جوابات الإمام السالمي
الجزء الأول
الطهارة
الأصل الطهارة في المجهول أصله
السؤال :
الصابون والمشاميع والوندر قيل لنا انه نجس جميع هذا، كيف نجاسة هذا بلا حجة ولا دليل ؟ ونحن أنكرنا ذلك من القائلين .
الجواب :
إن الوندر لا أعرف ما هو، وأما الصابون والمشاميع فأعرف اشخاصهن ولا أعرف أصولهن والذي عرفت من آثار المسلمين أن كل ما كان مجهول الأصل فالطهارة أولى به .
وعن بعض مشايخ أهل المغرب أنه إن دخل النجس من تسعة وتسعين بابا ودخلت الطهارة من باب واحد غلبت الطهارة على النجاسة ووجه ذلك أن الطهارة من خصال الإسلام والإسلام يعلو ولا يعلى والله أعلم .
حكم ما لمسه أهل الكتاب، أو غصبوه
السؤال :
مخ ۱۷
رطوبات المشركين من أهل الكتاب والصائبين والمجوس ومن سواهم من المشركين فهل من فرق بين أنواعهم ؟ وهل من قول بطهارة رطوباتهم على العموم أو طهارة رطوبات نوع منهم على الخصوص ؟ وفي الزبد إذا مسوه بأيديهم هل تطهره النار أو الماء أم لا ؟ وكذلك الحليب هل من حيلة في طهاره ذلك ؟ وكذلك ما أخذه أهل الكتاب على رعاياهم المشركين على وجه الغصب أو في حروبهم من الكسب والنهب هل يصح شراء ذلك من أهل الكتاب أم لا ؟ وأرقب جوابك سريعا .
الجواب :
إن المشركين عند أصحابنا نوعان : كتابي وغير كتابي، فالكتابي هم اليهود والنصارى والصائبون على قول فيهم وقيل إن الصائبين ليسوا من أهل الكتاب وغير الكتابي هم المجوس وعبدة الأصنام من العرب وغيرهم ممن لا دين له إلا عبادة صنمه .
فأهل الكتاب لهم أحكام تخصهم لم يشركهم فيها من سواهم من المشركين ومن تلك الأحكام أنهم اختلفوا في طهارة أهل الكتاب فقال قوم : هم طاهرون وقيل بعدم طهارتهم .
احتج القائلون بطهارتهم بقوله تعالى { وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم } (¬1) والطعام عام وقال غير واحد : المراد بالطعام الذبائح وهو قول حكاه ابن محبوب وتوضأ عمر من جرة نصرانية، وأكل النبي " من اللحم الذي أهدته اليهودية .
مخ ۱۸
" أمر أن تغسل آنية الكتابي إذا احتيج إليها قال القطب ولا حجة في ذلك لاحتمال أنه أمر بغسلها لأنهم يتناولون الأنجاس والمحرمات فيها وظاهر ميله رحمه الله إلى القول بطهارتهم بل صحح ذلك في الذهب الخالص .
ثم إن ظاهر كلام الأصحاب اطلاق الخلاف في طهارة الكتابي من غير أن يعتبر صلح أو حرب قال القطب وقيد الشيخ يحيى توفيق الخلاف بالكتابي غير المحارب وأما المحارب فنجس قال واختلفوا في ذبيحة المحارب منهم والراجح تحريمها عندهم وذكر بعض المشارقة في كتابي غسل يده أنه قيل طاهرة ما لم تعرق وقيل ما لم تنشف .
وأما غير أهل الكتاب فقال أصحابنا : إن أعيانهم نجسة ولكنه لا يتنجس ما لقيها إلا أن كانت مبلولة أو كان مبلولا وكذلك قال ابن عباس في عبدة الأوثان أن نجاستهم لأعيانهم من حيث الشرك، واحتجوا بذلك بقوله تعالى { إنما المشركون نجس } (¬1) قال القطب : وأكثر قومنا على طهارة أبدان المشركين، بل قيل اتفقوا على ذلك وقيل : إن الخلاف في المشركين من غير أهل الكتاب موجود في المذهب أيضا .
