والألقاب - أن يكون جامعوها لا يدرون مشرب رجالها ولا ما يتحملونه - مع أن العَامِّيَّ وَالأُمِّيَّ نراه إذا خدم عَالِمًا لا يخفى عليه مشربه ومذهبه ورأيه وفكره، فكيف بعالم مؤلف، لا بل بإمام مجتهد يستنبط الأحكام من الأحاديث ويترجم عليها، ويزاحم من تقدمه من الأئمة في التخريج وَالرَدِّ والاستدراك والتفريع والتأصيل؟ ألا يدري مذهب رجال إسناده ونحلتهم، وهم عمدته في الاستدلال، وركنه في الاحتجاج؟؟ بلى! ثم بلى! وهو أجلى من أن يبرهن عليه، أو يرد على من كابر فيه، ولقد كان علم الجرح والتعديل، ومعرفة طبقات الرجال وتراجمهم من أوئل ما يدريه طلاب الحديث وَمُرِيدُو التحمل عن الحفاظ، ولكن من أين يدري أبناء هذا الجيل، ما كان عليه السلف من فنون التحصيل، وقد اندرست تلك العلوم، ولم يبق منها ولا الرسوم، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
وأما قول بعضهم: فكيف يستدل بإخراج الشيخين على عدم جواز المعاداة مع قيام هذه الاحتمالات؟ وكيف يسوغ للإنسان أن يتمسك بالمحتمل الذي لا تقوم به حُجَّة؟ فقد علمت سقوط هذه الاحتمالات،وأنها أشبه بالأوهام والخيالات، والتلاعب في الحقائق الواضحات، والمحتمل الذي تقوم به حُجَّةٌ هو الذي يتطرق إليه احتمال معقول، أو تأويل مقبول، جارٍ على قوانين التأويلات، والأوجه المعروفة في نظائره.
1 / 28