المقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
رب يسر الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد خاتم النبيين وعلى آله الطاهرين. ذكرت أيدك الله أن كتاب أخ من إخواننا أهل الموصل ورد عليك يكلفك سؤالي عن شهر رمضان هل يكون تسعة وعشرين يوما كما يكون ثلاثين يوما وهل إذا كان تسعة وعشرين يوما يكون شهرا كاملا أم لا يطلق عليه الكمال. وعن قول من قال بالعدد من أصحابنا وأنكر أن يكون شهر
مخ ۱۳
رمضان تسعة وعشرين يوما وما الذي تعلقوا به في ذلك وما الحجة عليهم في فساد ما ذهبوا إليه منه. وعن قوله تعالى ولتكملوا العدة وهل هو في قضاء ما فات من الشهر أم هو راجع إلى الشهر نفسه. وعما ورد
عن أبي عبد الله(ع)من قوله إذا أتاكم عنا حديثان مختلفان فخذوا بأبعدهما من قول العامة.
وهل هذا القول حجة في العمل على العدد دون الأهلة إذا كان العمل به أبعد من قول العامة بالأهلة
مخ ۱۴
فصل واعلم أيدك الله أن الكلام في هذا الباب على استقصائه
يطول وقد عملت فيه كتابا سميته بمصباح النور يكون في أرباع المنصوري بخط متوسط في نحو الخمسين ومائة ورقة فإن ظفرت به أغناك عما سواه في معناه إن شاء الله. غير أني أثبت لك نكتا منه تعتمد عليها مما تحتاج إليه إلى أن يسهل الله تعالى ظفرك بالكتاب المذكور إن شاء الله. القرآن نزل بلسان العرب ولغتهم قال الله عز اسمه بلسان عربي مبين وقال تعالى قرآنا عربيا غير ذي عوج وقال تعالى ولو جعلناه قرآنا أعجميا لقالوا لو لا فصلت آياته ء أعجمي وعربي . فإذا ثبت أن القرآن نزل بلغة العرب وخوطب المكلفون في معانيه على اللسان وجب العمل بما تضمنه على مفهوم كلام العرب دون غيرهم. والأشهر عند العرب إنما سميت بذلك لاشتهارها بالهلال قال
مخ ۱۵
الله عز اسمه إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض وقال تعالى شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فسمى الله تعالى الأشهر بما وضعت له العرب بهذه التسمية. وقد بينا أنها وضعتها للشهر من حيث اشتهر بالهلال وكان الهلال علامته ودليله والهلال إنما سمي هلالا لارتفاع الأصوات عند رؤيته بالتكبير والإشارة إليه ومن ذلك سمي استهلال الصبي إذا بكى وصاح فقيل استهل الصبي يعنون ظهر صوته بالبكاء ونحوه. فإذا كان الشهر هو ما اشتهر بالهلال ثبت أنه دليله دون ما سواه وذلك إبطال قول أصحاب العدد في علامات الشهور وأنها تخرج بالحساب ودفعتهم بذلك الحاجة إلى الأهلة. ويؤكد ما ذكرناه قول الله تعالى يسئلونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج يريد به أنها علامات الشهور وأوقات الديون وأيام الحج وشهوره. وهذا بالضد مما ذكره أصحاب العدد في علامات الشهور وخالفوا
مخ ۱۶
