رائحة الكحول تنفذ إلى أنفها، تذكرها بالمدرسة وغرفة الحكيمة. أصابع الرئيسة رفيعة شاحبة تعلوها رعشة. تنظر إلى السقف. تتفادى النظر إلى عينيها. تدعك ذراعها بقطعة القطن. مرة بعد مرة حتى توقف الدم. بقيت قطرة واحدة حمراء عالقة بكم الجلباب الأبيض.
منظر الدم منذ الطفولة يفزعها. لم يكن فزعا حقيقيا. ربما كان شيئا آخر. أقرب إلى الفرح؟ أو رغبة الاستطلاع؟ كالرغبة الآثمة كانت تريد أن تعرف. أن تقطف الثمرة المحرمة من فوق الشجرة! وحين تذبح جدتها الدجاجة تحملق في حمرة الدم القاني كأنما هو دمها.
تلفتت حولها تبحث عن عيني المدير وراء الزجاج. لم يكن هناك أحد. لا المدير ولا الرئيسة. في السقف الأجرب شق تطل منه عينان تلمعان، تحملقان فيها بنظرة فاحصة. رأسها صغير كرأس السحلية. الذيل طويل رفيع يلتوي إلى الأمام مثل قرن أبيس.
أدهشتها المفاجأة فسقطت الساعة من يدها فوق الأرض. أحدث سقوطها صوتا مسموعا فاختبأت السحلية داخل الشق وهي تضحك. رنت ضحكتها في الجو كشهقات طفلة تبكي.
هه هه هه هه.
يشبه صوت أمها حين كانت تنشج في الليل. يسري في أذنيها كحفيف الهواء. أمها واقفة وراء النافذة. جبهتها عريضة. أنفها مرتفع شديد الاستقامة. خداها عظامهما بارزة مدببة. العينان سوادهما قاتم. من زاوية فمها ينساب خيط رفيع من الدم.
أخفت رأسها تحت الوسادة، صورة أمها تغزوها من كل جانب. شلال من الصور والماء البارد يغرق رأسها. تلتقي البرودة بالسخونة فوق جبهتها العريضة. تبرز قطرات العرق، البخار يتصاعد من فتحتي أنفها يهز الملاءة والمرتبة وأرجل السرير الأربعة.
ترفع يديها الاثنتين. تمسك بهما الملاءة! تلفها حول نفسها. تتشبث بها كأنما هي روحها تمسكها بيديها قبل أن تفلت منها. - جنات؟
أذناها تنتصبان مرهفتين. أهو اسمها؟ كأنما تسمعه لأول مرة. ربما سمعته من جدها أو أبيها. كان يقول جنات جمع جنة، وتسأل: جنة يعني إيه؟ ويفتح الكتاب ويقرأ: جنة عدن تجري فيها أنهار من عسل ولبن. لم تكن تحب طعم العسل ولا اللبن. تفضل عليهما الجبنة الحادقة والخيار المخلل.
فتحت عينيها تختلس إلى ما حولها نظرة. السقف أجرب مشقق نقشت عليه صورة العجل أبيس. أين السقف الأبيض المدهون بالبلاستيك؟ والستارة الزرقاء الشفافة؟ والسرير العريض يطل منه وجه زكريا. - زكريا؟
ناپیژندل شوی مخ