وقال مالك كل حي طاهر ولو عابد صنم أو كلبا أو خنزيرا وليس هذا بشيء والصحيح ما عليه أصحابنا رحمهم الله تعالى لظاهر الآية . ولعل القائلين بعدم نجاسة المشركين مطلقا يتأولون الآية بما قيل إن المراد
مخ ۱۹
وسائر الاعتقادات الفاسدة وقيل المراد ذمهم وتنقيصهم قال القطب ويحتمل أن يكون المراد أنه يجب أن يجتنب عنهم كما يجتنب عن الأنجاس أو أنهم لا يتطهرون ولا يتجنبون عن النجاسة غالبا وقال قتادة ومعمر بن رشد سموا نجسا لأنهم يجنبون ولا يغتسلون وإن اغتسلوا لم يجزهم، وعن قتادة يجنبون فلا يغتسلون ويحدثون فلا يتوضؤن .
فإذا عرفت هذا كله عرفت أحكام ما لاقته أبدان المشركين من زبد ولبن وغيرهما وإذا تنجس نحو الزبد لملاقاة النجس من أبدانهم أو غيرها فلا يطهر بالنار لكن يهراق إن كان مائعا ويلقى ما لاقت النجاسة منه إن كان جامدا كما أمر رسول الله " في سمن ماتت فيه فأرة . والحليب وجميع المائعات كالسمن المائع، وجميع الجامدات كالجامد .
وأما ما اغتصبه المشركون من رعاياهم أو غيرها فإن كان ذلك الاغتصاب منهم على جهة الاستحلال فقد صرح بعض أصحابنا ومنهم أبو يعقوب صاحب الدليل بجواز معاملتهم في ذلك فيصح على مذهبهم شراؤه منهم وقبوله من أيديهم، وإن كان اغتصابهم لا على جهة الاستحلال بل على نفس الانتهاك أي لا يدينون بجواز ذلك بل يدينون بتحريمه ويفعلونه فلا احفظ فيه شيئا والذي يظهر لي أنه لا تصح معاملتهم فيه وأن ذلك كالحرام الذي في يد المسلم الدائن بحرمته والله أعلم .
مخ ۲۰
شرح حديث النهي عن الاستنجاء من الريح
السؤال :
حديث في " وفاء الضمانة " وهو هذا : " وكان " ينهى عن الاستنجاء من الريح ويقول من استنجى من الريح فليس منا " فهذا الحديث يدل على عدم جواز الاستنجاء من الريح وهل تكون الريح عامة التي لها صوت أو لم يكن ؟ وإذا كان الموضع رطبا من ماء أو عرق فلا ينجس الموضع والثوب على هذا .
تفضل اشرح لى معاني هذا الحديث مأجورا إن شاء الله .
الجواب :
نعم هذا الحديث عام لكل ريح كانت ذات صوت أو لم تكن كان الموضع يابسا أو رطبا لأن الريح جسم لطيف لا يؤثر في الموضع نجسا ولا يبقى عينا وإن كان الريح منتنا أو الموضع رطبا .
ورأى الاستنجاء من الريح بعضهم إذا كان الموضع رطبا نظرا منهم إلى أن الريح جسم نجس فإن صادف محلا رطبا علق به فكان الموضع
نجسا .
مخ ۲۱
وأما الحديث فمتأول على غير ظاهره لأن الظاهر يقضى بمنع الاستنجاء من الريح أصلا وإن فعل ذلك ليس من المسلمين ولا شك في جواز الاستنجاء وإن كان عن غير نجس إذا قصد به النظافة والنزاهة ونحو ذلك فينبغى أن يقال إن معنى الحديث إنما هو في من استنجاء من الريح معتقدا لزوم ذلك فإن من اعتقد غير اللازم لازما كان مخطئا ومن ألزم نفسه ما لم يلزمها كمن وسع لها ما لا يسع هذا ما ظهر لي في بيان معنى الحديث فانظر فيه ولا تأخذ لها ما يسع هذا ما ظهر لي .
عدم ثبوت النجاسة إلا باليقين
السؤال :
رجل يرى في ازاره قبيل المقعدة نقطا حمراء وسوداء ولا يبين له أنها وكح دم ولا غيره وليس به ألم في مقعدته حتى يكون على يقين، ما حال صلاته على هذه الصفة ؟ وهل يسعه أن يصلي بالناس لأنهم إذا حضر يكرهون أن يتقدموه ؟ فما ترى سيدي من النظر في أمره ؟ أيترك الإمامة على الشك أم يصلي بهم حتى يستيقن أن ذلك دم من غير شك ؟ بين لنا ذلك .
الجواب :
لا يترك الإمامة على ذلك بل يصلي بهم حتى يستيقن أنه دم لأن الأصل في الثوب الطهارة فهو على أصله حتى يصح غير ذلك والله
أعلم .