نص القرآن ولغة العرب وفارقوا بمذهبهم فيه كافة علماء الإسلام وباينوا أصحاب علم النجوم فلم يصيروا إلى قول المسلمين في ذلك ولا إلى قول المنجمين الذين اعتمدوا الرصد والحساب وادعوا علم الهيئة فصاروا مذبذبين لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء وأحدثوا مذهبا غير معقول ولا له أصل يستقر على الحجاج وعملوا جدولا باطلا أضافوه إلى الصادق(ع)لم أجد أحدا من علماء الشيعة وفقهائها وأصحاب الحديث منها على اختلاف مذاهبهم في العدد والرؤية إلا وهو طاعن فيه ومكذب لراويه
فصل وشهر رمضان من جملة الشهور
التي قال الله تعالى إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا والشهر قد يكون تسعة وعشرين يوما وهو في الحقيقة شهر كما يكون ثلاثين يوما وليس يخرجه نقصانه من استحقاقه التسمية بأنه شهر. وكيف لا يكون شهرا وهو تسعة وعشرون يوما والقرآن ناطق بأن الشهور عند الله اثنا عشر شهرا وأصحاب العدد معترفون بأن منها ستة كل واحد منها تسعة وعشرون يوما فقد أثبتوا الشهر شهرا على الحقيقة
مخ ۱۷
وإن كان تسعة وعشرين يوما. وأما القول بأنه يكون كاملا أو ناقصا فإنه إذا كان تسعة وعشرين يوما كان ناقصا بالإضافة إلى الشهر الذي هو ثلاثون يوما وكان الشهر الذي هو ثلاثون يوما كاملا بالإضافة إلى الشهر الذي هو تسعة وعشرون يوما وهما شهران تامان في عددهما
فصل والذي يدل على فساد ذلك أنه لو وجب على الإنسان في كفارة ظهار
أو إفطار يوم من شهر رمضان أو قتل خطإ صيام شهرين متتعابعين فابتدأ الصوم على رؤية الهلال فصام شهرا كاملا وشهرا يليه ناقصا أو شهرا ناقصا وشهرا يليه كاملا لكان قد صام شهرين متتابعين ولم يلزمه أن يصوم ستين يوما. ولو اتفق له أن يكون الشهران ثمانية وخمسين يوما لأجزأه في
مخ ۱۸
الكفارة ولكان قد صام شهرين متتابعين وأدى ما وجب عليه فثبت أن الشهر قد يكون شهرا وإن كان تسعة وعشرين يوما
فصل وأما ما تعلق به أصحاب العدد في أن شهر رمضان لا يكون أقل من ثلاثين يوما
فهي أحاديث شاذة قد طعن نقاد الآثار من الشيعة في سندها وهي مثبتة في كتب الصيام في أبواب النوادر والنوادر هي التي لا عمل عليها. وأنا أذكر جملة ما جاءت به الأحاديث الشاذة وأبين عن خللها وفساد التعلق بها في خلاف الكافة إن شاء الله.
فمن ذلك حديث رواه محمد بن الحسين بن أبي الخطاب عن
مخ ۱۹
محمد بن سنان عن حذيفة بن منصور عن أبي عبد الله(ع)قال شهر رمضان ثلاثون يوما لا ينقص أبدا
وهذا الحديث شاذ نادر غير معتمد عليه طريقه محمد بن سنان وهو مطعون فيه لا تختلف العصابة في تهمته وضعفه وما كان هذا سبيله لم يعمل عليه في الدين.
ومن ذلك حديث رواه محمد بن يحيى العطار عن سهل بن زياد
مخ ۲۰
الأدمي عن محمد بن إسماعيل عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله(ع)قال إن الله عز وجل خلق الدنيا في ستة أيام ثم اختزلها من أيام السنة فالسنة ثلاثمائة وأربعة وخمسون يوما شعبان لا يتم وشهر رمضان لا ينقص أبدا ولا تكون فريضة ناقصة إن الله تعالى يقول ولتكملوا العدة @HAD@ .
