وأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى
[فصلت: 17] وهذه الهداية تسند إلى الله كما في هذه الآية، وإلى غيره كما في قوله:
يهدون بأمرنا
[السجدة: 24]، ومقابلة الهدى بالضلال في قوله: { لعلى هدى أو في ضلال مبين } لا يستدل بها على الإيصال، لأن الهدى فيه بمعنى الاهتداء، وهو لازم، والاختلاف إنما هو في المتعدي ويقابله الاضلال لا الضلال، كما لا يدل مجيء اهتدى مطاوعا لهدى أن فعل الهداية موصل إلى البغية، لأن الفعل المتعدي لا يستلزم وقوع المطاوعة في مقابله، ولذلك جاز نفي المطاوعة، في نحو أمرته فلم يأتمر، ونهيته فلم ينته، وعلمته فلم يتعلم، وهذبته فلم يتهذب، وبهذا تعلم عدم امتناع قول القائل: هديته فلم يهتد، وإطلاق المهدي في موضع المدح لأن الهداية سبب للاهتداء، مع حصول التوفيق، ويمكن أن يكون الخلاف اعتباريا، فمن نظر إلى اقتران الهداية بالتوفيق اعتبرها موصلة، ومن قطع النظر عن ذلك جوز أن تكون موصلة وغير موصلة، وقد مر بكم في تفسير الفاتحة أن الهداية تكون تكوينية، وهي هداية الفطرة والحواس والعقل، ولا غموض في أن الهداية الفطرية والهداية الحسية موصلتان إلى البغية، وكذلك هداية العقل لمن وفق لاستخدامه، وإذا ما رجعتم إلى ما ذكرته هناك كملت لكم الفائدة وانجلى عنكم اللبس.
وبهذا التحرير يمكنكم فهم وجه تخصيص هدى الكتاب بالمتقين هنا وبالمؤمنين في قوله تعالى:
هدى وبشرى للمؤمنين
[النمل: 2]، وقوله:
هدى ورحمة للمحسنين
[لقمان: 3]، مع قوله في آيات الصوم من هذه السورة
شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس
ناپیژندل شوی مخ