إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا
[المزمل: 5] وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يزل يستشرف لانزال هذا الوعد من ربه، فلما نزلت فاتحة البقرة بالمدينة كان المراد بذلك الكتاب ما وعد الله به رسوله صلى الله عليه وسلم بمكة أن يوحيه إليه، وهذا القول والقول الثالث ينبعان من نبع واحد.
سادسها: أن الاشارة إلى ما في التوراة والانجيل و { ألم } اسم للقرآن، والمراد أن هذا القرآن هو ذلك الكتاب الذي دلت عليه التوراة والانجيل، فهما يشهدان بصحته وهو يستغرق ما فيهما ويزيد عليهما.
سابعها: أن الاشارة إلى نفس التوراة والانجيل، والمراد ما ذكر من قبل أن القرآن مستوعب لما فيهما، فكأنه هو عينهما، وهو مروي عن عكرمة ورده الألوسي وما أحراه بالرد.
ثامنها: أن المشار إليه ما بقي في اللوح المحفوظ من القرآن غير نازل عند نزول الآية.
تاسعها: أنه الكتاب الذي وعد الله به أهل الكتاب أن ينزله على خاتم النبيين.
عاشرها: أنه الكتاب الذي كانوا يستفتحون به على الذين كفروا.
وذكر أبو حيان عن شيخه أبي جعفر بن إبراهيم بن الزبير أنه كان يقول: ذلك إشارة إلى الصراط في قوله: { اهدنا الصراط } كأنهم لما سألوا الهداية إلى الصراط المستقيم قيل لهم: ذلك الصراط الذي سألتم الهداية إليه هو الكتاب، ثم قال أبو حيان إثر ذلك وبهذا الذي ذكره الأستاذ تبين وجه ارتباط سورة البقرة بسورة الحمد. وهذا القول أولى لأنه إشارة إلى شيء سبق ذكره لا إلى شيء لم يجر له ذكر. اه.
وما أبعد هذا القول عن التحقيق، وأدناه إلى الهذيان، وإذا تأملت هذه الأقوال الاحدى عشر المبنية على أن المشار إليه بذلك بعيد، وجدتها جميعا ملتبسة بأنواع التكلفات التي يجدر بالمفسر أن لا يحمل عليها أفصح الكلام وأبلغه، وإن تعجب فعجب أن يأبى هؤلاء إخراج { ذلك } عن الاشارة بها إلى البعيد واللجوء إلى مثل هذه التأويلات التي لا تستند إلى حجة، على أن تعاقب أداتي الاشارة إلى القريب وإلى البعيد لا يخفى على من تأمل آيات الكتاب وتتبع الفصيح من كلام العرب، وثم وجه آخر وهو أن الكلام الذي تقضى له حكم البعيد وإن قرب عهده، كما حرره صاحب الكشاف، وبما أن فاتحة السورة وصلت من المرسل إلى المرسل إليه، كان لها حكم البعد، فصح أن تقع إشارته عليها، ونحوه قوله عز وجل:
لا فارض ولا بكر عوان بين ذلك
ناپیژندل شوی مخ