مخ ۲۱
وهذا الحديث شاذ مجهول الإسناد لو جاء بفضل صدقة أو صيام أو عمل بر لوجب التوقف فيه فكيف إذا جاء بشيء يخالف الكتاب والسنة وإجماع الأمة ولا يصح على حساب ملي ولا ذمي ولا مسلم ولا منجم ومن عول على مثل هذا الحديث في فرائض الله تعالى فقد ضل ضلالا بعيدا . وبعد فالكلام الذي فيه بعيد من كلام العلماء فضلا عن أئمة الهدى(ع)لأنه قال فيه لا تكون فريضة ناقصة وهذا ما لا معنى له لأن الفريضة بحسب ما فرضت فإذا أديت على التثقيل أو التخفيف لم تكن ناقصة والشهر إن كان تسعة وعشرين يوما ففرض صيامه لا ينسب إلى النقصان في الفرض كما أن صلاة السفر إذا كانت على الشطر من صلاة الحضر لا يقال لها صلاة ناقصة وقد أجل الله إمام الهدى(ع)عن القول بأن الفريضة إذا أديت على التخفيف كانت ناقصة وقد بينا أن من صام شهرين متتابعين في كفارة ظهار فكانا ثمانية وخمسين يوما لم يكن ناقصا بل كان فرضا تاما. ثم احتج بكون شهر رمضان ثلاثين يوما لم ينقص عنها بقوله تعالى ولتكملوا العدة وهذا نص في قضاء الفائت بالمرض والسفر ألا ترى إلى قوله ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر يريد
مخ ۲۲
الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ولتكملوا العدة . وبعد فلو كان المراد بقوله ولتكملوا العدة صوم شهر رمضان ما أوجب ذلك أن يكون ثلاثين يوما بل كانت الفائدة فيه كمال صيام عدة الشهر وقد تكمل عدة الشهر ثلاثين يوما إذا كان تاما وتكمل بتسعة وعشرين يوما إذا كان ناقصا وقد بينا ذلك في صيام الكفارة إذا صام شهرين متتابعين وإن كانا ناقصين أو أحدهما كاملا والآخر ناقصا
فصل ومما تعلقوا به أيضا
حديث رواه محمد بن الحسين بن أبي الخطاب عن محمد بن إسماعيل بن بزيع عن محمد بن يعقوب بن شعيب عن أبيه عن أبي عبد الله(ع)قال قلت له إن الناس يروون أن رسول الله(ص)صام شهر رمضان تسعة وعشرين يوما أكثر مما صام ثلاثين يوما فقال كذبوا ما صام إلا تاما
مخ ۲۳
ولا تكون الفرائض ناقصة.
وهذا الحديث من جنس الأول وطريقه وهو حديث شاذ لا يثبت عند أصحاب الآثار وقد طعن فيه فقهاء الشيعة بأن قالوا محمد بن يعقوب بن شعيب لم يرو عن أبيه حديثا واحدا غير هذا الحديث ولو كانت له رواية عن أبيه لروى عنه أمثال هذا الحديث ولم يقتصر على حديث واحد لم يشركه فيه غيره مع أن ليعقوب بن شعيب (رحمه الله) أصلا قد جمع فيه كافة ما رواه عن أبي عبد الله(ع)ليس هذا الحديث منه ولو كان مما رواه يعقوب بن شعيب لأورده في أصله الذي جمع فيه حديثه عن أبي عبد الله(ع)وخلو أصله منه دليل على أنه موضوع. مع أن في الحديث ما قد بينا بعده في قول الأئمة(ع)وهو الطعن في قول من قال إن شهر رمضان تسعة وعشرون يوما لأن الفريضة لا تكون ناقصة والشهر إذا كان تسعة وعشرين يوما ما كانت فريضة الصوم فيه ناقصة كما أنه إذا كان فرض السفر للصلاة الظهر ركعتين لم يكن الفرض ناقصا وإن كان على الشطر من صلاة الحضر
مخ ۲۴
وكما أن صلاة العليل جالسا لا يكون فرضها ناقصا كما إذا صام الكفارة فصام شهرين ناقصين لا تكون الكفارة ناقصة. وهذا يدلك على أن واضع الحديث عامي عقل بعيد من العلماء وحاشا أئمة الهدى(ع)مما أضافه إليهم الجاهلون وعزاه إليهم المفترون والله المستعان . فهذه الأحاديث الثلاثة مع شذوذها واضطراب سندها وطعن العلماء في رواتها هي التي يعتمدها أصحاب العدد المتعلقون بالنقل وقد بينا ضعف التعلق بها بما فيه كفاية والحمد لله
فصل وأما رواه الحديث بأن شهر رمضان شهر من شهور السنة يكون تسعة وعشرين يوما ويكون ثلاثين يوما
فهم فقهاء أصحاب أبي جعفر محمد بن علي وأبي عبد الله جعفر بن محمد وأبي الحسن موسى بن جعفر وأبي الحسن علي بن موسى وأبي جعفر محمد بن علي وأبي الحسن علي بن محمد وأبي محمد الحسن بن علي بن محمد(ص)والأعلام الرؤساء المأخوذ عنهم الحلال والحرام والفتيا والأحكام الذين لا يطعن عليهم ولا طريق إلى ذم واحد منهم وهم أصحاب الأصول المدونة والمصنفات المشهورة وكلهم قد أجمعوا نقلا
مخ ۲۵
وعملا على أن شهر رمضان يكون تسعة وعشرين يوما نقلوا ذلك عن أئمة الهدى(ع)وعرفوه في عقيدتهم واعتمدوه في ديانتهم. وقد فصلت أحاديثهم بذلك في كتابي المعروف بمصباح النور في علامات أوائل الشهور وأنا أثبت من ذلك ما يدل على تفصيلها إن شاء الله. فممن روي عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر(ع)أن شهر رمضان شهر من الشهور يصيبه ما يصيب الشهور من النقصان أبو جعفر محمد بن مسلم.
