فضحك باقتضاب وقال: الحديث كان عن السلوك الشخصي. - هو على أي حال من ذيول الماضي الذي قررت تغييره من جذوره. - أنا نفسي قلت ذلك، ولكن الماضي يتمثل لبعض الناس وكأنه الحقيقة الوحيدة الراسخة. - يا له من موقف سخيف حقا!
فقال برقة ليخفف من وقع حمولته: كلام قيل عن القمار.
فهتفت من فوري: كلا، لست بطبعي مقامرا، لعبت مرات معدودات ثم لم أعد إليه. - والخمر؟ - اسمع، صدقني، دائما كنت وما زلت معتدلا، لم أفقد الوعي إلا مرة واحدة. - آل ميري لا يخافون الشراب بقدر ما يخافون عواقبه. - لم تكن ثمة عواقب وخيمة. - عابد ميري نفسه يشرب، وهو يغني إذا شرب، ولكن قيل له: إنك طولت لسانك مرة على الاستبداد، وأنت فاقد الوعي!
قلت لك إنني لم أفقد الوعي إلا مرة واحدة. - ربما وقع ذلك في تلك المرة، وعابد ميري يخاف أن يتكرر ذلك بعد أن تكون قد صرت زوجا وأبا؟
فقلت بحدة: لا أساس لخوفه صدقني، ثم لماذا تذكر تلك الزلة، وتنسى مجاملاتي الطويلة للاستبداد، وأنا في تمام الوعي؟! - الموضوع قابل للمناقشة؛ فلنتركه إلى حين، ولكن ما الرأي في ولعك بنسوان شارع محمد علي؟
فقلت وكل شيء يتجهمني: ماضي أي رجل لا يخلو من عبث مثل ذلك. - عابد ميري يسلم بالمبدأ، ولكنه يحتج على الذوق، وقال: إن يكن ذا ولع خاص بأولئك النسوة فكيف أتصور أنه يمكن أن ينسجم مع فتاة كريمة مثل ابنتي! - وهل يوجد فارق حقيقي بين كريمته وبين نساء محمد علي؟
فضحك صديقي وقال: آه لو سمعك تقول ذلك.
وساد صمت يغلفه الأسى، وارتسم الإشفاق على وجه صديقي، ولكني أشرت إليه أن يواصل، فقال: يتحدثون عن شقة مفروشة تملكها بناء وأثاثا! - وفي نيتي أن أقيم فيها بعد الزواج، ماذا في ذلك؟ - الشقة لا تهم، ولكن من دأبت على استقبالهم فيها! - ماذا يقصد الأوغاد؟ - ها أنت تغضب فيحسن بي أن أسكت. - هات ما عندك، وإن أردت جوابا فإني كنت أستضيف بها نخبة من الأصدقاء. - أصدقاء من نوع خاص، من إخواننا العرب الأثرياء. - استضفتهم بصفتهم أصدقاء لا أثرياء، وقد توطدت علاقتي بهم مذ أيام إعارتي للعمل في بلادهم. - أما أنا فأصدقك ولكنك تعلم كيف تترجم تلك العلاقات البريئة على ألسنة السوء؟
فاستشطت غضبا وهتفت: للصبر حدود. - لا تغضب، فذاك امتحان يتعرض له كل طالب زواج.
وعجبت - وحق لي أن أعجب - من تشدد الناس في تحرياتهم، وعجبت أكثر بالنظر إلى أننا نعايش فترة من الانحلال والفساد بات يضرب بها المثل، فلم يتشدد الناس في تحرياتهم كل ذلك التشدد، وهل يعتقد الآباء أنه يمكن أن ينتقوا أزواجا لبناتهم من منطقة مجهولة تقع خارج الزمن والتاريخ؟ وهل عش الزوجية أهم في حياتنا العامة من الوظيفة؟ وألا يضج الناس بالشكوى ليل نهار من الخدمات المبتورة - وضمنا - من المسئولين عنها؟ فكيف تزوج أولئك القادة، وكيف تفادوا من مطاردة التحريات؟!
ناپیژندل شوی مخ