لكن جرانت لم يفعل. «باستثناء عدم إتقانه للعمل. تخيل إرسال أي شيء يسهل تتبعه مثل الأوراق النقدية الإنجليزية فئة خمسة الجنيهات!» نفخ المسحوق الناعم الخفيف على نصف الورقة، لكنه لم يجد بصمات أصابع. استدعى شرطيا وأرسل المظروف الثمين ورزمة الأوراق النقدية لتصوير جميع بصمات الأصابع. وأرسل الورقة التي تحمل الرسالة المطبوعة إلى خبير الخطوط. «حسنا، لسوء الحظ البنوك مغلقة الآن. هل أنت في عجلة من أمرك للعودة إلى زوجتك، ويليامز؟»
لا، لم يكن ويليامز في عجلة من أمره. كانت زوجته وطفله في ساوثيند مع حماته لمدة أسبوع.
قال جرانت: «في هذه الحالة، سنتناول العشاء معا ويمكنك أن تشرح لي بالتفصيل أفكارك حول موضوع جرائم القتل في الصفوف.»
قبل ذلك ببضع سنوات، ورث جرانت إرثا كبيرا - إرثا يكفي للسماح له بالتقاعد والتحول إلى شخص تافه كسول إذا كانت هذه هي رغبته. لكن جرانت أحب عمله حتى عندما كان يسب ويقول إنه مثل الحياة الصعبة التعيسة، وكان الإرث يستخدم فقط لتيسير الحياة وتجميلها حتى يتم القضاء على ما يمكن أن يكون أماكن قاتمة، وجعل بعض الأماكن القاتمة في حياة الآخرين محتملة. كان هناك محل بقال صغير في ضاحية جنوبية، مشرق مثل الجوهرة بسلعه المتنوعة، ويدين بوجوده للإرث ومقابلة جرانت صدفة لرجل يحمل بطاقة إطلاق سراح في أول صباح له خارج السجن. لقد كان جرانت من تسبب في «سجنه»، وكان جرانت من وفر وسيلة إعادة تأهيله. لذلك، فإنه بسبب الإرث وحده، كان جرانت يرتاد مكانا حصريا للغاية لتناول الطعام مثل مطعم لورنس، كما أنه بفضل ذلك الإرث أصبح الشخص المفضل لكبير النوادل - وهي حقيقة أكثر إثارة للدهشة والإعجاب. خمسة أشخاص فقط في أوروبا هم المفضلون لرئيس النوادل بلورنس، وكان جرانت مدركا تماما لهذا الشرف وكان واعيا تماما بالسبب.
التقى بهم مارسيل في منتصف الطريق المؤدي إلى الغرفة ذات اللونين الأخضر والذهبي، وعلى وجهه تعبير عن الحزن الشديد. لقد كان عابسا لعدم وجود طاولة تليق بالسيد. لم تكن هناك طاولات شاغرة على الإطلاق باستثناء واحدة في تلك الزاوية كانت غير صالحة للاستخدام على الإطلاق. فالسيد لم يخبره أنه قادم. لقد كان عابسا، وحزينا حقا.
قبل جرانت بالطاولة دون تذمر. فقد كان جائعا، ولم يهتم بالمكان الذي يأكل فيه ما دام الطعام جيدا، وباستثناء حقيقة أن الطاولة كانت خارج باب الخدمة مباشرة، لم يكن هناك أي عيب آخر بها. توارى الباب خلف ستائر خضراء لمنع دخول الهواء، وأما الباب، فلكونه متأرجحا، فقد جعل خشخشة الأواني مثل موسيقى خافتة منبعثة من صنج، تعلو بين الحين والآخر في نغمة صارخة مفاجئة عندما ينفتح الباب على مصراعيه ثم ينغلق مرة أخرى. أثناء العشاء، قرر جرانت أنه في الصباح يجب على ويليامز زيارة البنوك في المنطقة المشار إليها بالختم البريدي للرسالة، وباستخدام ذلك كأساس، يتتبع تاريخ الأوراق النقدية. لا ينبغي أن يكون الأمر صعبا؛ فدائما ما كانت البنوك متعاونة. ومن هذا المنطلق بدآ مناقشة الجريمة ذاتها. كان رأي ويليامز أن الأمر يتعلق بعصابة، وأن القتيل قد وقع في مشكلات مع عصابته، وكان يعلم خطورة الوضع؛ لذا استعار المسدس من العضو الوحيد الودود في الحشد، ولم تتح له الفرصة قط لاستخدامه. والأموال التي وصلت الليلة أتت من الشخص الودود سرا. كانت نظرية جيدة بما فيه الكفاية، لكنها أهملت أشياء. «لماذا لم يكن هناك أي علامات لتحديد هويته، إذن؟»
قال ويليامز بمنطق حماسي: «ربما هذه إحدى عادات العصابة. يصعب تحديد الهوية حال الوقوع في الأسر.»
