نوال السعداوي
القاهرة
22 مارس 2017
جنات تأتي
ذلك الصباح شقت الشمس السحب المتراكمة في الليل، وانفتحت البوابة الضخمة. مفاصلها الحديدية طقطقت بصرير الساقية العتيقة، صوت لم يكن مألوفا في ذلك السكون المطبق، طارت بعض العصافير من الفزع أو الفرح، أصبح لها صوت يشبه الزقزقة.
دبت حركة في الأجساد الجالسة فوق الأرض. أجساد بشرية من بني آدم وبنات حواء، اتسعت عيونهم وعيونهن نصف المغلقة فيما يشبه النوم. كانوا جالسين، الرجال منهم، والنساء جالسات، فوق مساحة من الأرض الجرداء. رمل أصفر وعشب ذابل ونباتات لها أشواك. تنبت وحدها بلا ماء، ولا غذاء، يسمونها «شيطانية»، السماء قبل ظهور الشمس رمادية خاوية إلا من ذرات تراب، والسكون، الهواء معدوم، الجو ثقيل مشبع بالدخان والهزيمة.
الرجال منهم في مكانهم المعتاد، جلابيبهم واسعة بيضاء علامة المرض، حزام رفيع مربوط حول الوسط له دلالة معينة في السجلات الرسمية، ضمن الأمراض المعدية كالدرن والجذام، وما إن ينظر الواحد في عيني الآخر حتى تنتقل إليه العدوى، يحملقون في الفراغ بعيون نصف مفتوحة، يملؤها إدراك كامل بالموت، تطفو فوق دمعة حبيسة لا تجف ولا تسقط، رءوسهم حليقة «نمرة واحد» بأمر المدير. وجوههم يغطيها شعر ذابل يتدلى فوق صدورهم. لا أحد يعرف أعمارهم بالضبط. إلا رجل واحد يسمونه إبليس، يبدو في عمر الشباب ، حليق الوجه، بلا شارب ولا لحية، شعر رأسه متمرد على القانون، غير محلوق، خصلة قصيرة أمامية يطيرها الهواء، تسقط فوق جبهته السمراء، يرفعها بأصابع رفيعة، تظهر عيناه في الضوء سوداوين، يكسوهما بريق خاطف شبه مجنون، من تحته دمعة مليئة بالحزن.
السور من الحجر عال من فوقه أسلاك، رءوس الأشجار تهتز مع الهواء بحركة ثقيلة، عيناه تدوران مع السور حتى البوابة الحديدية.
النساء كان لهن مكان معين، يسمى ركن الحريم، يجلسن القرفصاء فوق الأرض، رءوسهن ملفوفة بالطرح البيضاء كالعائدات من الحجاز، أذرعهن حول صدورهن معقودة، أيديهن تحت خدودهن والشفاه مطبقة، مزق السكون صوت البوابة الضخمة، اهتزت أعمدتها الحديدية واهتزت معها جدران السراي.
السراي؟! كلمة ناقصة لا تدل على شيء، حتى يضاف إليها كلمة أخرى من خمسة حروف فترتعد الأجساد. سراي أو قصر قديم منذ الفراعنة. كان يسكنه ملك تصور أنه يملك الأرض والسماء، وبني آدم وبنات حواء، ثم مات كما تموت الخيول. دفنوه في حفرة بالأرض إلى جوار حصانه وسيفه. لم يبق من الثلاثة إلا قطعة صغيرة من الحديد على شكل نصف دائرة، كانت حدوة في حافر الحصان وأصبحت داخل غرفة زجاجية بمتحف المدينة يتفرج عليها السياح.
ناپیژندل شوی مخ