154

جواهر التفسير

جواهر التفسير

ژانرونه

وأقم الصلاة لذكري

[طه: 14]، وقوله:

إن الإنسان خلق هلوعا إذا مسه الشر جزوعا وإذا مسه الخير منوعا إلا المصلين الذين هم على صلاتهم دآئمون

[المعارج: 19 - 23]، وفي هذه الآيات الأخيرة بيان أن الصلاة بما لها من سلطان روحي وأثر نفسي تأتي على خصال جبلية مذمومة فتجتثها من نفس من داوم عليها، وهي وإن كانت مشتركة مع سائر أعمال البر في ذلك، كما يشهد به عطف هذه الأعمال عليها فهي أبعد أثرا منها، بدليل تقديمها عليها والتنويه بها مرة أخرى في نهاية سردها في قوله عز وجل:

والذين هم على صلواتهم يحافظون

[المؤمنون: 9]، بل يشير ذلك إلى أنها سور للأعمال الصالحة جميعا. وفي سورة الماعون شاهد على أن التهاون بالصلاة منشأ لأعمال الشر، ذلك أن الله عز وجل ذكر فيها التكذيب بالدين ودع اليتيم وعدم الحض على طعام المسكين، ثم أتبع ذلك قوله:

فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون

[الماعون: 4 - 5]، والسياق يقتضي أن يقول فويل لهم ولكن عدل عن ذلك فأتى بالاسم الظاهر مكان الضمير، وكان هذا المظهر المصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون، للدلالة على أن السهو عن الصلاة هو باب هذه الموبقات كلها، ويشهد لذلك العطف بالفاء التي تقتضي ربط ما بعدها بما قبلها، ورب قائل يقول: إذا كانت الصلاة مشروعة لتزكية النفس - حسب ما قلت - فما بال كثير من الناس يحافظون عليها في مواقيتها ويؤدونها مع الجماعات كما أمر بها، ومع ذلك ليس لها أي أثر نفسي عليهم فلا تردعهم عن المنكرات، ولا تمنعهم من الدنايا، ولا تبعثهم إلى الصالحات؟ والجواب عن هذا التساؤل أن الصلاة المؤثرة هي الصلاة المؤداة بحسب ما شرعت روحا وشكلا بحيث تشعر القلب عظمة الخالق المعبود وعظم منته وإحاطة علمه وقدرته، وشدة بطشه ونقمته، وسعة ثوابه ورحمته، فيستشعر بها المصلي افتقاره إلى المعبود، واستغناء المعبود عنه، وذلك داع إلى تحري مرضاته فيما يصدر عنه فعلا وتركا، أما الصلاة الخالية من هذه الروح فهي صلاة ميتة بعيدة عن هذه المزايا، لا يحصل منها أي أثر نفسي أو اجتماعي. وقد أجاد الأستاذ الامام الشيخ محمد عبده إذ قسم الصلاة إلى عادة وعبادة، فالعادة هي صلاة أكثر العوام، فإن أحدهم وهو في طور الرشد والعقل إذا قام يصلي لم تختلف صلاته عنها في طور طفولته عندما كان يحاكي أباه فيها، والعبادة هي هيكل وروح، فالهيكل ما شرع من الأقوال والأفعال الظاهرة فيها المفتتحة بالتكبير المختتمة بالتسليم، فهي لا تعدو أن تكون بمثابة الجسم الميت الذي لا حراك له ولا جدوى منه ما لم تقترن بروحها، وروحها الخشوع الذي يوصل القلب والعقل بالله عز وجل.

الخشوع روح الصلاة:

ومن ثم كان الفلاح منوطا بالخشوع كما في قوله تعالى: { قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون } ، وقد نص حديث عائشة - رضي الله عنها - السالف الذكر على أن الخشوع هو عمودها.

ناپیژندل شوی مخ