مصالحه، ودفع مضاره، ولا معين له على مصالح دينه ودنياه إلا الله، فمن أعانه الله فهو المعان، ومن خذله فهو المخذول، ومن ترك الاستعانة بالله واستعان بغيره، وكله الله إلى من استعان به، فصار مخذولًا.
والاستعانة طلب المعونة التي هي سد العجز، والمساعدة على إتمام العمل الذي يعجز عنه المستعين بنفسه، ولذلك كان أهل الإيمان الكامل لا يطلبون ذلك إلا من القادر عليه كما أرشدهم الله إلى ذلك في كتابه المنزل على نبيه، ولكن أهل المقت أبوا أن يسمعوا لله تعالى، ومالوا إلى قوم من الموتى حسًا ومعنى، كالذين في قبورهم، أو معنى فقط كالأحياء الذين لا يقدرون على دفع الضر عن أنفسهم، فجعلوهم حجبًا ووسائط بينهم وبين الله تعالى، فاستعانوا بهم، وطلبوا منهم المساعدة على إتمام أعمال هم عاجزون عن إتمامها، فوكلهم الله إلى من يدعونه، وأبعدهم عن جناب القرب إليه.
نعم إنه قال: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى﴾ [المائدة: ٢]، ولكنه ليس من جنس ما يفعله هؤلاء، لأن معنى هذه الآية أن نقوم بالأعمال جهدنا، ونبذل في إتقانها جهد المستطاع، جملة وفرادى، ويساعد بعضنا بعضًا، ثم نفوض الأمر فيما وراء كسبنا إلى حضرة القادر على كل شيء، ونلجأ إليه وحده ونطلب منه المعونة المتممة للعمل، والموصلة لثمرته. إذ لا يقدر علي الأسباب الممنوحة لكل البشر على السواء إلا هو تعالى، وأما الميت فأي معونة له للحي، وأيّ تصرف له مع الله تعالى، وأي معونة موصلة لثمرة الأعمال من حي سوى الله تعالى، فالعارف يحقق هذا المقام، ويعلم أن هذه الجملة ترشدنا إلى أن نعمل الأعمال النافعة، ونجتهد في إتقانها قدر وسعنا، لأن طلب المعونة لا يكون إلا على عمل قد بذل فيه المرء غاية جهده، فلم يوفّه حقه، أو يخاف من أن لا يحصل له النجاح به، فيطلب المعونة على إتمامه وإكماله، وهذا عدا عما أفاده الحصر من تخصيص الاستعانة به تعالى كما تقدم.
وأيضًا فيه تحرير العبد من رق الشيوخ الدجالين، والرؤساء الروحيين، الذين يزخرفون الأقوال، ويتقلبون في أنواع الخداع ليجعلوا البسطاء أرقَّاء لهم، فكأنه
1 / 41