إن فواتح السور من كتاب الله العزيز فيها من المعاني ما تحار فيه ألباب أساطين العلماء، فمع جمعها لعلوم شتى، فإن الفواتح المعجمة منها إذا نظرنا إلى كل سورة ابتدئت بحرف أو حرفين أو ثلاثة أو أربعة أو خمسة، فإننا نستطيع إدراك معنى تلك الحروف المفردة في أول السورة بالمعاني التي مضت في السورة التي قبلها، وبالتأمل في هذه الحروف نرى أنها أسماء للرسول صلى الله عليه وسلم، وهذا رأي قال به السيوطي، فنجد قوله تعالى: { ن والقلم وما يسطرون مآ أنت بنعمة ربك بمجنون } أن معنى الحرف (ن): نور، وأنه نداء مرخم، ونور من أسماء الرسول صلى الله عليه وسلم حيث يقول الله تعالى:
قد جآءكم من الله نور وكتاب مبين
[المائدة: 15] وإن ذهب بعض المفسرين إلى معان أخرى في لفظ النون ، ولكن القسم والآية بعده يدلان على أن المخاطب الرسول صلى الله عليه وسلم، أما إذا رجعنا إلى سورة الملك قبلها فإننا نرى في أثناء تلك السورة ما يشعر بتهديد المشركين للرسول صلى الله عليه وسلم وتكذيبهم له، وفيها من الآيات المقرعة لهم المهددة بالعذاب في الدنيا والآخرة، فما يجتمع من كل هذه المعاني العظيمة يؤكد أن الخطاب للرسول صلى الله عليه وسلم بالنور ليشعره الله بالأنس وارتفاع المكانة، وكذلك فاتحة سورة (ص) ومعناها يا صادق، و { طه } ومعناها يا طاهر، و { الم } ومعناها يا أيها المرسل، و { المر } ومعناها يا أيها الرسول، و { المص } ومعناها يا أيها المرسل الصادق، وأما { حم عسق } فمعناها يتضح بعد قراءة سورة فصلت، وما فيها من تهديدات متعددة لمشركي العرب، ولمشركي قريش، ثم ختم السورة بقوله تعالى:
سنريهم آياتنا في الآفاق..
[فصلت: 53] الآية، ولو علمنا أن السورة نزلت في مكة وكان بعدها غزوة بدر الكبرى التي انتصر فيها المسلمون انتصارا عظيما كسر شوكة المشركين، فإننا نجد معنى حروف { حم عسق } يتضح ويدل على المعنى الآتي: يا أحمد - وهو من أسمائه - عذاب الله سيأتيهم قريبا. فتكون الحاء والميم إشارة إلى اسم الرسول، والعين إشارة إلى عذاب الله، والسين إلى إتيان العذاب مستقبلا، والقاف للدلالة على إتيانه قريبا.
ومعنى { كهيعص } - بعد ما في سورة الكهف من اشتداد الأمر على رسول الله وكثرة همومه من أمر المشركين - الاشارة إلى كمال هذا الأمر وهو النصر اليقيني فعليك بالصبر. فتكون الكاف إشارة إلى كماله، والهاء إشارة إلى هذا الأمر، والياء إلى يقيني بدليل قوله تعالى:
واعبد ربك حتى يأتيك اليقين
[الحجرات: 99] وهو النصر قطعا، والعين إشارة إلى الصبر، والمعنى لزم الصبر، كما لزمه زكريا - عليه السلام - ا ه.
والظاهر أن في هذا النقل سقطا لا تتم الفائدة بدون اعتباره، وتمام العبارة: فالعين إشارة إلى عليك، والصاد إشارة إلى الصبر.
وقد لاحظ الناقل الدكتور حفني محمد شرف أن هذا الرأي ليس بجديد، وإنما الجديد فيه ربط السور القرآنية برباط الوحدة الفنية التي توجد في القرآن، كما أن هذا الرأي قائم على أن ترتيب السور القرآنية ترتيب إلهي، بدليل قوله تعالى:
ناپیژندل شوی مخ