طهارة ما وقعت فيه فأرة
السؤال :
خرس نيل وقعت فيه فأرة فوجدها صاحب الخرس طافية فوق الماء ما حكم النيل والماء من الخرس ؟ وهل ينتفع صاحب النيل أم لا ؟ أفتنا مأجورا .
الجواب :
مخ ۲۲
إذا كان النيل مختلطا بالماء ممتزجا به فلا ينتفع صاحب النيل به بل يراق جميعا ويسعى في تطهير الخرس على حسب القانون المذكور في تطهير الخزف والفخار وإن كان النيل جامدا راكدا جمودا يمكن معه عزل الماء عنه ويستطاع الاحتيال في تطهيره بالماء فلا أرى بأسا أن ينتفع به بعد تطهيره .
ولست أعرف قواعد النيل فلذا جئت بهذا التفصيل نظرا الى حديث الفأرة الواقعة في السمن فأمر " بإراقته إن كان مائعا وبإلقاء الفأرة وما حولها إن كان جامدا فالمسألة كالمسألة وهي على مثلك ليست بمشكلة هذا ما حضرني . والله أعلم . فلينظر فيه ولا يؤخذ إلا بعدله .
حكم تصرفات الأقلف
السؤال :
عن الأقلف هل هو كالمشرك فلا يزوج ولا يتزوج ولا يذبح ولا تصح صلاته ؟
مخ ۲۳
الجواب :
نعم جعلوه في ذلك كله كالمشرك لأنه شابهه في حصول القلفة المانعة من الوصول إلى الطهارة عن البول والجنابة مع إمكان زوالها ومن تشبه بقوم فهو منهم .
وأيضا من شرط الإسلام حصول الختان وإن لم يحصل الختان فلا إسلام . والله اعلم .
الصلاة بالغسل دون الوضوء بعده
السؤال :
الأثر من أن الجنب إذا أزال النجس عن موضعه وغسله وتوضأ على ما أمر جاز له أن يصلي بذلك الوضوء فهل هو توضؤ على نجاسة والنبي "
يقول : " إن تحت كل شعرة جنابة " أم للحديث معنى غير ظاهر ؟ تفضل اكشف لي ما أشكل علي .
الجواب :
جواز الصلاة بذلك الوضوء بعد أن يغتسل وردت فيه السنة النبوية وليس هو وضوء على نجاسة لأن بدن الجنب طاهر إلا ما مست منه النجاسة والغسل من جميع البدن تعبد غير معقول المعنى لا لزوال نجاسة في البدن .
مخ ۲۴
أما الحديث المصرح بأن تحت كل شعرة جنابة فليس المراد بالجنابة فيه النجاسة المعروفة وإنما المراد من الحديث المبالغة في تنقية البشرة والمعنى اغسلوا البدن غسلا عاما بالغا كل مبلغ كغسلكم له حين تعمه النجاسة هذا ما ظهر لي والله أعلم .
التوضؤ من آنية غير المسلمين
السؤال :
الماء الذي في آنية المشركين الكتابي والوثني ما حكمه ؟ وهل يجوز استعماله أم لا ؟ وكذلك الثوب الذي غسلوه ما حكمه ؟
الجواب :
حكم الماء الذى في آنية المشركين حكم رطوباتهم إذا كان ذلك الماء في القلة بحيث ينجس بقليل النجاسة وأما إذا كان كثيرا فحكمه الطهارة .
مخ ۲۵
وقد اختلفوا في رطوبات الكتابي فمن قال بأنها طاهرة لزمه أن يقول بطهارة الماء الذي في أوانيهم ويحتج له بما روي أن عمر توضأ من جرة نصرانية، ومن قال أنها نجسة وجب على قول تنجس الماء القليل الذي في أوانيهم ويصح على مذهب أبي عبيدة أن لا ينجس ما لم يغلب عليه حكم النجاسة ويحتج له بما روى أن رسول الله " توضأ من مزادة مشركة .
قال محمد بن محبوب أرجو أن لا يكون بأس على من توضأ بماء اليهود والنصارى وهو في بيوتهم ما لم يعلم به بأسا أو أنهم مسوه وقال أن ماءهم مثل دهنهم قيل وكذلك المجوس ودهنهم ؟ قال نعم وقيل إن المجوس في ذلك ليس كأهل الكتاب .
وجوز بعضهم غسالة اليهودى والنصرانى وكرهه أبو عبد الله محمد بن محبوب وأما الوثنى فلم نعلم أن أحدا أجاز غسالته للثوب والله أعلم .
