اعلم خطاب لكل مكلف بأن العبد مشتق من العبودية وهو الرضى بأفعال الرب والعبادة فعل ما يرضي الرب مبتلى أي ممتحن ومعلوم أن الله تعالى هو الذي ابتلاه كما قال : { إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه } ، وسبب هذا الابتلاء خلق الجزء الاختياري فيه الذي به يصح كون الإنسان فاعلا وتاركا مع أن الله تعالى خالق لجميع أفعال العباد كما قال { والله خلقكم وما تعملون } بين أن يطيع الله تعالى أي يمتثل أمره ويجتنب نهيه في القطعي والظني فيثاب أي يثيبه الله تعالى في الآخرة وبين أن يعصيه أي يخالف أمره ونهيه كذلك فيعاقب في الآخرة لا إلى أمد إن كفر بعصيانه وإلا فهو تحت المشيئة بلا خلود كما هو مذهب أهل الحق والابتلاء المذكور من الله تعالى لكل عبد يتعلق بالمشروع أي المطلوب شرعا والشرع البيان قال الله تعالى : { شرع لكم من الدين } أي بين وأظهر ولما كانت أحكام الله تعالى قديمة كذاته وصفاته وأسمائه وأفعاله والحادث منفعلاته فقط ناسب أن تسمى أحكامه تعالى باسم الشرع لأنها شرعت لنا أي بينت وأظهرت فينا على السنة الوسايط المعصومين وهم ثلاثة الملك والنبي وجماعة المسلمين ولهذا كان التواتر يفيد اليقين وغير المشروع أي غير المطلوب في الشرع فعلا راجع للشيئين وكذلك تركا فلا بد لكل المكلف من بيان أنواع المشروعات ولم يقل وغير المشروعات أخرها لأنها مفهومة من المشروعات لكونها راجعة لإخلال بها أو لأن بيان المشروعات أهم تحسينا للظن بالمكلف وإظهار الشرف للمشروعات وإن كان النهي مقدما على الأمر فبيانه أهم من الأمر لاقتضائه التكرار لكونه مختصرا من نكرة منفية تفيد العموم بخلاف الأمر لأنه مختص من نكرة مثبتة تخص وبيان معانيها أي معاني المشروعات وغيرها والمراد مفهوماتها الشرعية إذ من لم يعرف معنى الفرض مثلا لا يصح منه وإذا لم يصح قصده لا يصح أداؤه قال في الأشباه والنظائر من ينوي الفرض ولا يعلم معناه لا يجزيه ، وبيان أحكامها جمع حكم أي آثارها التي تنتجه دنيا وآخره ليسهل على الطالب النجاة من الله تعالى دركها أي معرفتها وضبطها أي إتقانها ، فنقول في بيان ذلك وبالله أي لا بغيره التوفيق وهو خلق قدرة الطاعة في العبد :
المشروع أي الذي شرعه الله تعالى لنا نفعا بالفعل أربعة أنواع الأول فرض والثاني واجب والثالث سنة والرابع مستحب ويليها أي يتبع هذه الأربعة المباح وهو مشروع أيضا ولكن ليس للنفع بالفعل بل بالنية وقد شرع ترويحا للنفوس من مشقة التكليف حتى يصير لها نشاط في الأربعة تحصينا لها كما حصن الفرض بالواجب والواجب بالسنة والسنة بالمستحب فإذا تطرق الكسل يكون أولا في الأدنى دون الأعلى وغير المشروع نوعان الأول محرم والثاني مكروه ويتلوهما المفسد للعمل المشروع فيه ولم يجعل المفسد نوعا ثالثا لأنه لا يخرج عن أحد النوعين إلا أنه لا يبقى للعمل وجود معه بخلافهما فكان تابعا لهما فالكل أي جميع ما ذكر ثمانية أنواع فقد أدخل المباح والمفسد في الأنواع لئلا يفهم خروجها لانحطاطها بالتبعية ثم أخذ يبين ذلك على الترتيب الذكري والأهمي فقال :
مخ ۳