كانت تلك نظرية محتملة، وكان جرانت صامتا بعض الوقت، يفكر في الأمر. أصبح واعيا مع تقديم الطبق الرئيسي، وشعر أن هناك من يراقبه بفضل تلك الحاسة السادسة التي تطورت إلى فطنة غير طبيعية نتيجة لأربع سنوات على الجبهة الغربية والكثير من السنوات في إدارة التحقيقات الجنائية. كان جالسا وظهره إلى الغرفة يكاد يواجه باب النوادل - ألقى نظرة خاطفة عرضا على المرآة، كابحا الدافع للالتفات. لكن لا يبدو أن أحدا أبدى أي اهتمام به. واصل جرانت تناول الطعام، وفي غضون لحظة أو اثنتين حاول مرة أخرى. فرغت الغرفة بشكل كبير منذ وصولهما، وكان من السهل فحص مختلف الأشخاص الذين يجلسون على مقربة منهما. لكن المرآة لم تظهر سوى مجموعة من الأشخاص المستغرقين في التفكير، يأكلون، ويشربون، ويدخنون. ومع ذلك كان لدى جرانت هذا الشعور بأنه يخضع لفحص دقيق طويل. لقد جعل ذلك الفحص المستمر غير المرئي جسده ينمل. رفع عينيه فوق رأس ويليامز إلى الستائر التي أخفت الباب. وهناك، في الفجوة بين الستائر، كانت العينان اللتان تراقبانه. وكما لو كان قد أدرك انكشاف أمره، اضطربت العينان واختفتا، وواصل جرانت بهدوء وجبته. كان يعتقد أنه نادل فضولي للغاية. ربما يعرف من أنا، وأراد فقط أن يحدق في أي شخص ذي صلة بجريمة قتل. فقد عانى جرانت كثيرا من المحدقين. لكن بعد وقت قصير، نظر إلى أعلى في منتصف حديثه، ووجد العينين تفحصانه مرة أخرى. زاد الأمر عن الحد. وفي المقابل كان يحدق ببلادة. لكن من الواضح أن صاحب العينين كان لا يدرك أنه كان مرئيا على الإطلاق لجرانت، وواصل مراقبته دون انقطاع. بين الحين والآخر، بينما كان النادل يأتي أو يذهب خلف الستائر، اختفت العينان، لكنهما كانتا تعودان دائما إلى تحديقهما الخفي. كان يستولي على جرانت الرغبة في رؤية هذا الرجل الذي استحوذ على اهتمامه. قال لويليامز، الذي كان جالسا أمام الستائر بما لا يتجاوز الياردة: «هناك شخص في الجزء الخلفي من الستائر خلفك يهتم بنا على نحو غير عادي. عندما أطقطق أصابعي، ادفع بيمينك للخلف وأزح الستائر جانبا. اجعل الأمر يبدو وكأنه حادث بقدر ما تستطيع.»
انتظر جرانت حتى هدأت حركة النادل قليلا وكانت العينان ثابتتين في التحديق، ثم بلطف طقطق إصبعه الوسطى وإبهامه. وانطلقت ذراع ويليامز القوية، واهتزت الستائر لحظة وتداعت إلى جنب. ولكن لم يكن أحد هناك. فقط أظهر التأرجح الهائج للباب المكان الذي خرج منه أحدهم على عجل.
اعتقد جرانت أن هذا يكفي، بينما كان ويليامز يعتذر عن حادث الستائر. لا يمكنك التعرف على زوجين من العيون. أنهى عشاءه دون مزيد من الانزعاج وعاد ماشيا إلى سكوتلانديارد مع ويليامز، على أمل أن تكون صور بصمات الأصابع على المظروف جاهزة ليفحصها.
ناپیژندل شوی مخ