تطهير الأشياء من الجنب بعد غسل يده
السؤال :
الجنب إذا غسل بعض ثبابه بعد غسل يديه وإماطة ما به من النجس أيكون غسله هذا مطهرا أم لا ؟ وإذا أراد هذا الجنب أن يؤخر الوضوء بعد الغسل ونيته أن يكتفي به عن وضوء صلاة حصره وقتها فغسل بعض الثياب النجسة بعد الغسل وقبل الوضوء أترى صنيعه هذا حسنا وفعله جائزا وثيابه طاهرة ووضوءه تاما أم لا ؟
مخ ۲۶
الجواب :
نعم فعله في الموضعين جائز وثيابه بعد الغسل طاهرة لأن بدن الجنب ليس بنجس في ذاته وإنما أمر بغسله تعبدا فاذا أماط الأذى عن يده وغسل بها ثوبه أجزأ ذلك ولو لم يمطه مثلا من سائر الجسد، لأنه لا يشترط في طهارة الثياب طهارة جميع البدن ولهذا تصح طهارة الثياب من الحائض ومن النفساء وممن جاء من الغائط قبل ان يستنجى بل الشرط في طهارتها أن تكون اليد طاهرة فقط إذ لو كانت نجسة لما طهر الثوب حتى تزول النجاسة التى في يده إذ لا يطهر النجس النجس فإذا زالت نجاسة اليد غسل الثوب بعد زوال النجاسة ولا يعتد بالغسل الذي قبل زوالها والله أعلم .
حكم الشعر المنزوع من الجلد وأثره في الوضوء
السؤال :
المتوضئ إذا جذب شعرا من جلده أينتقض وضؤه أم لا وهل الشعر نجس أم لا ؟ .
الجواب :
مخ ۲۷
لا نقض على وضوئه ولا ينجس الشعر إلا إذا خرج معه شيء من اللحم وذلك مثل أن يكون طرف الشعرة من ازاء اللحم أبيض فإن ذلك البياض جزء من اللحم فهو ميتة إذ ما قطع من حي فهو ميتة فإن مسه انتقض وضوؤه لمس الميتة والله أعلم .
كيفية النية في التيمم
السؤال :
عما يوجد في كتاب قواعد الإسلام أن المعدم من الماء تكون نيته للتيمم رفع الحدث ولا ينويه لفرض ولا لنافلة كيف وهو بدل عن الماء والبدل يقوم مقام المبدل وأنت كما تعلم أن المتوضئ ينوى بوضوئه لما شاء الله من الصلوات فما الذي منع المتيمم عن هذه النية ؟
الجواب :
الموجود أنه ينوى بالتيمم رفع الأحداث واستباحة الصلاة وهذا معنى لا ينافي ما ذكرت من القصد إلى الصلاة بل هو عينه مع زيادة المقصد إلى رفع الأحداث وهذه النية الموجودة في التيمم تصح في الوضوء بلا فرق بينهما إلا بنفس العبارة فإن العبارات تختلف والمعاني واحدة .
وربما اشترط بعضهم في نية الوضوء أن يقصد إلى أنه وضوء للفرض ويلزمه أن يشترط مثل ذلك في التيمم والله أعلم .
مخ ۲۸
تطهير البئر الواقع فيها وزغ
السؤال :
وزغ طاح في بئر حيا وضرب وأدمى في البئر من الضربة وغاب في البئر ولم يجده الضارب أصلا بعد ضربه وطلع من البئر أيسا وعاد في البئر بعد ساعة يلتمسه فلم يجده ما الحكم في تطهير البئر أتنزح كما قيل أربعين دلوا بدلوها أو هي نجسة حتى يعلم بخروج ما وقع فيها أم لا ؟
الجواب :
إن كان عهده بالوزغ حيا بعد الضربة فحكمه الحياة ويغسل الدم، وإن كان الدم في الماء نزع مع ما اتصل به من الماء وإن تفرق الدم في ماء البئر حتى اختلط بعضه ببعض نزحت البير أربعين دلوا بدلوها ثم تكون طاهرة إن شاء الله، وإن كان الوزغ ميتا فإنها تطلب ذاته حتى تخرج ثم تنزح البئر وإن بالغوا في الطلب فلم يجدوه فالنزح كاف لإمكان أن يكون قد أكله شيء من الدواب، والأصل الطهارة، ويريد الله بكم اليسر . والله أعلم .
