جوهر انسانيت
جوهر الإنسانية: سعي لا ينتهي وحراك لا يتوقف
ژانرونه
9
ووفقا للديانة الهندوسية لا توجد حاجة إلى الخوف من الموت؛ فالخلود أمر مؤكد. •••
اتخذت المعتقدات الصينية مسارا مختلفا؛ فالروح تتكون من جزأين؛ «البو»، التي تبدأ عند الحمل، و«الهن»، التي تبدأ عند الولادة. وهما يساعدان معا الإنسان في حياته الأرضية، لكن عند الموت تترك «الهن» الجسد، أما «البو» فتبقى حتى تحلل الجثة، وبعدها تنضم إلى مملكة الموتى. وهذه المملكة هي نسخة للحياة على الأرض تستمر تحت سطح الأرض؛ وأكبر دليل على هذه الأيدولوجية جيش تيراكوتا، المكون من 7 آلاف جندي تقريبا، المدفون في مدينة شيان مع الإمبراطور الأول تشين الذي أطلق على نفسه هذا اللقب. كان أحد خلفائه في عهد أسرة هان حاكما أقل اهتماما بالحرب؛ فلم يدفن مع تماثيل لمحاربين فقط، بل لسيدات وحيوانات أيضا. لكن حتى الإمبراطور تشين كان مسالما نسبيا؛ ففي العصور السابقة كان يدفن أشخاص حقيقيون - أعضاء في البلاط مثلا - أحياء مع الحاكم لمرافقته في الحياة الآخرة.
لا توجد قابلية للانتقال الاجتماعي بعد الوفاة؛ فيظل «بو» الرجل الثري ثريا، ويظل ذلك الخاص بالفقير معدما. لا تظهر الآلهة كثيرا في الممارسات التعبدية الصينية، رغم ظهور المشعوذين والكهان. في الواقع لا تعتبر كلمة دين مناسبة لوصف المعتقدات الصينية على الإطلاق؛ فهي تشبه المبادئ الهندوسية إلى حد ما، من حيث إعطاء أهمية بالغة لأسلوب خوض الحياة. ويجب أن يحدث هذا تماشيا مع المعايير الموضحة بالمبدأ العظيم، «هونج فانج».
يشتمل مبدأ «هونج فانج» على العناصر الخمسة المتمثلة في الماء والنار والخشب والمعدن والأرض، التي تضاهي الأنشطة الخمسة المتمثلة في الحركة والكلام والرؤية والسمع والتفكير. وكان الحاكم يحدد الطريقة التي تمارس بها الأنشطة الخمسة بحيث تتوافق مع العناصر الخمسة، وفقا لأساليب الحكم الثمانية؛ التي تتضمن ثلاث مهن هي الزراعة والأعمال الحرفية والقرابين، ويتحكم فيها ثلاثة وزراء (معنيون بالأشغال العامة والعدل وأمور أخرى، مثل التعليم والاقتصاد)، بالإضافة إلى أسلوبين لتفاعل الطبقة الحاكمة مع باقي الشعب؛ بسلام أو بعداء. وتعمل أساليب الحكم الثمانية هذه وفقا للضوابط الخمسة (السنة والشهر واليوم والأبراج الفلكية والتقويم). وتمارس السلطة الملكية، التي توفر الصلة بين البشرية وما فوقها وحولها، بواحدة من ثلاثة مظاهر للنشاط؛ بمساواة أو قسوة أو اعتدال. ويعتمد معيار نجاح تطبيق هذه القواعد على العناصر المتمثلة في المطر والشمس والحرارة والبرودة والرياح وما إلى ذلك؛ فإذا جاءت في موسمها المناسب، فيعني هذا أن أسلوب الحكم جيد، أما إن لم يحدث هذا، فهذا يعني أن أسلوب حكم الحاكم سيئ. وتكون النتيجة في الحالة الأولى تحقق «مظاهر السعادة الخمسة» المتمثلة في طول العمر والثراء والصحة وحب الفضيلة والوفاة الحميدة؛ أما في الحالة الثانية فيعقبها حدوث «المصائب الست» المتمثلة في المرض والمعاناة والفقر والبلاء والضعف والوفاة العنيفة والسابقة لأوانها.