أخبرني بذلك أبو غالب أحمد بن محمد الزراري (رحمه الله) عن
مخ ۲۶
أحمد بن محمد عن أحمد بن الحسن بن أبان عن عبد الله بن جبلة عن العلاء عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر(ع)قال شهر رمضان يصيبه ما يصيب الشهور من النقصان فإذا صمت تسعة وعشرين يوما ثم تغيمت السماء فأتم العدة ثلاثين
مخ ۲۷
وروى محمد بن قيس مثل ذلك ومعناه
أخبرني أبو القاسم جعفر بن محمد بن قولويه عن محمد بن همام عن عبد الله بن جعفر
مخ ۲۸
عن إبراهيم بن مهزيار عن الحسين بن سعيد عن يوسف بن عقيل عن محمد بن قيس عن أبي جعفر الباقر محمد بن علي(ع)قال قال أمير المؤمنين(ع) إذا رأيتم الهلال فأفطروا أو شهد عليه عدول من المسلمين وإن لم تروا الهلال إلا في وسط النهار أو آخره فأتموا الصيام إلى الليل وإذا غم عليكم فعدوا ثلاثين ليلة ثم
مخ ۲۹
أفطروا
وروى محمد بن سنان عن أبي الجارود قال سمعت أبا جعفر محمد بن علي(ع)يقول صم حين يصوم الناس وأفطر حين يفطر الناس فإن الله جعل الأهلة مواقيت
وروى مصدق بن صدقة عن عمار بن موسى الساباطي عن أبي عبد الله جعفر بن محمد(ع)قال يصيب شهر رمضان ما
مخ ۳۰
يصيب الشهور من النقصان يكون ثلاثين يوما ويكون تسعة وعشرون يوما
وروى الحسن بن الحسين بن أبان عن أبي أحمد عمر بن الربيع قال سئل جعفر بن محمد(ع)عن الأهلة فقال هي أهلة الشهور فإذا عاينت الهلال فصم وإذا رأيته فأفطر قلت أرأيت إن كان الشهر تسعة وعشرين يوما أقضي ذلك اليوم قال لا إلا أن يشهد لك عدول أنهم رأوه فإن شهدوا فاقض ذلك اليوم
وروى الحسين بن سعيد عن محمد بن الفضيل عن أبي
مخ ۳۱
الصباح الكناني عن أبي عبد الله(ع)قال إذا رأيت الهلال فصم وإذا رأيته فأفطر قلت أرأيت إن كان الشهر تسعة وعشرين يوما أقضي ذلك اليوم قال لا إلا أن يشهد بينه عدول فإن شهدوا أنهم رأوا الهلال قبل ذلك فاقض ذلك اليوم
وروى الحسين بن سعيد عن الحسن عن صفوان بن يحيى عن منصور بن حازم عن أبي عبد الله(ع)قال
مخ ۳۲