العفو عن الدم في ضماد المصلي
السؤال :
معنى قول الشيخ الصائغي في أرجوزته :
مخ ۲۹
من فتح العرق ولم يحلا
العقدة عنده بالدم قد صلى
جوازه جاءت به الاثارة
رقاه لي أشياخنا الأبرار
لما روى أن أبا معاوية
قد فتع العرق كفيت الهاوية
ولم يحل عقده وبالدم
صلى فع ما قلته ثم افهم
الجواب :
هذا يتكلم فيمن كان في عينه نزول الماء فعالجه الطبيب وخرج الدم وكان الماء يضره، فإنه يجوز له أن لا يغسل الدم بل يتيمم ويصلي مستلقيا بالايماء لأن الحركة تضره، وأن أبا معاوية عزان بن صقر قد فعل ذلك بنفسه وأنه صلى والعقدة المعقودة على جفنه على حالها مع ما فيها من الدم، ويخرج ذلك كله من معنى قوله تعالى { فإن خفتم فرجالا أو ركبانا } (¬1) ومن قوله " : " إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم " . والله أعلم .
مخ ۳۰
السؤال :
الماء الراكد في الساقية متصلا لكنه ليس بجار، فاغتسل منه رجل وتوضأ وصلى، كيف ترى في وضوئه وصلاته إذا كان الماء أربعين قلة ؟ أم لا اعتبار بذلك ؟
الجواب :
إذا بلغ هذا المبلغ جاز الغسل منه، فإنه لا ينجسه إلا ما غلب عليه . وقيل بأقل من هذا القدر . والله أعلم .
ترك الاستجمار بعد الخلاء
السؤال :
رجل خرج إلى الخلاء ولم يستجمر عند فراغه ولم يرد بقلة الاستجمار خلاف السنة ؟
الجواب :
ترك الفضل، ولا بأس عليه ما لم يخش على ثيابه من الأقذار فإن الاستجمار يخفف النجس، وهو طهارة في أول الأمر وتنزه في آخره، وقد كان فرضا فنسخ وبقي الآن مندوبا والله أعلم .
مخ ۳۱
مسح اليد من اللحم قبل الصلاة
السؤال :
قول أبي زياد زعموا أن أبا عبيدة أقان بزوال اللحم فإذا حضرت الصلاة عاد بمنديل فمسح بيده وقام يصلى ما معنى أقان بزوال اللحم وما معنى عاد ؟
الجواب :
في القاموس وشرحه أقان الشيء قينا لمه، وقان الإناء قينا أصلحه فلعل معنى كلام أبي زياد أن أبا عبيدة كان يلم اللحم أو يصلحه .
وأما قوله بزوال اللحم فلا أفهمه .
أما قوله عاد فمعناه رجع إلى يديه بالمنديل .
وبالجملة فيحتمل أن يكون في قوله بزوال غلط من النساخ أو لغة اصطلحوا عليها لم تبلغنا نحن، ويحتمل أن يكون اسما لموضع كان أبو عبيدة يلم اللحم فيه . والله أعلم .
الإمامة من المتيمم للجرح
السؤال :
مخ ۳۲
إمام الجماعة إذا اعتلت منه جارحة من جوارح الوضوء كاصبع أو اصبعين من يده وخاف عليها الضرر من الماء إذا وضأ يده ويمم الباقي منها أو يممها كلها اعنى اليد، هل أحسن له أن يعتذر عن الصلاة بالجماعة أم لا يلحقه بأس في ذلك ويقوم مقامه الأول ؟
الجواب :
يجوز أن يؤم الناس ويجوز أن يقدم غيره، وإن قدم غيره فأحسن والله أعلم .
