن علي. قال: هذا حديث حسن صحيح. وقال: نا محمد بن بشار، نا يحيى بن سعيد عن إسماعيل بن أبي خالد، عن أبي جحيفة، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان الحسن بن علي يشبهه. هذا حديث حسن صحيح.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: " حسن مني وحسين من علي ". وقال عليه السلام: " الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة، وأبوهما خير منهما ". وقال صلى الله عليه وسلم في الجنة، وأبوهما خير منهما ". وقال صلى الله عليه وسلم في الحسن: " إن أبني هذا سيد. وسيصلح الله على يده بين فئتين عظيمتين من المسلمين ". وفي حديث آخر أن " ابني هذا سيد، وعسى الله أن يبقيه حتى يصلح به بين فئتين عظيمين من المسلمين ". رواه جماعة من الصباحة. وفي حديث أبي بكرة
مخ ۲۱
في ذلك: " وإنه ريحانتي من الدنيا ". ولا أسود ممن سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم سيدا.
وتصارع الحسن والحسين يوما بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم، فجعل عليه السلام يقول: " إيه يا حسن، إيه يا حسن ". فقالت له فاطمة: يا رسول الله، أتحرض الكبير على الصغير؟ فقال: " يا فاطمة، هذا جبريل يقول يا حسين، إيه يا حسين ".
وكان معاوية، وهو خليفة، إذا دخل عليه الحسن يعظمه ويجله ويجلسه معه على سريره، ويقول له: يا أبا محمد، كأني أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رأيتك لشبهك به.
وحق لمعاوية أن يصنع به هذا الصنع الجميل، وما هو أعز منه وأكرم، ففعل رسول الله عليه وسلم به أكبر وأعظم.
روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سجد في صلاة من الصلوات، فركب الحسن على ظهره، فأطال السجود. قال بعض الصحابة: فرفعت رأسي من السجود، لأنظر ما شأن رسول الله. فرأيت الحسن على ظهره، فرجعت إلى السجود. فلما قضى صلى الله عليه وسلم الصلاة قيل: يا رسول الله، إنك سجدت سجدة في هذه الصلاة فأطلتها. فقال: " إن البني استرحلني فكرهت أن أعجله ".
وحدث أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي في مصنفه قال: نا محمد بن عبد العزيز بن غزوان، وهو ابن أبي رزمة قال: نا الفضل بن موسى عن حسين بن واقد عن عبد الله بن بريدة عن أبيه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب فجأة
مخ ۲۲
الحسن والحسين، عليهما قميصان أحمران، يعثران فيهما. فنزل النبي صلى الله عليه وسلم فقطع كلامه، فحملها فيها. فنزل المنبر. ثم قال: " صدق الله: (أموالكم وأولادكم فتنة) رأيت هذين يعثران في قميصهما، فلم أصبر حتى قطعت كلامي فحملتهما ". وخرج هذا الحديث الترمذي عن الحسن بن حريث عن علي بن حسين بن واقد، عن أبيه. وخرجه أيضا الحافظ أبو نعيم الأصبهاني في كتاب: " رياضة المتعلمين ". فقال: حدثنا محمد بن أحمد بن حمدان: نا الحسن بن سفيان: نا أبو بكر بن أبي شيبة: نا زيد بن حباب عن حسين بن واقد. ومدار هذا الحديث على حسين بن واقد، عن عبد الله بن بريدة.
مسلم: عن أبي هريرة أن الأقرع بن حابس (1) أبصر النبي صلى الله عليه وسلم يقبل الحسن بن علي رضي الله عنه فقال:
إن لي عشرة من الولد، ما قبلت واحدا منهم!. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إنه من لا يرحم لا يرحم ". مسلم:
حدثنا أبن أبي عمر قال: نا سفيان عن عبيد الله بن أبي يزيد، عن نافع بن جبير بن مطعم، عن أبي هريرة قال: خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في طائفة من النهار لا يكلمني ولا أكلمه حتى جاء سوق بني قينقاع، ثم انصرف حتى أتى خباء فاطمة. فقال: " أثم لكع، أثم لكع؟ " يعني حسنا. فظننا أنه
مخ ۲۳
إنما تحسبه أمه لأن تغسله وتلبسه سخابا (1). فلم يلبث أن جاء يسعى حتى اعتنق كل واحد منهما صاحبه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " اللهم إني أحبه فأحبه، وأحبب من يحبه ".
وخرج هذا الحديث البخاري.
