والاحرام أيضا بجوهره وان كان نية وتروكا كالصوم الا أن الاحرام فيه عمل واحد وجودي ؛ وهو لبس ثياب الاحرام ، ومنه قد يتأتى تدخل الرياء فيه ، بخلاف الصوم المتمحض في النية والتروك فقط فهو عبادة صامتة خرساء ، ومعاملة سرية بين القلب والرب ، ولعل هذا هو المراد من الحديث المشهور (
** الصوم لي وأنا أجزى به
من دون وسائط الفيض ، وعلى المفعول : فيكون المراد انه هو جزائي واللائق بمقام عظمتي وتجردي ، فان الصائم يتجرد ويصير روحانيا ، والمتخلق باخلاق الروحانيين يلحق بهم ، ويكون لحوقه بهم جزاؤه لهم ، سواء عاد الضمير الى الصوم ، أو للصائم هذا مضافا الى ما يتضمنه الصوم من الفوائد الصحية ، والرياضة البدنية ، وتربية قوة الارادة ، ومضاء العزم ، وتهذيب النفس ، وقمعها عن الانقياد الى بواعث الشهوات ، وكبح جماع قوتي الشهوة والغضب اللتين هما أصل كل جريمة ، والسبب في هتك كل حرمة ، ومن آثاره تذكر حال الفقراء وأهل الفاقة ومن كضه الطوى وأمضه الجوع ، فان الصيام يوجب رقة القلب واندفاع الدمعة فيواسي اخوانه ، ويكون حليما ورحيما ومهبطا للرحمة ، والراحمون يرحمهم الله تعالى.
مخ ۳۱۰