نجاسة الدم
السؤال :
ما قال واحد من مخالفينا القائلين بطهارة الدم أنه لا دليل لكم على نجاسة الدم لا من الكتاب ولا من السنة واحتجاجكم بقول رؤبة غير مسلم إذ لو كان كذلك لما قال له أبو عبيدة ما قال، وأيضا فعود الضمير إلى أقرب المذكورين وهي { قل لا أجد فيما أوحى إلي } (¬1) إلى آخرها أولى من عوده إلى أبعدهم وهكذا قال صاحب الايضاح وهو من أصحابكم وبالجملة فالنزاع حاصل وما صح فيه النزاع فلا يستقيم به الاستدلال، وكذا ما رويتموه من أنه " غسل وجهه الكريم من شجة أصابته من بعض المشركين يوم أحد لا دليل لكم فيه، فإنه عليه الصلاة والسلام ثبت عنه أنه غسل يديه من الطعام فيلزمكم أن تقولوا بنجاسة الطعام ولا قائل بهذا، أو لم يصح معنا أنه " أمر بالغسل من الدم فأحرى أن يحمل غسل وجهه الكريم من الدم على غسل يديه من الطعام لعدم الموجب للغسل فسقط استدلالكم وثبت ما ادعيناه، وأيضا فقد رأيناكم تقولون
مخ ۳۳
غسل المذبحة وترخصون في سائر الدم كدم العروق والأوداج بعد غسل المذبحة والكل دم، فما المخصص لذلك ؟
الجواب :
نحن والحمد لله لم نحتج بقول رؤبة وإنما احتجاجنا بظاهر الكتاب العزيز والسنة والإجماع والقياس وقد ذكرنا كل واحد من الأدلة في موضعه وجعلنا الضمير من قوله تعالى { فإنه رجس } (¬1) كناية عن جميع المذكورات في الآية وهي الميتة والدم ولحم الخنزير، واستشهدنا لصحة هذا المعنى في العربية بقول بعض العرب وهو رؤبة وإنما اعترضه أبو عبيدة قبل أن يفهم مراده ومعناه فلما فهم ذلك سلم له، على أن أبا عبيدة ناقل للعربية ورؤبة ناطق بها ثم أن أبا عبيدة لم يعترضه مغلطا له وإنما اعترضه متفهما لمعناه .
ثم إن الإجماع قد انطبق على نجاسة الدم المسفوح كما حكاه غير واحد صار من مخالفينا ويكفي في مستند الإجماع الدليل الظني ولا يلزم أن يكون قطعيا فهذه الاحتمالات المذكورة في الاعتراض إنما هي نزاع لو لم يكن ثمة اجماع فأما إذا انعقد الاجماع على وجه من وجوه الاحتمال ارتفع ضده قطعا فصار في النص على المعنى ولولا ذلك لما كان للاجماع فائدة لأنهم لو علموا أن سائر الاحتمالات مرادة ما أجمعوا على وجه منها فقط ولهذا تركوا كثيرا من الأشياء على احتمالاتها .
مخ ۳۴
على نجاسة الدم من غير ذلك الطريق منها حديث الجامع الصغير : " تعاد الصلاة من قدر الدرهم من الدم " ولو لم يكن الدم نجسا لما كان لاعادتها معنى، ومنها حديث عمار أن النبي " قال له : إنما تغسل ثوبك من الدم وذكر معه ثلاثة أشياء أظنها القيء والبول والغائط ولم يحضرني نص الحديث لك .
وبالجملة فالدين ما عليه الصدر الأول من الصحابة رضوان الله عليهم وقد نقل عنهم غسل الدم ونقل الاجماع على نجاسته، فهل عند مبتدعيكم نص واحد ولو ضعيفا يدل على طهارته ؟ ولو ذهبنا إلى الأخذ بالاحتمالات على خلاف ما مضى عليه المسلمون لتهدمت أركان الدين وقبحت محاسنه، وهيهات لا يكون ذلك ما بقي للاسلام أهل ويأبى الله إلا اتباع المؤمنين قال تعالى { ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا } (¬1) .
وأما قولنا بطهارة دم اللحم فلقوله " أحلت لكم ميتتان ودمان . والله أعلم .
تعليل طهارة الميتة والدم للمضطر
السؤال :
ما قاله بعض السلف أن الميتة والدم طاهران في حال الاضطرار لمن اضطر
مخ ۳۵
فهل نفس الإباحة للمضطر مزيلة لنجاستها الذاتية أم لا ؟ أرأيت لو أصاب ثوبه في ذلك الحال شيء مما اضطر إليه من دم أو لحم ميتة فهل يسعه أن يصلي به مع وجود غيره أم لا ؟ فإن لم يسعه فما معنى هذه الطهارة ؟ فضلا منك بكشف جميع ذلك، لازلت عونا لاظهار الحقائق، دمت موفقا .
الجواب :
إن علة النجاسة عند هؤلاء تحريم عينها، وأنه إذا زالت العلة للضرورة زال المعلول فيلزمهم القول بطهارة ما اضطر إليه فقط، لأن ما عدا المضطر إليه حرام لعينه . وأنت خبير أن الضرورة إنما هي سد الرمق فلا يتناول المضطر شبعته من الميتة بل ما يمسك رمقه فقط وإن ما فوق ذلك حرام فالساقط في ثوبه شيء غير ما إليه الضرورة هذا وجه قولهم فيما يظهر لي .
مخ ۳۶