مسلم: حدثني عبد الله بن الرومي اليمامي وعباس بن عبد العظيم العنبري قالا: نا النضر بن محمد قال: نا عكرمة، وهو ابن عمار قال: نا إياس عن أبيه قال: لقد قدت بنبي الله صلى الله عليه وسلم والحسن والحسين على بغلته الشهباء. حتى إذا أدخلتهم حجرة النبي صلى الله عليه [وسلم] هذا قدامه وهذا خلفه. إياس الذي روى عنه عكرمة بن عمار هذا الحديث هو إياس بن سلمة بن الأكوع الأسلمي، وأبوه سلمة من كبار الصحابة. شهد بيعة الرضوان، ويظهر منه في غزوة ذي قرد الفعل الكريم والغناء العظيم. وقد ذكرتهما قبل في " أسلم " من خزاعة.
الترمذي: حدثنا محمد بن بشار: نا أبو عامر العقدي: نا رمعة بن صالح عن سلمة بن وهرام، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم حامل الحسن بن علي عل عاتقه. فقال رجل: نعم المركب ركبت يا غلام. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " ونعم الراكب هو ".
وقال: حدثنا محمد بن بشار: نا محمد بن جعفر: نا شعبة عن عدي بن ثابت قال: سمعت البراء بن عازب يقول:
رأيت النبي صلى الله عليه وسلم واضعا الحسن بن علي على عاتقه، وهو يقول: " اللهم إني أحبه فأحبه ". وخرج مسلم هذا
مخ ۲۴
الحديث بسنده ونصه.
الترمذي: عن أسامة بن زيد قال: طرقت النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة في بعض الحاجة. فخرج النبي صلى الله عليه وسلم، وهو مشتمل على شئ لا أدري ما هو. فلما فرغت من حاجتي قلت: ما هذا الذي أنت مشتمل عليه؟ فكشفه، فإذا حسن وحسين عليهما السلام على وركيه. فقال: " هذان ابناي وابنا ابنتي. اللهم إني أحبهما ".
وحفظ الحسن عن النبي صلى الله عليه أحاديث، ورواها عنه. منها حديث الدعاء في القنوت. ومنها: " إنا آل محمد لا تجل لنا الصدقة ". وكان الحسن رضي الله عنه محبا في النساء، كثير النكاح، كثير الطلاق. وكان علي يستحي من أصهار الحسن، فخطب الناس، وقال: إن حسنا مطلاق فلا تنكحوه.
فقام إليه رجل من همدان، فقال: يا أمير المؤمنين: والله لننكحنه فيمسك من شاء ويطلق من شاء. فقال علي، وقد سر بقول الهمداني:
لهمدان أخلاق ودين يزينهم * وبأس إذا لاقوا وحسن كلام فلو كنت بوابا على باب جنة * لقلت لهمدان: ادخلوا بسلام وكان علي، رضي الله عنه، محبا في همدان. وقال يوم الجمل في بطن منهم، وهم بنو ربيعة بن مالك بن معاوية بن صعب بن دومان بن بكيل بن جشم بن خيوان بن نوف بن همدان: " لو تمت عدتهم ألفا لعبد الله حق عبادته ". وكان إذا رآهم تمثل بقول الشاعر:
ناديت همدان والأبواب مغلقة * ومثل همدان سنى فتحه الباب
مخ ۲۵
كالهندواني ثم تفلل مضاربه * وجه جميل وقلب غير وجاب وولي الحسن بعد موت علي عليهما السلام لسبع بقين من شهر رمضان سنة أربعين، وصالح معاوية في شهر ربيع الأول سنة إحدى وأربعين. وقد قيل: في جمادي الأولى من هذه السنة، ويسمى عام صلحه مع معاوية " عام الجماعة ". فكانت خلافته ستة أشهر، تمت بها ثلاثون سنة للخلافة.
روى " سفينة " (1) مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " الخلافة بعدي ثلاثون سنة ثم تعود ملكا ". ولما بويع الحسن سار إلى معاوية بجنود العراق، وسار إليه معاوية بأهل الشام، فالتقوا بموضع يقال له:
" مسكن " (2) بأرض الكوفة، فأصلحوا. وسلم الحسن إليه الخلافة. واشترط عليه شروطا، منها أن يذهب ما بين أهل العراق وبين أهل الشام من الذحول (3) والضغائن، وأن يكون له الأمر من بعده. فرضي معاوية كل ما اشترط عليه الحسن، وكاد يطير فرحا.
مخ ۲۶