براهين التوحيد ودلائل الصنعة ، وأسرار الخليقة ، وأنوار الحقيقة وتهذيب النفس ، وسياسة المدن ، وحكمة التشريع والعظات البليغة ؛ والحجج الدامغة ، وانارة العقول ، وطهارة النفوس ، بينا تراه يفيض بينابيع الحكمة النظرية والعملية ويرهق على توحيد الصانع ويغرق في وصف الملائكة والمجردات بيانا ، ويمثل لك الجنة والنار عيانا كفيلسوف الهي ، وملاك روحي اذا به يعطيك قوانين الحرب وسوق الجيوش وتعبئة العساكر كقائد حربي ومغامر (1) عسكري ، لاتلبث ان تجد فيه ما يبهرك من عجيب وصف الطاووس والخفاش والذرة النملة فيصفها دقيقا ويستوعب فيها من عجائب التكوين ، وغرائب التلوين ، وما أودع صانعها فيها من مزايا الفكرة ، وبدائع القدرة ، حتى يخيل لك من دقة الوصف أنه هو الذي أبدع تصويرها ؛ وقدر مقاديرها وركب أعضاءها ، وربط مفاصلها ، هو صانعها ومبدعها وصورها وقدرها ، وشق سمعها وبصرها.
الامام الذي وضع الدنيا تحت قدميه ، وكانت وهي العزيزة لغيره احقر شيء لديه ، الامام الذي عرف حقيقتها وأعطاها حقها ، فقال : يا دنيا غري غيري قد طلقتك ثلاثا لارجعة لى فيك يا صفراء ويا بيضاء، غري غيري ، الامام الذي لولا ضرب ماضيه ما اخضر للاسلام عود ، ولاقام له عمود ، بل لولاه لما استقام الوجود ولاعرف المعبود ، الامام الذي اليه تنتهى سلاسل الصوفية ، ومنه نشأت علوم العربية ، ومنه عرف حكماء الاسلام الاستدلال بالادلة العقلية ، الامام الذي قال للسائل وهو يخطب على المنبر ( عاد ثمنها تسعا ) (2) ثم استمر في خطبته وهي
مخ ۴۴