10
بدأت المعتقدات الصينية تتغير بعد عصر كونفوشيوس في القرن الخامس قبل الميلاد. استمرت نتيجة الأحداث في الاعتماد على حسن حظ الإمبراطور أو سوء حظه. ولهذا السبب أصبح يتحكم في ممارسة علم الفلك؛ إذ كانت حركات النجوم تمثل أساس تنبؤاته. إلا أن صرامة القواعد التي كان من المفترض خوض الحياة على أساسها كانت تتهاوى. لم يمثل هذا تحولا مفاجئا في مواطن التركيز من جانب جموع السكان. على العكس، فقد اتبعت وحدات مختلفة في المجتمع مسارات مستقلة. أكد أنصار الكونفوشيوسية أن الإنسان خير بطبيعته؛ في حين رآه أنصار مذهب الشرعوية شريرا في الأساس. طرحت العديد من وجهات النظر الأخرى حتى سميت هذه الحجج المتنوعة «مدارس التفكير المائة». إلا أن الجدل أكثر صحة من الإذعان الصامت؛ فهو يدعم مناخا ملائما لظهور أفكار جديدة، وليس من قبيل الصدفة أن تكون هذه الفترة من التاريخ الصيني - حكم أسرة تشو الشرقية الذي انتهى في عام 221 قبل الميلاد - فترة اختراع وابتكار أيضا، رغم الحروب العنيفة التي شنت؛ فتضاعف عدد الألواح وظهر الحديد المصبوب. تبعت هذا أيديولوجيات أخرى، كان للبوذية والداوية (أو الطاوية) من بينها التأثير الأكبر. في الواقع يواصل الناس ممارسة هذه الديانات، مع الكونفوشيوسية، في جميع أنحاء الصين ومعظم شرق آسيا في عصرنا الحالي. •••
ركزت ديانة الإغريق، التي ورثوها من جزيرة كريت عبر الميسينيين، على الآلهة بشدة؛ أولا الجبابرة، ثم قاطني جبل الأوليمب الذين دمروا الجبابرة. ونظرا لأن معظم معرفتنا بمعتقدات الإغريق مأخوذة من كتابات هوميروس، يوجد إلى حد ما تداخل بين أفعال الآلهة، والشخصيات الأسطورية والبشر. وبينما لم يشغل الموت الإغريق مثلما كان يشغل المصريين - فكانوا يهتمون أكثر بالنجاح في الحرب والرياضة، وبالمساواة في السياسة والقانون، وبالتفوق في الفن والعلم - لم يكن الخلود أمرا بعيدا عن مخيلتهم. كان أحد المصائر لديهم يتمثل في الحياة الأبدية في العالم السفلي (هاديس)، وبخلاف ذلك يمكن للروح البقاء، على عكس الجسد. ومع ذلك بدأ الاعتقاد في وجود حكم إلهي للعالم في التداعي. وربما لعب دورا في هذا غياب حاكم واحد كان شبه إله، مثل الفرعون في مصر القديمة، أو كان يستمد إلهامه من الدعم الإلهي، مثل إمبراطور الصين. وفي أواخر القرن السابع قبل الميلاد، ظهر رجل لم تعد أفعال الآلهة تقدم له تفسيرا مرضيا للعالم الطبيعي. كان هذا الرجل طاليس الملطي، أبو الفلسفة، ويعتبره البعض
11
أول عالم. صحيح أن الأساطير الإلهية استمرت في إرضاء جموع الشعب، وستندمج بشدة في الثقافة الرومانية اللاحقة، إلا أن الحياة لم تعد خاضعة لأوامر الأباطرة أو الآلهة العليا، وإنما للتفكير السليم؛ فظهر المذهب الإنساني.
ناپیژندل شوی مخ