188

جواهر التفسير

جواهر التفسير

ژانرونه

[المائدة: 44]،

ومن لم يحكم بمآ أنزل الله فأولئك هم الظالمون

[المائدة: 45]،

ومن لم يحكم بمآ أنزل الله فأولئك هم الفاسقون

[المائدة: 47]. وبهذا يتبين أن الايمان بالقرآن له معنى عميق ترتبط به حياة المؤمن، وذلك أن يتكيف في فعله وتركه بحسب ما تقتضيه أحكامه وتعاليمه.

وقد كان السلف الصالح يعدون مجانبة شيء من هديه منافيا للايمان به، كما قالت أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - عندما أبصرت امرأة عليها ثياب رقاق: " ما آمنت بسورة النور امرأة لبست هذه الثياب " ، فأعجب لأولئك الذين يزعمون أنهم من أمة القرآن وهم يرتعون في المعاصي، غير مبالين بخلق ولا فضيلة ولا شرف، ما قيمة إيمان هؤلاء بالقرآن؟ إن القرآن الكريم مليء بأوامر الله الموجهة إلى عباده، منها ما يتعلق بالحياة الفكرية، ومنها ما يتعلق بالشعائر التعبدية، ومنها ما يتعلق بالشؤون السياسية، ومنها ما يتعلق بالنظم الاقتصادية، ومنها ما يتعلق بالواجبات الاجتماعية، ومنها ما يتعلق بالأحكام القانونية. والواجب على من آمن به أن يسلم تسليما لذلك كله وينقاد له بفكره ومشاعره وجوارحه، حتى يتحول القرآن إلى واقع محسوس يتجلى للناس جميعا في حياة المؤمنين الخاصة والعامة.

أثر الإيقان بالآخرة:

واختتم تعالى صفات هذه الطائفة بذكر الإيقان بالآخرة، لأنه ملاك الأمر، وسور الصالحات، والحاجز دون تردي النفس في مهاوي شهواتها ونزواتها، لأن فيه ربط العمل بالجزاء، ووصل المبدأ بالمصير، وما قبل الموت بما بعده، ولأن اليقين بالحياة المطلقة الأبدية بعد هذه الحياة المقيدة الفانية؛ هو مفترق الطرق بين أولئك الذين يعيشون في مضيق الحس لا يعرفون وجودا إلا هذا الوجود المحسوس، ولا متعة إلا هذه المتعة الفانية، ولا هدفا إلا ما يختص بحياة الأرض، وأولئك الذين تفتحت مداركهم واتسعت آفاق أفكارهم فأيقنوا أن المحسوس ليس هو كل شيء في الوجود، وأن هذه الحياة ليست هي كل وجود الانسان، وأن متعها الفانية ليست هي كل شيء بالنسبة إلى منافعه ومصالحه، وأن أهدافها يجب أن تكون وراءها أهداف أسمى منها قدرا، وأغلى منها قيمة، فإن من شأن هذا الإيقان أن يدفع بصاحبه إلى التفكير في العاقبة والجزاء على الأعمال وتكييفها بحسب رغبته في نوع جزائها.

والآخرة وصف أغنى عن الموصوف في التعبير، لاستقراره في الأفهام، والمراد به الحياة الآخرة، أو الدار الآخرة، حيث يحاسب كل أحد على عمله، ويجزى به جزاء وفاقا، والايمان بها يشمل الايمان بكل ما يحدث فيها، مما تضمنته النصوص القاطعة.

واليقين: قيل هو الاعتقاد للواقع الذي لا يقبل الشك ولا الزوال. ذلك لأن الاعتقاد إما أن يكون اعتقادا بأن الشيء كذا، أو اعتقادا بأنه لا يمكن إلا أن يكون كذا.

ناپیژندل شوی مخ