جواهر التفسير
جواهر التفسير
ژانرونه
[الأنعام: 12]، وقوله:
ويحذركم الله نفسه
[آل عمران: 30]. هذا هو المعنى اللغوي للنفس، أما ما عدا ذلك من المعاني فهو من اصطلاح الحكماء الذي لا داعي إليه في فهم مقاصد القرآن.
وجملة { وما يشعرون } إما مستأنفة وإما معطوفة على جملة { وما يخدعون } ، والشعور: يطلق على العلم بدقائق الأشياء الخفية، ويرى بعض أهل اللسان أنه مأخوذ من إصابة الشعر فإنه لدقته مما يستصعب، وكذلك الشعور هو إصابة ما دق من المعاني، والتفطن لما خفي من الأمور.
وأصل الشعر العلم بهذه الدقائق، ومنه قولهم: ليت شعري، ثم نقل إلى الكلام الموزون المقفى لما في تركيبه من الدقة وما يحتويه من خفي المعاني ودقيق المقاصد التي لا يتفطن لها إلا أصحاب الاحساس المرهف، ومن هنا قيل إن الشعور لا يستعمل إلا فيما دق من حسي وعقلي، فلا يقال: شعرت بحلاوة العسل، وبصوت الصاعقة، وبألم كية النار، وإنما يقال: شعرت بملوحة في الماء أو مرارة - إذا كانت قليلة - وبهينمة وراء الجدار، وبحرارة في بدني.
وهذا الوصف في المنافقين مشعر بتحجر عقولهم وخبو فطنهم، وهو - كما قيل - أبلغ في الذم من وصفهم بعدم الاحساس، لأن الذم على أمر يمكن حصوله ألذع وأنكى من الذم بما يتحقق عدمه، وإحساسهم أمر معلوم لهم وللناس، فلا يغيظهم أن يوصفوا بعدمه، بخلاف وصفهم بعدم الشعور المتضمن لمعنى البلادة.
ومن حيث أن الشعور يتميز عن العلم باختصاصه بدقائق الأمور المحسوسة والمعقولة أوثر في التعبير هنا على العلم نظرا إلى أن مخادعتهم لأنفسهم مما لا يظهر إلا لذوي الفطن المتوقدة، والمدارك المتفتحة، والمنافقون بما ران على قلوبهم من النفاق واستحكم في عقولهم من الضلال ليسوا من الذين يراقبون الله عز وجل، فهم إن وجد بينهم من يؤمن بوجود الله سبحانه فإيمانه سطحي لم يتغلغل في أعماق نفسه، ولم يلامس شغاف قلبه، فلذلك كانوا أبعد ما يكونون عن خشيته ومراقبته، والتفكر فيما يرضيه وما يغضبه، فكانت معاملتهم له معاملة الخب الخادع لمن يرجو أن تنطلي عليه حيلته، ويؤثر فيه مكره، وما كانوا يتفطنون أن عاقبة مكرهم ستعود عليهم بشر مما كانوا يتوقعون.
سر مخادعة المنافقين:
وفي تفسير المنار بحث نفيس للامام محمد عبده كشف فيه سر مخادعتهم بأسلوبه الأدبي الرفيع وتحليله المنطقي البديع، ولما في هذا البحث من فوائد جمة رأيت إيراده برمته، قال:
هؤلاء المغرورون إذا عرض زاجر الدين بينهم وبين شهواتهم قام لهم من أنفسهم ما يسهل لهم أمره، من أمل في الغفران أو تأويل إلى غير المراد، أو تحريف إلى ما يخالف القصد من الخطاب وذلك بما رسخ في نفوسهم من ملكات السوء المغشاة بصور من العقائد الملونة؛ بما قد يتجلى للأعين فيما يسمونه إيمانا وما هم في الحقيقة بمؤمنين، وإنما هم خادعون مخدوعون، ولكنهم لما عمي عليهم من أمر أنفسهم لا يشعرون لأن ذلك يمر في أنفسهم وهم عنه غافلون.
ناپیژندل شوی مخ