إخاء
كانا صديقين وفيين، قد صفا بينهما الود، وارتفعت بينهما الكلفة، واشتدت حاجة كليهما إلى صاحبه، حتى لم يكونا يفترقان إلا كارهين، وقد استقام لهما الود الخالص، والحب الصفو، ما لم يقدر أحدهما لصاحبه على شيء من متاع الدنيا، ثم أتيح لأحدهما حظ من قوة؛ فأسدى إلى صاحبه طرفا من خير، فما هي إلا أن تستحيل الصلة بينهما إلى شيء معقد أشد التعقيد، فيه الاعتراف بالجميل، والاعتراف بالجميل يكدر صفو المودة. وفيه الاستزادة من النفع، ودخول المنفعة بين الأصدقاء مفسد للصداقة. وفيه الموجدة إذا لم ينل صاحب المنفعة ما يبتغي، وحاجة من عاش لا تنقضي، كما يقول الشاعر القديم، ودخول الموجدة بين الأصدقاء، حين لا يبلغ أحدهم من نفع صاحبه ما يريد، أول مراتب العداء. وفيه الحسد، والحسد يأكل المودة كما تأكل النار الحطب. ثم فيه الجحود، والجحود لا يفسد الود وحده، ولكنه يفسد المروءة أيضا؛ أيجب إذن أن يعجز الأصدقاء عن أن ينفع بعضهم بعضا لتصح بينهما الصداقة، وليخلص بينهما الإخاء؟ لا أدري! ولكني أعلم أن ليس أخطر على المودة الخالصة من دخول المنفعة بين صديقين.
إخاء
قال الطالب الفتى لأستاذه الشيخ: إن الشاعر يخيرنا بين الوحدة واحتمال الإخوان على علاتهم حين يقول:
فعش واحدا أو صل أخاك فإنه
مقارف ذنب مرة ومجانبه
فأي الأمرين تحب لي أن أختار؟
قال الأستاذ الشيخ لتلميذه الفتى: إن الشاعر لم يخيرك، وإنما ألزمك الخصلة الثانية؛ فأنت لا تستطيع أن تنسل من الحياة الاجتماعية، كما لم يستطع أبو العلاء أن ينسل منها؛ فاحتمل الحياة الاجتماعية كلها، واصبر لما فيها من المحن.
قال الطالب الفتى لأستاذه الشيخ: وترى إخاء الإخوان محنة؟
قال الأستاذ الشيخ لتلميذه الفتى: أي محنة!
ناپیژندل شوی مخ