لابد لكل مسلم من تأهيل عال يجعله حقيقا بالانتساب إلى الله، والخلود فى رحمته. ونفسه التى بين جنبيه هى موضع التزكية والترقية وهو يستطيع رياضتها بما شرع الله من طاعات وحدود، وبما رسم من آداب ومعالم حتى تبلغ الشأو والمراد. وليس لطريق الكمال نهاية يقف لديها المسلم، فهو ما بقى حيا مكلف بالأمر والنهى، مطالب بالنظر فى نفسه، فلعل فضلة شر بقيت يجب استئصالها، أو نشأت من جديد يجب أن يمحوها. ولو أنه أمن تسرب الكبائر والصغائر إلى نفسه، ووثق من ارتداد الوساوس الآثمة عنه فإن حقوق الله عليه من تعبد محض تبقى فى عنقه ما بقى فيه نفس يتردد حتى يلقى الله، وهو ذاكر شاكر، مستسلم الفؤاد والجوارح، يتضح على روحه هذا التوجيه العالى : (قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين * لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين ) . والطريق إلى الله تعبير لطيف عن جهود المسلم فى تصفية نفسه، وترضية ربه، والتحول عن مواطن الغفلة والركود إلى مواطن الذكر والحركة. ومراحل الطريق تتمثل فيما يحرزه المرء من نجاح، وهو يتخلص من خلة رديئة، أو مسلك عابث، ويتحلى بخلق كريم وسيرة جادة. إن هذه النقلة النفسية خطوة متميزة فيما يخلفه المرء وراءه من أحوال لا تليق، وفيما يستقبله من صحو، واستحكام رأى، ودقة تصرف، على حد قول الشاعر: صحوت وزايلنى باطلى لعمر أبيك زيالا طويلا فأصبحت، لا نزقا للحاء ولا لحوم صديقى أكولا الطريق سير فى ميادين النفوس، وجهته الله، وعدته صالح الأخلاق والأعمال. ومع هذه العدة التى يقوم المسلم بها، رجاء حار فى التوفيق الإلهى الذى يسدد الخطا ويبارك فى القليل. ذلك أن الله وعد المقبلين عليه بإقبال أعظم (من جاء بالحسنة فله خير منها) والسائر لو وكل إلى جهده وحده غلبته وعثاء الطريق فمشى ببطء أو انقطع بعد لأى، ومن ثم فإن تعويل السائرين ينبغى أن يكون على الإمداد الإلهى أضعاف ما 139
يكون على الجهد المبذول. ألا ترى الفلاح يبذر الحب ويروى الأرض، وينظر بعد ذلك إلى بركات السماء، وهو مدرك أن جهده المحدود لا قيمة له، ما لم يلحظه الله بعنايته. إن هذه العناية قد تفاوت بين جهدين متساويين فتجعل نتاج هذا عشرة عشرة أضعاف ذاك.
التوبة :
مخ ۱۲۶