وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ﴾ ١. فحصر المؤمنين فيمن آمن وجاهد. وقال تعالى: ﴿لا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ﴾ ٢ الآيتين. فهذا إخبار من الله أن المؤمن لا يستأذن في ترك الجهاد، وإنما يستأذن الذين لا يؤمنون بالله، فكيف بالتارك من غير استئذان؟
وقال في وصفهم بالشح: ﴿وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ﴾ ٣ إلى قوله: ﴿وَلا يُنْفِقُونَ إِلاَّ وَهُمْ كَارِهُونَ﴾ ٤؛ فإذا كان هذا ذَمُّ الله ﵎ لمن أنفق وهو كاره، فكيف بمن ترك النفقة رأسا؟
وقد أخبر أن المنافقين لما قربوا من المدينة؛ تارة يقولون للمؤمنين: هذا الذي جرى علينا بشؤمكم، فأنتم الذين دعوتم الناس إلى هذا الدين، وقاتلتم عليه وخالفتموهم. وتارة يقولون: أنتم الذين أشرتم علينا بالمقام هنا، وإلا لو كنا قد سافرنا، ما أصابنا هذا.
وتارة يقولون: أنتم مع قلتكم وضعفكم تريدون أن تكسروا العدو، وقد غركم دينكم. وتارة يقولون: أنتم مجانين لا عقل لكم تريدون أن تهلكوا أنفسكم وتهلكوا الناس معكم. وتارة يقولون أنواعا من الكلام المؤذي، فأخبر الله عنهم بقوله ﷿: ﴿يَحْسَبُونَ الأَحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُوا وَإِنْ يَأْتِ الأَحْزَابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بَادُونَ فِي الأَعْرَابِ يَسْأَلونَ عَنْ أَنْبَائِكُمْ وَلَوْ كَانُوا فِيكُمْ مَا قَاتَلُوا إِلاَّ قَلِيلًا﴾ ٥، فوصفهم ﵎ بثلاثة أوصاف:
الأول: أنهم -لخوفهم- يحسبون الأحزاب لم ينصرفوا عن البلد، وهذا حال الجبان الذي في قلبه مرض، فإن قلبه يبادر إلى تصديق الخبر المخوف، وتكذيب خبر الأمن.
الوصف الثاني: أن الأحزاب إذا جاؤوا تَمَنَوْا أن لا يكونوا بينكم؛ بل في البادية بين الأعراب يسألون عن أنبائكم: أيش خبر المدينة؟ وأيش خبر الناس؟.
الوصف الثالث: أن الأحزاب إذا أتوا، وهم فيكم لم يقاتلوا إلا قليلا. وهذه الصفات الثلاث منطبقة على كثير من الناس.
_________
١ سورة الحجرات آية: ١٥.
٢ سورة التوبة آية: ٤٤.
٣ سورة التوبة آية: ٥٤.
٤ سورة التوبة آية: ٥٤.
٥ سورة الأحزاب آية: ٢٠.
1 / 14