جواهر التفسير
جواهر التفسير
ژانرونه
دليل على دخول الحرام في ضمن الرزق. وأجيب عما استدلوا به من مدلول الكلمة اللغوي بأن المفاهيم اللغوية لا تخضع للمقاييس العقلية، فلا دخل لأدلة العقل في التسميات.
هذا وقد استدل أصحابنا والجمهور لما ذهبوا إليه بقوله عز وجل: { وما من دآبة في الأرض إلا على الله رزقها }. مع تصور إمكان أن يعيش الانسان على الحرام طيلة حياته، وذلك بأن ينشأ طفلا مع اللصوص وقطاع الطرق يطعمونه مما ينهبون، حتى إذا بلغ الحلم ودخل في دور التكليف صنع صنيعهم وعاش عيشتهم إلى أن لقي الله فإنه يلزم على مذهب المعتزلة أن يكون مثل هذا لم يصب من رزق الله شيئا، وهو مما تبطله الآية.
ويرى الإمام الألوسي أن هذا الاستدلال ليس بشيء، وأن للمعتزلة أن ينفكوا عن هذا اللزوم باعتبار أن الرزق غير قاصر على الغذاء، بل يشمله ويشمل غيره من المنافع الجسدية والروحية، مع استحالة أن يعيش الانسان من غير أن يصيب منفعة محللة منذ ولادته إلى موته، لا مصة ثدي ولا رشفة ماء ولا نسمة هواء، ولا نظرة سارة ولا وصولا إلى بغية، ولو قدر وقوع ذلك لساغ أن يقال إن ذلك مباح في حقه لقوله تعالى:
فمن اضطر غير باغ ولا عاد
[البقرة: 173].
وللمعتزلة أن يعترضوا غيرهم بمن عاش يوما ثم مات قبل أن يتناول حلالا أو حراما وما يتوجه إليه من جواب يمكنهم أن يجيبوا به أيضا على أن الآية الكريمة لا تدل على أن الله يوصل إلى كل أحد ما ينتفع به، فإن الواقع يدل على خلافه، بل تدل على أنه عز وجل يسوق الرزق ويمكن من الانتفاع به، فإذا حصل إعراض من أحد عن الحلال إلى الحرام، لم يكن ذلك قادحا في تحقق كون الله رازقا له، ولقائل أن يقول إن معنى الآية ما من دابة متصفة بالمرزوقية، فلا تدخل مادة النقض ليضر خروجها، كما أن قول القائل كل دابة تذبح بالسكين؛ لا يقتضي شمول السمك لعدم اتصافه بالمذبوحية.
ولأجل هذه الايرادات التي تتجه إلى استدلال الجمهور؛ اختار الألوسي أن يكون الاستدلال بالاجماع المنعقد قبل ظهور المعتزلة وخلافهم على أن آكل الحرام طول عمره مرزوق طول عمره ذلك الحرام، وأنت تدري أن الإجماع يحتاج إلى ثبوت النقل بصحة وقوعه، والظاهر أن هذه المسألة لم تثر عند السلف إلا بعد ظهور المعتزلة بجدلهم الكلامي، فدعوى الاجماع غير مسلمة فيها، ولأجل قوة أدلة الفريقين أجنح إلى ما رآه الإمام ابن أبي نبهان من أنها مسألة فرعية يسوغ فيها الاجتهاد، وإنما عدت عند الأكثرين من الأصول لملاحظة القواعد الاعتزالية التي يمكن بناؤها عليها، كالقول بوجوب مراعاة الصلاحية والأصلحية على الله - كما تقدم - والقول بالتحسين والتقبيح العقليين. ولولا ملاحظة هاتين القاعدتين الفاسدتين؛ واحتمال بناء المعتزلة مذهبهم في هذه المسألة عليهما، لما اعتبرت هذا الخلاف إلا لفظيا.
على أننا نجد من وافق المعتزلة فيها من غيرهم؛ كالجصاص صاحب كتاب أحكام القرآن.
ولا خلاف بين الجميع في أن الانفاق المشار إليه في الآية، والمأمور به في كثير من آي الكتاب، هو الانفاق من الرزق الحلال المحض، فإن الله سبحانه لا يأمر بالإنفاق من الحرام ولا يمدح به، وقد جاء في الحديث التنبيه على أن الصدقة المقبولة لا تكون إلا من الحلال، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم:
" لا يقبل الله صدقة من غلول "
ناپیژندل شوی مخ